ليلى ...حكاية الألف ليلة الجزء السادس

مشاهدات



عبدالباري المالكي / العراق



لا أحد يعلم ما يختلج في قلبي من ألم ولوعة ، ولا أحد يدري ماالضباب الذي غشيتني به ليلى من تصرفاتها .

( لاأعلم للآن  هل تحبني هي أم لا ؟ )..

تخيلوا أيها السادة أني لا أدري ما تخفيه هذه المرأة  عني ، ولا أعرف مايجول في خاطرها نحوي ...

هل تحبني ...ام لا ؟ ..

والحق أني خضت مع قلبي معركة شديدة الوطيس هذا الايام ، خرجت منها بجواب :-  لاادري هل تحبني ام لا .

هذه المعركة التي خضتها مع قلبي ليست معركة هيّنة أبداً ، فحبي لها ليس حب رجل لامرأة فحسب ، بل هو بين تأريخين مختلفين التقيا عن طريق القدر الذي فرش لنا درباً بالزهور .

وما يكنّه قلبي من عشق لها يتجاوز أركان العشق الذي قرأناه في القصص الخوالي والأفلام المصورة  ، فليتها تعلم ان حبي لها هو حب نبيل من  رجل نبيل لامرأة نبيلة  ، والرجل النبيل 

لا يعشق كل مرة ، والرجل النبيل لايرى النساء بعينيه بل بقلبه .

و أكاد أقسم أني مارأيتُ امرأة من قبل إلا هي ، لأني لم أكن أرى تلك النساء بقلبي ، ولم أكن أنظر إلى جمالهنّ الفائق ، لأنه لم يكن يعنيني ...

ولأجل ذلك فقد أخرجتُ كل أوراقي لقلبي وكشفتها وافترشتها على أرضه لأعرف جواب ما أسائله طوال هذه الفترة ، لأعرف ما يمكن لي أن أفعله او ما لاأفعله ، فقلبي له الحق أن يعرف جواب ما تضمره لي هذه المرأة .

والحق ... أن أوراقي لم تكن ذات قيمة أمام قلبي الذي يطالبني للآن ولو بدليل واحد  فقط أثبت به له أنها تحبني ...

وقد تعسّر عليّ هذا الدليل ...

يا الله ... كم أشعر بألم وحيرة ، إذ  لم أشعر بمثلها من قبل ، حتى بتُ لاأرى للحياة طعماً دونها ، ولا أجد منها ما يسمن جوعي ، ولا يروي عطشي ...

على أني أيها السادة... لا أخشى في حياتي هذه إلا شيئين ...

البحر ... والنساء .

وكم كنتُ أتجنبهما كثيراً فلا طاقة لي على الغوص فيهما ...

فأما البحر ، فتلاطم أمواجه وظلمته التي تحيّر الألباب ، وتقلّب مزاجه بين لحظة وأخرى  هو مايدفعني الى خشيته إلى أبعد الحدود ، ومنذ طفولتي والى الآن كنت أهرب من البحر ، لأني أعلم أن لا أمان فيه .

وأما النساء فقد أخذت عهداً على نفسي أن لا أعشق امرأة مهما كانت ، وان لا أغوص في حياتها ولا في عينيها ، فلا أمان عند عينيّ امرأة ، ولا حياة لمن يعشق امرأة .

وماحدث ...لم يكن بيدي ، بل القدر الذي جاء بليلى وهي ذات شأن كبير ،  ونبلٍ أكبر ، لألتقي بها ، ولم أكن أعلم البتة أن معلّماً مثلي يقع فريسة عينيها ، وأنا المعلم الذي أوقف السفر في قلبه منذ سنين .

الليلة ... كنت قد افترشت الأرض وسألت قلبي ماالحل ؟

وما استغربته أني رأيت قلبي يسألني ماالحل ؟

طويتُ ذراعيّ على رأسي ورقبتي ورحت افكر وأفكر ...هل تحبني ليلى أم لا ...؟

ورحتُ أعدّد ما فعلته هي لي واحدة واحدة ... وبعد أن أتممت الألف دليل ، سألت قلبي هل تكفيك هذه الأدلة الألف ، فضحك قلبي مما أنا فيه وأبلغني أن هذه الأدلة الألف ماهي إلا مجرد أضغاث أحلام ... وماهي إلا مظهر لعقلك الباطني  يريد أن يرى الأدلة بهكذا صورة ، وماهي إلا وشوشات خائر ، وهمهمات حائر ، وعناد مكابر ..

وأعود فأسأل قلبي هل لديك دليل واحد على أنها تحبني ؟

ويأتيني الجواب :- لا دليل عندي .

تلك هي الكارثة ... حب من طرف واحد ، حب رجل نبيل لايملك شيئاً  أغلى  من قلبه ، وليتها تعلم أن لا أغلى من قلبي في هذا العالم .

قلبي ... نعم قلبي الذي أمنته عند ليلى ففرطت به ، قلبي الذي أخفيته عن نساء الأرض لأمنحه الى امرأة ، أول شيء فعلته به أنها مزقته إرباً إرباً .

قيل قديماً ... لاتثق بالنساء ، لكن ليلى ليست من النساء، إنها حورية من الجنة لاتعرف المكر ولا الخديعة ، ولا تعرف للخبث مكاناً لديها .

إذن كيف أفسر مايحدث لي من ضياع أعيشه بين يديها  ، فلا أحد قادر على مساعدتي ، بل ولا أحد أستطيع ان أفصح له عن  ماأعيشه من حب قد يكون من طرفي أنا فقط .

وماهو أكثر إيلاماً لي هو أني لست قادراً على شرح مااعانيه من وجع لأحدٍ يلمّني  بسببها ، ورغم علمها بذلك لكني لا أراها تأبه لوجعي ، وكأن مايحصل لي ليس بسببها ، او كأنها فتاة لاتعرفني أصلاً  لتشعر بمايحدث لي .

كثير هو ماأعانيه بسببها ،  وعجيب أنها تدرك ذلك  وتسكت ، والأعجب أنها تعلم أني لأجلها مذبوح من الوريد الى الوريد .

اليوم ... جلستُ في المقهى الذي نرتاده سوياً  أفكر كثيراً وكثيراً ، مابين أدلتي الواهية على حبها لي ، ومابين حبي  لها الذي قد تجلى ونما وكبر .

عويصة تلك المعادلة... وهي أن أعشق من لاتعشقني ، وأحب من لاتحبني ، وأهيم بمن لاتراني أصلاً .

فأي عشقٍ  وقعتُ  فيه انا ، فوالله لو لاعلمي بأنها أنبل نساء الأرض لأقسمتُ أنها تريد قتلي ، وكيف لا ؟ وكل الأدلة تثبت أنها قاتلتي ، وأنها غير آبهة بما يحصل لي .

شربت فنجاناً من القهوة وأنا أنظر من نافذة شباك المقهى  على أفق الطريق علّني أراها فأغترف من عينيها ما يشبعني ، وعلّها تسمِع أذنيّ ما يريح قلبي ونياطه ، لقد كنتُ أنتظرها بفارغ الصبر دون جدوى حتى كدتُ  أيأس ، فرأيتُ خيالها من ألف متر يسعى بين يديّ ، فما إن دخلت هي المقهى حتى خرجت منه بأسرع من الخيال ، وأوهى من خيوط العنكبوت ، إذ لم تأتِ لتراني ، بل لتزيد الطين بلّة ، إذ دخلت وخرجت بكل سكينة لتثبت لي أنها لا تأبه لعشقي ، وكأنّ لسان حالها يقول :-

فلتذهب الى الجحيم أنت وعشقك َ  .    

إرسال تعليق

0 تعليقات