محطات من تاريخ العوازم فـي الجزيرة العربية

مشاهدات



إعداد - محمد مطلق العازمي 


لقد شاركت قبيلة العوازم تلك القبيلة العريقة في بناء الكويت منذ نشأتها في كافة اوجه الحياة السياسية، والاجتماعية والاقتصادية مؤدية الدور الكامل مثلما شاركت مختلف القبائل والعوائل في هذا الدور. 

قبيلة العوازم تنتسب الى قبيلة معروفة ُجلها يرجع الى قبيلة هوازن العربية المعروفة من بني قيس عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.


 أوًلا:العروق والجذور. 

من المتعارف عليه في الوقت الحاضر ان الاعراق الهوازنية قد تمثلت من ناحية الوطن في جزيرة العرب الى ثلاثة اقسام رئيسية هي:.


 1- هوازن الحجاز وهم: بنو جشم وتمثلهم اليوم قبيلة عتيبة الكريمة.

 2- هوازن اليمامة وهم: بنو عامر بن عوف وتمثلهم اليوم قبيلة سبيع الكريمة.

 3- هوازن الاحساء وهم: بنو كلاب وتمثلهم اليوم قبيلة العوازم الكريمة.


 أورد الشيخ عبد العزيز الرشيد، مؤرخ الكويت الاول في كتابه تاريخ الكويت الى سيادة المذهب المالu، فقال: إن المالكية منهم حكام الكويت وبعض البيوت المعروفة من البادية والمتحضرة في الكويت. 

يزخر التاريخ العربي بشقيه القديم والحديث، بذكر العشرات من القبائل والعشائر العربية الاصيلة، التي كان لها اثرها ودورها في تاريخ العرب قبل الاسلام وبعده. 

ومن ابرز تلك القبائل واشهرها العوازم التي تتخذ من الكويت والسعودية في التاريخ المعاصر مراكز جغرافية لها، بينما توجد اعداد منهم في بلدان اخرى الا انهم اقل عددا. ومن خلال هذا البحث المتواضع، نستعرض نسب العوازم وذكرهم وابرز محطات تاريخهم وما اشتهروا به كبدو- دانت لهم اصالة البداوة فكانوا من صّناعها وسادتها، مثلما كانوا فرسانا عشقوا الخيل واعتلوا صهواتها ومن على ظهورها سجلوا ابرز صفحات تاريخهم. 


قبيلة عربية أصيلة 


العوازم، قبيلة عربية الاصول والجذور، قد تعددت وتنوعت الكتب التاريخية الموثقة التي تناولت تاريخ هذه القبيلة، حيث يكاد يجمع مؤلفو تلك الكتب ان جذر القبيلة من هوازن، وهي من كبرى قبائل العرب في الجاهلية والاسلام. 

وحسب ما ذكر في كتاب تخصصي في التاريخ لقبيلة العوازم لمؤلفه الاستاذ الفاضل عبد الرحمن عبد الكريم العبيد وعنوانه قبيلة العوازم فان شمال شرق جزيرة العرب موطنهم الاصلي، وانه اليهم بالانساب يصل عوازم الاردن ومصر والعراق واليمن والبحرين. 

ويعتد ايضا بما ذكره الشيخ عبد العزيز الرشيد، في مجلة الكويت، في بحث له عن العوازم نشره العام 1928 تحدث فيه عن اصالة عروبة وبدوية العوازم، والشيخ المرحوم عبد العزيز الرشيد، مؤرخ شهير يوصف انه مؤرخ الكويت الاول. ويؤكد الرشيد، واثنى الاستاذ العبيد عن تأكيده ان العوازم بالهوزان. 

ويرى الدكتور جمال زكريا قاسم ان اصل العوازم من الاحساء ونجد والكويت وقطر، وان العوازم خارج هذه المناطق ينتسبون الى الجذر الاول من الجزيرة العربية. 

ويرجع المؤرخون من غير العوازم ومن العوازم انفسهم ان العوازم هم من آل عطاء في هوزان، وان عازم وعطاء اصلهما واحد وينحدر من سلالة كلاب بن ربيعة بن عامر من هوازن ومن يؤكدون ويرجحون هذا السياق التاريخي كل من:. 


الشيخ حمد الجاسر في مجلة العربي 1416هـ، والدكتور جمال زكريا قاسم في كتابه الخليج العربي، والدكتور حمد رشيد الفيل في كتابه سكان الكويت والاستاذ عبد الله ناصر الصانع في مقدمة ديوان الشاعر سالم الدواي، وكذلك الدكتور احمد المزيني في كتابه انساب الاسر والقبائل في الكويت، وفايز بن موسى البدراني الحربي في كتابه من اخبار القبائل في نجد ومحمد سليمان الطيب في موسوعة القبائل العربية وابراهيم جار الله الشريفي في كتابه التحفة الذهبية في انساب الجزيرة العربية والمستشرق جورج فالين في كتابه صورة من شمال جزيرة العرب والبحرية البريطانية في اصدارها كتاب مختصر عن بلاد العرب. 


مواطنهم واراضيهم 


ومنذ القرون الأولى للاسلام كان العوازم يتخذون من المنطقة الممتدة بين الاحساء جنوبا الى كاظمة )الكويت( شمالا مسرحا لوجودهم وحياتهم، وابان حكم القرامطة لهذا الاقليم امتدت وازدادت قوة العوازم من بطون بني عامر وخلال القرنين الثالث والخامس الهجريين افل نجم القرامطة وهيمنت بطون بني عامر على الاقليم الى ان دخل العثمانيون في منتصف القرن العاشر الهجري، وظل الجد الجاهلي هوازن يتردد على ألسنة مؤرخي المنطقة ونسابيها وثبت تاريخيا ان بطون من العوازم كانت تسكن وتنتقل في الحجاز وعاليه ونجد بين القرنين الحادي عشر الهجري والثاني عشر الهجري، حيث وردت قصائد شعرية للعوازم اشارت لذلك ومنها قول الشاعر لافي الجبيهة العازمي: 


حنا حمينـــا من الهضــب الاحمــر 

الى خشم مهبل الى العد مطوي الصفايح 

مرباعنا بين المدينة وصبحا ياما 

رعـينـــــا عشـــــــب ذيــــك البطـــايـــــــــح 


مثلما اشار الى ذلك شعراء آخرون، وان الاماكن التي وردت في البيتين السابقين هي: 

الهضب الاحمر - خشم مبهل - العد - المدينة - صبحا - كلها تعد مراجع تجوالهم القديمة في الحجاز ونجد. 


بداوة العوازم 


كانت البداوة حياة العوازم ينتقلون وراء الكلأ والماء، وكانت الاكثرية من العوازم ينتقلون في كافة ارجاء الكويت بلا استثناء، اما في السعودية فكانوا ينتقلون في المنطقة المحيطة بوادي المياه في الشرق والشمال ومن توغل جنوباً وسكن القطيف والاحساء. 


ينتشر العوازم انتشاراً كبيراً في الكويت والسعودية ويكّونون في الكويت اكبر تجمع قبلي، وفي السعودية ينتشرون في غرب المدينة المنورة، وفي منطقة السدير في نجد وقرب حائل ومنهم في قطر والاردن واليمن ومصر، وان كانت الاكثرية الغالبة في الكويت والسعودية. 


هجرات العوازم ومعاركهم 


اشتهر العوازم بالتنقل والهجرات داخل الجزيرة العربية والمناطق حولها، وكان لطبيعة حياة البداوة اثر كبير في ذلك، الا ان هذا التنقل صنع تاريخاً للقبيلة وساهم في انتشارها وتواصلها مع سواها بل حافظ على وجودها ونسبها وكان لشعراء القبيلة دور حاسم في تاريخ وتوثيق تلك الهجرات وسرد تفاصيلها واحداثها وابرز المحطات فيها، وعلى وجه التحديد الشاعر لافي الجيهة العازمي - الذي اشتهر بذكر افعال قومه وتحركاتهم وبطولاتهم اينما حلو واثناء هجراتهم، اذا كانت الاحداث تأتي اثناء تنقلهم ومواجهتهم للمفاجآت والاخطار اثناء التنقل والهجرة، الا انهم كانوا على بأس يكرس لهم ولمن يريد الامان الأمن الاستقرار. 


يقول ابن غياض لافي مشايل 

من شاعر يلعب بيوت فصايح 

حنا العوازم وهوازن اصلنا 

ليا عدت اصول الجدود الصحايح 

ياما ذبحنا بنجد من شيخ سريه 

اليا انقطع دخانها سيف طايح 

والضد ناخذ بالمرابيع شاته 

ونحطها لجبرين جامع ذبايح 

والضد الآخر يطلب الصلح مناد 

ونعطيه مشعا بورا البيت طايح 

كل القبايل عارفين فعولنا 

ليا جار نهار فيه كسب وربايح 

يشهد لنا التاريخ والمجد فعلنا 

لنا البيضا بوسط الصفايح 


وقد ذكر عدد من الكتب التي تناولت تاريخ وحياة العوازم هذه القصيدة غيرها لشاعرها، وذلك لما فيها من دلالات وارتباطات حول طبيعة الحياة التي كانت في جزيرة العرب، ومكانة العوازم فيها. 

ويشير النص الشعري آنف الذكر الى قوة وكثرة العوازم ومدى سيطرتهم على المكان وقدرتهم على تسيير الاحداث فيه، وخاصة قهر ودحر كل من يضادهم او يعاديهم او يعتدي على ارضهم، ولهم في المقابل السيادة وفرض شروط السلم والصلح. 

وتؤكد قصائد الشاعر لافي الجيهة كثرة ترحال وتنقل وهجرات العوازم داخل بقاع الجزيرة العربية وأهمها في القرن الحادي عشر، الى أن تمكن العوازم من بسط سيطرتهم على مساحة تمتد من الكويت شمالا الى القطيف جنوبا، يجاورون قبائل اخرى، وكانت تحدث خلافات ومواجهات مع تلك القبائل ومن اشهرها عبر التاريخ سبع معارك وهي: 

الدسمة في عام 1854، والصبيحة عام 1878، والطريفة عام 1895، ومريخ عام 1915، والنقيرة عام 1924، ورضى عام 1929، ونقير عام 1929.

 وتعتبر معركتا يوم رضى عام 1929، ويوم نقير في عام 1929 ايضا من اشهر تلك المعارك واكثرها ذكرا او سردا تاريخيا او تخليدا في الشعر. وللمعركتين اهمية خاصة من حيث ان هاتين المعركتين كانتا مصيريتين للعوازم، من حيث انهم لو انهزموا لقضي على عدد كبير منهم، كما غيرت هاتان المعركتان مجرى الاحداث السياسية في تاريخ الجزيرة العربية وهما اخر معارك العوازم. 

وحسب سرد شفوي لرجال شهدوا المعركتين فان قوما قرروا احتلال الاحساء وما حولها فساروا في اتجاهها، وفي الطريق كان احياء من قبيلة العوازم ينزلون قرب عين ماء يقال له رضى وان هؤلاء القوم ارادوا اخذ اهل عين الماء والاستيلاء عليهم فما كان من هؤلاء العوازم الا ان هبوا هبة رجل واحد مدافعين عن اموالهم واهلهم، حتى قتلوا الاعداء وهزموهم شر هزيمة. 

وبعد شهرين من الموقعة استجمع القوم المغير قوتهم وحاولوا اعادة الغزو والانتقام ممن هزموهم الا ان العوازم كانوا لهم بالمرصاد وتجمع العوازم قرب عين ماء يسمى نقير ثم اغاروا على المعتدين فقتلوا وشردوا منهم الكثير حتى يئس هؤلاء وطلبوا الصلح من العوازم وفيما ورد يقول الشاعر العازمي، حليوان بن مديعج في معركة رضى: 


وردنا على عد عساه الربا ودهور 

وساعة نزلنا والبيارق تبادلنا 

ركضنا عليهم ركضة واعتزى المسطور 

يوم الخيل تدفع وأشهب الملح كاسينا 

وأمسينا فراحى والعدو رايح مكسور 

واصبحنا نمثل كونا في قهاوينا 


وعن معركة نقير يقول: 


جونا مثل سيل النحو 

وحنا جبال جنب الما شعيبها 

من ذل منكم بالنشامى يفتكر 

ياجت ورا الاجناب يا من يجيبها 

واحت مجاريهم مع السيد واشملت 

ناس نوت فينا بتونوى بها 


وتؤكد المصادر التاريخية ان هاتين المعركتين كانتا وراء ما أتى من تاريخ وذكر العوازم وانه لو نال الاعداء من العوازم آنذاك، لما وصل الينا ذكرهم وتاريخهم. 


العوازم صناع التراث وفرسانه 


وفي خضم هاتيك التفاصيل الحياتية البدوية للعوازم ومن عاش معهم من القبائل العربية، في سلم او حرب، كان للحياة الاجتماعية والتواصل مع الآخرين اهمية كبيرة من باب أثرهم في التراث العربي وإثرائه والمحافظة عليه، وجلي للقارئ العربي ان نصوصهم الشعرية حافلة بالمفردات التراثية المعبرة عن نفسها، وعن مدلولاتها وعن الادوات التي كانت في ذلك العهد، كالسيف، والخيل، والقهوة، والابل وما يتبعها من تفاصيل مشتركة بين كل البدو في الفيافي والبلاد العربية، حتى نالت الخيل والابل مكانة عالية عند العوازم لحاجتهم اليها في حياتهم وحربهم وتنقلهم. 

وقد اشتهر العوازم بتربية الخيل العربية ورعايتها، وكان لهم باع طويل في ربطها، وكانوا فرسانا على صهواتها في لقاء اعدائهم او في رياضاتهم ولهم ابناؤهم ومن اشهر خيولهم 

الكحيلة، والعبية والحمدانية وكروش وسويتيه وصبحا. 

وما تزال هذه المشاهير من اسماء الخيل العربية رائجة في وقتنا هذا وتنتشر في الخليج العربي والاردن وسوريا وفلسطين ومصر والبحرين فصائل من هذه الخيول العربية، وقد حصد شعراء العوازم الكثير من صفات واسماء ومشاهير خيولهم في قصائدهم: قال ناصر بن حبينان العازمي: 


الخيل عز يا مربية الاتباس 

يا الله صبوحك تشمطه بالرثية 


وقال لافي الجبيهة العازمي: 


صبحنا دواوير على جال ملهم 

سويتيه ما يسمح الاصويلها 


وقال سعود الصقلاوي العازمي:


 يا أهل الخيل زيدوا في عطا هنه 

يوم زل الكمام وصار شوباشي 


وقال ايضا: 


وأهل الخيل زينات المهاذيبي 

مثل صيد من الاوناس جفالي 


وقال فليج الصواغ العازمي: 


رجلينا يركض على القوم ما صد و

خيالنا الواحد كما دولة اشراف 


ومثل ما كان للخيل أهمية ورعاية لدى العوام، فقد نالت الابل منهم رعاية واهتماما سجلها التاريخ وجسدها الشعراء ايضا: وذكر عدد من المؤرخين ممن تناولوا تاريخ العوازم انه كان لديهم ابلا كثيرة: قال الالوسي - حسب مجلة العربي العدد 37 - عام 1961م - العوازم 

بادية كثيرة ولهم أموال من الابل. 

وجاء في مجلة لغة العرب المجلد الاول الجزء الاول عام 1911 العوازم منازلهم طفوف الكويت بلاد )ابن صباح( وهم أهل ابل. 

كما جاء في الموسوعة الكويتية: العوازم عشيرة كويتية وهم اقدم من استوطن الكويت - انخرطوا في سلك التجارة وخاصة الابل والاغنام المسايلة. ووفي موسوعة القبائل العربية جاء ايضا: انواع الابل عند العازم هي العرب ويطلقون عليها تسميات مثل: الوضحا والمجاهيم والشعل او المغاثير، ووسم العوازم هو )العرقاه( وهي علامة * ويضع بطن )القوعة( من العوازم الوسم على فخذ البعير الايسر: ويضع بطني )غياض9 من العوازم الوسم على فخض البعير الايمن. 


ومن اشهر شعر العوازم في الابل: 


لعيناك يا شعل تلافت على المقهور 

ذعرها الصباح وتلتفت في عزاوينا 

طعنا لعين فاطر خلفها مصرور 

لبنها عن الزاد المشري يعزينا 


وقال مشير الصابري العازمي: 


يوم جونا يبون )العرب( حليه 

من قديم وحنا ما عطيناهم

 وابلنا دونها ملح القريزية

 بالمناويخ نرعاها ونقداها 


انتشار ووجود العوازم المعاصرين


 ينتشر العوازم في الوقت الحالي في كل من بلاد الشام ومصر اليمن والبحرين وتربطهم في الكويت والسعودية صلات الاصالة والقربى العربية والتشابه في العادات والقيم والاهتمامات والتاريخ وتربطهم بالقبائل الاخرى في تلك البلدان صلات وتواصل عميق اخذ اشكالا عدة سواء في القضاء العشائري او في التحالفات العشائرية. 



عن الزميلة جريدة البيداء الكويتية 


إرسال تعليق

0 تعليقات