تاريخ الجيش العراقي ودوره في الحياة السياسية؟

مشاهدات

 



زياد الشيخلي

في حضارة وادي الرافدين تشابكت عروق البشريّة وأبدع الإنسان لينسج أول بساط للثقافة والمعرفة والنظام في العالم. وعلى ثنايا هذا البساط التاريخي كتبت شواهد العمران وفلسفة العلاقات الاجتماعية والسياسية، ومن هذا المعين الإنساني انطلق المجتمع العراقي ليبني وجوده. ومن تلك البداية يمكننا أن نتكلم عن المؤسسة العسكرية العراقية، وجيشها العريق المتمسك بالأرض وقدسيّة هويّة الحضارة وحكمة الإنسان الكادح في صراعه من أجل الكرامة. لا يحق لأي جيش في العالم أن يتطاول على قدم تأسيس جيش العراق ولا في تنظيمه أو عقيدته العسكريّة، فهو الخالد المعبّر عن ضمير الإنسان العراقي ووجدانه. هذا الجيش درس جميع فصول التاريخ في تشكيلاته وتعلم فنون القتال، هو الجيش المتمرّن على التعامل مع كل ألوان الشغب والفتن والاضطرابات بفطرته الوطنيّة. ولعـل من أوائـل مـن يتبادر إلى الذهـن، الضابـط البغـدادي الفريـق (محمـود شـوكت باشـا) قائـد الفيلـق العثماني الثالـث، الذي تولى منصب وزيـر الحربيـة ثم أصبح رئيسا للوزراء. ومنذ أن رسم أعداء الأمة العربية والإسلامية إستراتيجية مشروعهم أدركوا عوامل تعطيل وإفشال مخططاتهم من خلال قراءة التاريخ، أن لا خطر يقوّض ويدمر أحلام إمبراطوريات الشر سوى الجيش العراقي. ولو كنا نتحدث عن القوات المسلحة العراقية، الجيش العراقي في التاريخ الحديث والمعاصر، فإن الجيش العراقي منذ تأسيسه عام 1921، في عهد المملكة العراقية تعده الأقدار للقيام بدوره السياسي الوطني التاريخي.
من هنا يمكن القـول إن كل فترة زمنية من تاريخ المؤسسة العسكرية العراقية لها مؤثراتها الخاصة بها، بيد أن هنالك عوامل تتعلـق بالداخـل العراقي جعلـت المؤثرات والتقاطعـات الإقليمية حاضرة والدوليـة حاضرة في تخطيط واستراتيجية المؤسسة العسكرية العراقية بأبعادها الأمنية. وذلك لأن تاريخ العسكرية في العراق ضارب في القِدم وكما ذكرنا سابقا. عليه يصنف الجيش العراقي أحد أقدم وأعرق جيوش الشرق الأوسط فى العصر الحديث، والذي أعلن عن تأسيسه في 6 يناير عام 1921 بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى.

تأسيس الجيش العراقي في عهد الملكية:
في عام 1921 تم تشكيل الفوج الأول من الجيش العراقي في بغداد وحمل أسم الأمام موسى الكاظم حيث اتخذ مقره في منطقة الكاظمية في بغداد. وشغرت القوات العراقية أماكن الجيش البريطاني التي انسحب منها، وأصبح الجيش العراقي مسؤول عن أمن المصالح البريطانية، وقد بلغ تعداد الجيش في عام 1925 8000 ألاف جندي. على الرغم من وجود حكومة في العراق على رأسها الملك فيصل، لكن ظل العراق خاضعا في هذه الفترة بشكل مباشر إلى السياسة البريطانية لسنة 1922، وما تلاها من اتفاقيات. ونتيجة لتنصل بريطانيا من تنفيذ وعودها بتقوية الجيش العراقي، أثارة ردود فعل متعددة بين ضباط الجيش العراقي مما أدى إلى ظهور كتلة من الضباط رفضت هذه الأوضاع، وقد أطلقت على نفسها (كتلة الضباط القومين) سنة 1927، وكان أبرز أعضائها (صلاح الدين الصباغ، فهمي سعيد). لقد شهدت الفترة ما بين 1921-1927 ظهور أول الحركات السياسية داخل المؤسسة العسكرية العراقية، تلك الحركات التي كانت معارضة لوزير الدفاع جعفر العسكري آنذاك، سيما أن الضباط المسؤولين عن هذه الحركات شكلوا هيئة داخل الجيش لها منهجها وأهدافها ونظامها، وقد وضع برنامج محدد لهذه الهيئة أطلق عليه (الميثاق القومي العربي). من هذا المنطلق فقد كان للجيش العراق في تلك الفترة مساهمات متنوعة بعضها سياسية ضد الإنكليز.
في السياق ذاته فقد شهد الجيش العراقي بعد تأسيسه بعدة سنوات ظهور عدد من الكتل العسكرية، كـان من بينها كتلة بكر صدقي، الذي بذل جهدا كبيرا من أجل كسب أكبر عدد من الضباط إلـى جانبه، حتى من بين أولئك الذين لم يكونوا بإمرته أسهمت مجموعة من العوامل في التفاف عدد من ضباط الجـيش العراقـي حـوله، فضلاً عن استمالته لعدد مـن الضباط، من ثم سنحت الفرصة لبكر صدقي لكي يقوم بانقلابه العسكري على وزارة ياسين الهاشـمي.

الجيش العراقي الفترة من 1958 إلى 1968:
شهد العراق عام 1958 عملية تغيير للنظام السياسي بتخطيط وتنفيذ المؤسسة العسكرية (حركة الضباط الأحرار) لاسيما أن هذه التغيير كان ذات أهمية كبيرة لواقع العراق ومستقبله من قبل الجيش. وهكذا كانت النخبة العسكرية آنذاك أكثر تطلعا للوصول نحو مركز القرار السياسي، بعد أن استخدم الجيش القوة في حل إشكاليات الحياة السياسية. وبعد الإطاحة بالنظام الملكي شهدت المؤسسة العسكرية صراعا محتدما من الداخل بين قيادات الجيش أنفسهم، مما أدى إلى فتح المجال أمام المؤسسة العسكرية للتدخل في الحياة السياسية والقضاء على المؤسسات الدستورية وأهمها البرلمان والدستور، ومآلات أليه الأوضاع الخطيرة إلى قتل الزعيم عبد الكريم قاسم وتسليم السلطة إلى عبد السلام عارف. ثم تشهد الحياة السياسية في العراق صراعا من نوع آخر لعب فيها الجيش العراقي دورا مهما بالتحديد في 18 تشرين الثاني 1963، هي حركة 18 تشرين التصحيحية حسب رأي قادتها أو انقلاب أو ردة تشرين السوداء حسب رأي معارضيها البعثيين، والتي قام بها رئيس الجمهورية العراقية عبد السلام محمد عارف لإقصاء حكم حزب البعث، حيث نجح بالتعاون مع شخصيات سياسية وضباط أعضاء في تنظيم الضباط الوطنيين.

دور الجيش في حركة تموز 1968:
هي حركة سياسية حدثت في العراق في شهر يوليو من عام 1968، حيث أطيح بنظام حكم الرئيس عبد الرحمن عارف وتولى حزب البعث العربي الاشتراكي السلطة، وقد تعرضت بعض النخب العسكرية وقيادات الجيش العراقية لحملة اعتقالات واغتيالات كثيرة جرت بعد تسلم حزب البعث للسلطة شملت العديد من العسكريين بينما أقدم عدد كبير من القادة العسكريين على التقاعد. وعليه حاول قيادات البعض تهميش المؤسسة العسكرية وحصر دورها، حيث طرد أبرز قيادات الجيش على سبيل المثال لا الحصر، إبراهيم الداود وعبد الرزاق النايف، وجرت تصفيتهم بعد ذلك في المنفى. ولقد طرد ونفي عبد الرحمن عارف، رئيس الجمهورية، من قبل حزب البعث، والذي وصل إلى السلطة في عام 1963.

الجيش العراقي من عام 1965 إلى عام 2003:
اتخذت القيادة العراقية قرار المشاركة الفعلية في حرب تشرين عام 1973 والتحول من دولة مشاركة إلى دولة مواجهة، وفي يوم 7 أكتوبر أعلن العراق مشاركته الرسمية بالحرب. وفي عام 1980 دخل الجيش العراقي في حرب دامية مع إيران امتدت لثماني سنوات، وخلفت مئات الآلاف من القتلى والجرحى والمفقودين، ولم تكد تبدأ سنة 1991 حتى اندلعت حرب الخليج الثانية التي حشدت لها واشنطن تحالفا يضم دولا أجنبية وعربية بعد غزو الجيش العراقي للكويت، حيث شن التحالف الدولي هجمات شرسة أصابت العراق وجيشه بأضرار بالغة.
ورغم كل ماتكبد به الجيش العراقي من خسائر بشرية والمعدات والبنى التحية ورافقها الحصار الجائر على العراق ألا ان سياسة دمج الجيش داخل محور الصناعة من باب معامل التصنيع العسكري والتي ساهمت بشكل كبير في ديمومة الحياة العامة بشكل لابأس به .

الجيش العراق بعد الاحتلال الأمريكي عام 2003 إلى اليوم:
ضعف الجيش العراقي بسبب الحظر والحروب السابقة، وتم تسريح جنوده، ولم يعد هذا الجيش يمثِّل قوة مقاتلة متماسكة، وهذا ما يفسِّر الغزو الأميركي السريع في 2003، حيث أبدى عدد قليل من الوحدات شبه العسكرية فقط مقاومة للقوات الأجنبية. فبعد حرب خاطفة، سقط النظام وتم تسريح الجيش بقرار من سلطة الاحتلال المؤقتة وتم حرمان آلاف المنتسبين للمؤسسة العسكرية من العمل في مؤسسات الدولة العراقية ومحاربتهم. بالتالي عمدت قوات الاحتلال على إعادة بناء المؤسسة العسكرية وتشكيل الجيش العراقي على أسس حزبية وعقائدية ومناطقية، من هنا أصبحت المؤسسة العسكرية مثقلة بالنزاعات والانشقاقات العِرقية والطائفية والأيديولوجية. الجدير بالذكر إلى أن مئات من منتسبي الجيش العراقي وخاصة الضباط اصحاب الخبرة والمعرفة قد غادروا البلد بعد الاحتلال الأمريكي للعراق

في النهاية الجيش العراقي يمرض ولا يموت، وإذا ما أردنا الحفاظ على الدولة العراقية وتاريخها العظيم وحماية العراق وشعبه من المؤامرات الخارجية والحفاظ على حدود البلاد من كل تعرض خارجي يحاول النيل من وحدة العراق وتاريخه، إذن يجب إعادة بناء الجيش على أسس عسكرية أكاديمية علمية منهجية وفق قاعدة الولاء للوطن فقط.

إرسال تعليق

0 تعليقات