بقلم: الكاتب والباحث السياسي
الدكتور: أنمار نزار الدروبي
حادي عشر: واستكمالاً للفقرة السابقة ينبغي تفعيل دور الأسرة للقيام بواجبها من خلال قيام أولياء الأمور بتوعية أبنائهم بخطورة العنف والتطرف على المجتمع وعلى مستقبلهم بالذات مع إعطاء أهمية لمراقبة سلوكهم وعلاقاتهم بالآخرين والحوار معهم في حالة ظهور الأفكار المتطرفة لديهم.
ثاني عشر: يُعدُّ الخطاب الدينيّ المؤثر الأول في انتشار الفكر وتبنيه، ويلعب الخطاب الدينيّ دوراً مهمًّا في صياغة المجتمع وبنائه حيث يشهد عالمنا المعاصر صراعات متعددة الأشكال تدخل فيها الخلافات العرقيّة والدينيّة بسبب الخطاب الدينيّ المتشدد. وبما أن خطاب جماعات الإسلام السياسيّ ليس منفصلاً عن الخطاب الدينيّ العام، بل هو امتداد له وإفراز سلبيّ عنه، وأحد أعراض قصور الخطاب الدينيّ العام، فهنالك الكثير من تيارات الإسلام السياسيّ بمختلف أشكالها واتجاهاتها تطرح توجهاتها بين الإسلام كونه عقيدةً ومشروع الإسلام السياسيّ المتمثل بالدولة الدينيّة على أساس الشريعة الإسلاميّة. وعليه يجب تجديد الخطاب الدينيّ وإخراجه من حالة الركود والجمود من خلال مصادره وطريقة تعامله مع النصّ، والتفرقة بين الخطاب الدعويّ والخطاب السياسيّ.
ثالث عشر: استكمالاً للفقرة السابقة يجب التصدي للخطاب الدينيّ المتطرف بنصوص بديلة، وذلك عن طريق معالجة المؤسسات الدينيّة للمفاهيم الخاطئة للدين التي تروج في المجتمع وتحديداً بين فئة الشباب من قِبل جماعات الإسلام السياسيّ حيث تسعى هذه الجماعات إلى احتكار التراث الدينيّ لنفسها وتجييره لمصالحها السياسيّة وإضفاء القدسية على توجهاتها باسم الخطاب الدينيّ. وفي مقدمتها التفسيرات المغلوطة والمحرفة لمفهوم الجهاد والردة ووضع المرأة، فعلى سبيل المثال لا الحصر لم يستخدم القرآن كلمة الجهاد في أي موضع من المواضع لتعني شنّ حرب عدوانية هجومية، وهو ما يناقض تماماً سياق الجهاد المستخدم من قِبل حركات الإسلام السياسيّ أو التنظيمات المتطرفة العنيفة اليوم. وعليه يجب فتح أبواب الاجتهاد والمعرفة الأصيلة بمقاصد الشريعة والاعتراف بالمنظور التاريخيّ للتشريع وتطويره للتلاؤم مع مقتضيات العصر، وكذلك تجديد الخطاب الدينيّ وتحديثه فيما يتعلق بقيم الحرية والعدالة والمساوة، وتأكيد الدور البارز للمرأة في النصوص والتاريخ الدينيّ مقارنة بما يتم تدريسُه وتعليمُه من قِبل الجماعات المتطرفة باسم الإسلام.
رابع عشر: يعدّ العنف الدينيّ من أخطر المشكلات في عصرنا الحالي، فما نراه اليوم من قتل وحرق ودمار وتخريب في بعض الدول العربيّة، وما يحدث في أوروبا من عمليات إرهابية، يعتمد على واجهة دينية لا يمكن إنكارها، وهذا يرجع إلى التشدد الدينيّ الذي أصاب عدداً كبيراً من الشباب المسلمين، فتحول هؤلاء الشباب إلى إرهابيين رغم أن أغلب هؤلاء الشباب صغار السن، وبعضهم وُلد في أوروبا، وترعرع في مجتمعاتها الديمقراطيّة. وعليه يجب إقامة حوار مشترك بين الثقافات المختلفة يسعى لترسيخ قيم التسامح بين شعوب العالم. في الوقت نفسه ضرورة خلق جسور بين الأديان من خلال شخصيات معروفة على المستوى العالميّ، مثل شيخ الأزهر، وبابا الكنيسة الكاثوليكية، وكبار المراجع الدينية الأخرى في العالم، وهذا ما يمكن أن يساعد على تقليل حالة التطرف بين المجتمع الغربيّ المسيحيّ والمجتمع العربيّ الإسلاميّ، وكذلك يساعد في ترسيخ السلام، وبناء أسس التفاهم المتبادل في العالم.
خامس عشر: لقد وفرت شبكة الإنترنت للإرهابيين والمتطرفين العديد من المنصات المتنوعة لنشر ثقافة العنف والترويج لدعاياتهم ولاستقطاب أفراد يحاربون في سبيل قضيتهم حيث وسّعت شبكة التواصل الاجتماعيّ هذا النطاق، وزادت وتيرة السرعة في نشر الراديكاليّة والتجنيد لا سيما أن تنظيم داعش ظل مشهور بسمعته القوية في الاستفادة من مواقع التواصل الاجتماعيّ مثل موقعي فيسبوك وتوتير لنشر رسائله، كما استخدم تنظيم داعش أيضاً أشكالاً أخرى من قنوات الاتصال عبر شبكة الإنترنت لنشر دعايته مثل مجلة (دابق). ونتيجةً لذلك ضرورة أن تتبنى الدولة لاستراتيجية إعلامية تعتمد على تنظيم الحملات الإعلاميّة والتوعوية لنشر ثقافه التسامح والتعايش مع الآخرين مع ضرورة مراقبه الخطاب الدينيّ في وسائل الإعلام ومراقبة مواقع التواصل الاجتماعيّ ومراجعة الكتب الدراسية والمصادر الموجودة في المؤسسات التعليمية، وكذلك تأكيد المؤسسات الإعلاميّة الالتزامَ بالمعايير المهنية والمعايير الأخلاقيّة التي تتضمن الابتعاد عن الخطابات المتعصبة، بالإضافة إلى سنّ التشريعات التي تُجرّم نشر المواد الإعلاميّة التي تبث الكراهية، وتحرض على العنف، ووضع إستراتيجية لبرامج إعلامية مشتركة بين وسائل الإعلام العربيّ تُحلل فكر التطرف، وتهتم بقضايا العلم والتنوير.
سادس عشر: بما أن جماعات الإسلام السياسيّ، وبحكم طبيعتها الإيديولوجية، تسعى للتميز ضد كل الذين لا يدينون بالدين الإسلاميّ، وأن أفراد المجتمع تبقى وطنيتهم غير مكتملة بدون اعتناق الإسلام بحسب رأيهم. إذن يجب على الدولة خلق أجواء مناسبة للحوار بين جميع المواطنين وتقييدهم بواجبات المواطنة، واحترام مختلف الاعتقادات الدينيّة لكل المواطنين، بالإضافة إلى ضرورة اشتراك كل الأفراد والجماعات في تقرير السياسات والقوانين باعتبارهم يشكلون مجتمعاً واحداً.
سابع عشر: إن مسؤولية الأنظمة الحاكمة هي إيجاد مشروع يتميز بمشاركة واسعة من الأطراف الفاعلة كافةً في المجتمع ابتداء بالدولة إلى مؤسسات المجتمع المدنيّ، إلى الأفراد بهدف الإصلاح والحوار والانتماء، والمشاركة، والتسامح، والحرية، والتأهيل المجتمعيّ، وتطوير التعليم والمناهج، بالإضافة إلى تحقيق العدالة لجميع المواطنين، للحصول على التعليم والعمل والرعاية الصحية والاجتماعيّة، والتنافس على الوظائف والمناصب، والمكتسبات والموارد بين أفراد المجتمع بعيداً عن التمييز على أساس الانتماء الطائفيّ والمذهبيّ والعرقيّ.
ثامن عشر: أصبحت الممارسات الإرهابيّة في عصرنا الحاضر تستند على تنظير يضفي القداسة على ظاهرة العنف الإرهابيّ إذ ينطلق الإرهابيّون في ممارساتهم للعنف والتكفير من خلال تأويلهم الخاطئ للمبادئ الفلسفيّة والفقهية والأخلاقيّة، إذن يجب علينا دراسة التكفير والإرهاب من هذه الزاوية للكشف عن المبادئ الفكريّة والنظريّة التي يستند إليها الإرهابيّون. إن النجاح في هذه المهمة يتطلب تشكيل لجان من رجال الدين الوسطيين وعلماء النفس والاجتماع لمحاورة معتنقي الفكر المتطرف ومناظرتهم وتنويرهم بمخاطر الوقوع في براثن التطرف الدينيّ والانحراف الفكريّ.
تاسع عشر: وتأسيساً لما تقدم فإن القضاء على الإرهاب لا يكون فقط عبر العمليات العسكريّة والمواجهات الأمنيّة، بل يجب أن يتضمن معالجة الجوانب الفكريّة والثقافيّة وإصلاحها، لأن العنف والإرهاب جزء لا يتجزأ من ثقافة توارثتها المجتمعات والشعوب دون مراجعتها وتمحيصها، ولذلك يسهل على دعاة العنف والإرهاب استقطابُ عدة شرائح من المجتمع، فالمسألة ثقافية مرتبطة بالوعي بامتياز، ولا يمكن التحرر من ثقافة الإرهاب والتطرف إلا بالمراجعات الفكريّة والثقافيّة، وتحرير الدين مما يشوه الدين نفسه من خلال الردّ على ادّعاءات المتشددين والتكفيريّين الذين يستخدمون الدين لتغذية أفكارهم المتطرفة ونشرها، ولا يمكن أن تقوم بهذه الإجراءات إلا الدول الإسلاميّة، بمعنى أن الردّ على جماعات التكفير يجب أن يكون من قِبل المسلمين أنفسهم.
عشرون: يجب دراسة التحولات ومراجعتُها والتطورات التي حدثت في تيار الإسلام السياسيّ ومدى انعكاس هذه التحولات على تيار الإسلام السياسيّ من الناحية الأيديولوجية والسياسيّة والتنظيميّـة بعد أحداث الربيع العربيّ. وقراءة التداعيات والنتائج المترتبة والإشكاليات المرتبطة بالجماعات الإسلاميّة وتحديداً بعد ظهور تنظيم داعش واحتلاله جزءًا كبيراً من الأراضي العراقيّة والسوريّة، بالإضافة إلى تمدُّد هذا التنظيم في ليبيا وبعض الدول العربيّة الأخرى، وكذلك قيام التنظيم بالكثير من العمليات الإرهابيّة في عدد من الدول الأوروبيّة حيث كان لهذه الأعمال الإرهابيّة دلالاتٌ وانعكاسات دولية وعالميّة كبيرة وخطيرة على كل تيارات الإسلام السياسيّ.
0 تعليقات