ثورات القدس

مشاهدات




محمد مظفر الادهمي


شهدت مدينة القدس انتفاضات وثورات منذ ان بدأت الهجرات الصهيونية في اواخر القرن التاسع عشر ، ومطلع القرن العشرين ومنها انتفاضة القدس في نيسان 1920 ضد الاستيطان الصهيوني مطالبين باستقلال فلسطين ووحدتها مع سوريا ، والتي وقفت بوجهها سلطات الاحتلال البريطاني والقت بقادة الانتفاضة في السجون.وما اعقبها من انتفاضات قدسية مماثلة في الاعوام 1921 ، 1924-1925. و1929 وثورة 1936 وغيرها والتي استمرت الى يومنا هذا في انتفاضة القدس الحالية والتي تتشابه اسبابها مع ما وقع في الماضي من استلاب للارض الفلسطينية لصالح الصهاينة .

الا ان اهم انتفاضة او ثورة وقعت في القدس قبل قيام الكيان الصهيوني هي ثورة عام 1929 المعروفة بثورة البراق ،لانها شكلت منعطفا مهما كان له اثره في بلورة الهوية الثقافية والسياسية الفلسطينية، التي برزت واضحة بعد ذلك في الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936 وما اعقبها .

وتعود اسباب هذه الثورة الى التعدي الصهيوني على المقدسات الاسلامية عندما خرجت تظاهرة صهيونية تهتف (الحائط لنا ) وينشدون اناشيد الحركة الصهيونية ويرفعون العلم الصهيوني ،حين كان المسلمون يحتفلون بالمولد النبوي الشريف . والمقصود بهذا الشعارهو ان حائط البراق الذي يمتلك الوقف المقدسي الاسلامي وثائق بملكيته كونه يشكل الحائط الغربي لبيت المقدس والذي ربط به النبي محمد دابته البراق حين وقعت معجزة الاسراء والمعراج ، هو حائط يهودي،لانه يمثل جزءا من عرش سليمان وملكه حسب ادعائهم .

ادت هذه الحالة التي سببتها الهجرة الصهيونية وتعدي المتظاهرين الصهاينة على بيوت الفلسطينيين المجاورة لبيت المقدس الى ثورة شعبية بدات يوم 15 اغسطس آب 1929 وامتدت الى مدن فلسطينية اخرى تصدت لها سلطات الاحتلال البريطاني بالقوة المسلحة مما ادى الى سقوط الشهداء واعتقال حوالي 900 فلسطيني ،ونفذت سلطات الاحتلال البريطاني الاعدام بقادة الثورة ، تلك الثورة التي فجرت التظاهرات والاحتجاجات في مدن الوطن العربي . لقد ادى هذا التحدي الصهيوني في الهتاف بان الحائط لهم وانشادهم الاناشيد الصهيونية ورفع العلم الصهيوني واحكام الاعدام الى مناقشة موضوع الهوية الثقافية والسياسية لفلسطين في الصحافة الفلسطينية والمنتديات ، ومنها ضرورة ان يكون لفلسطين نشيد وطني وعلم فلسطيني ، فقد قدمت جريدة فلسطين بعد انتهاء الثورة بشهرواحد مقترحا بضرورة وجود علم ونشيد وطني لفلسطين مما فتح النقاش حول الموضوع والذي اثمر عن النشيد الفلسطيني والعلم الحاليين .

اثر كبير

،كما ان احكام الاعدام كان لها اثرها في القصيدة والشعر الفلسطيني ،فقد شكلت اثرا كبيرا في الذاكرة والوعي الفلسطيني عبر عنها بالقصائد والمقالات في الصحافة والمنتديات ، وما زال الفلسطينيون الى يومنا هذا يحفضون عن ظهر قلب قصيدة الشاعر نوح ابراهيم (من سجن عكا طلعت جنازة ) حيث نفذت سلطات الانتداب البريطاني الاعدام بثلاثة من قادة الثورة في سجن القلعة بمدينة عكا . فتحول محمد خليل جمجوم وفؤاد حسن حجازي وعطا احمد الزير الى محطة مهمة في ذاكرة الشعب العربي الفلسطيني ونضاله ، تستحضر ذكرى اعدامهم في كل حدث ومناسبة رغم مرور السنين.

كما شكلت وصية فؤاد حسن حجازي جزءا من ذلك التراث وهويته الثقافية والسياسية التي نشرتها صحيفة اليرموك في 18/6/1930 بخط يده وتوقيعه والتي قال فيها

((إن يوم شنقي يجب أن يكون يوم سرور وابتهاج وكذلك يجب إقامة الفرح والسرور في يوم 17 حزيران من كل سنة، إن هذا اليوم يجب أن يكون يومًا تاريخياً تلقى فيها الخطب وتنشد الأناشيد على ذكرى دمائنا المراقة في سبيل فلسطين والقضية العربية)).

ان ما نشهده اليوم على ارض القدس وفلسطين من انتفاضة شعبية انتقلت ولاول مرة في تاريخ المقاومة الفلسطينية الى داخل المدن الفلسطينية التي احتلها الصهاينة عام 1948 لدليل واضح على استمرار ايمان الفلسطينيين بقضيتهم العادلة في تحرير ارضهم من الصهاينة الذين تجمعوا من انحاء العالم ليغتصبوا ارض فلسطين العربية ويشردوا شعبها بدعاوى طوبائية واهية تهدف الى هدم المسجد الاقصى واقامة مبنى هيكل سليمان الذي يجرون باستمرار مسابقات في مدارسهم وجامعاتهم لتصميم ذلك الهيكل المزعوم والذي لم يتمكنوا من اثبات وجوده رغم كل الحفريات التي قاموا بها تحت المسجد الاقصى.

ولهذا لن يرض الصهاينة ولن يتراجعوا عن هدفهم في اقامة دولتهم من النيل الى الفرات وهو ما يرمز اليه علمهم في خطيه الازرقان ، ولن يرضوا باي حلول وسطية مثل اقامة الدولتين ،خصوصا وان الكثير من قادة الغرب والولايات المتحدة يؤمنون انه لن يظهر المسيح المنتظر الا بقيام دولة اسرائيل الكبرى وبناء هيكل سليمان . وبالمقابل فان الشعب الفلسطيني لن يتوقف عن مقاومة هذا المخطط الذي بدأ منذ مؤتمر بازل الصهيوني عام 1897 وقد اثبتت مقاومة الشعب الفلسطيني صمودها واستمراريتها واستعدادها للتضحية على مر السنين في سبيل استرجاع حقها في ارضها المستلبة .

ولا شك ان التطور النوعي لسلاح المقاومة الذي وصل الان في مداه الى كافة المدن والمنشآت الصهيونية سيكون له اثره في زعزعة وتراجع عجرفة ومعنويات الصهاينة مهما امتلكوا من سلاح حديث .

إرسال تعليق

0 تعليقات