العراق.. دم الفتى إيهاب يشعل أوار الثورة

مشاهدات




د. باهرة الشيخلي


الحديث عن انتخابات حرة في ظل الضعف الحكومي وغياب سلطة الدولة كلام عبثي لا معنى له والنتيجة الحتمية سيطرة القوى التي تملك السلاح والمال على الانتخابات وصعود عناصر موالية لها.

جرائم تجري تنفيذا للمخططات الفارسية الإيرانية

مقتل العراقي إيهاب جواد الوزني، وإن لم يكن الأخير ولن يكون، فجّر الغضب في محافظات وسط العراق وجنوبه وفي العاصمة بغداد.. أما غضب المحافظات الغربية والشمالية فقد ظل مكتوماً لأن سيف المادة (4 إرهاب)، التي يسمّيها العراقيون (4 سنّة)، في إشارة إلى السنّة العرب، مسلّط على رقابهم.

أصابع الاتهام كلها في جرائم اغتيال الناشطين العراقيين أو قتلهم أو اختطافهم وتعذيبهم ومن ثم تصفيتهم موجهة إلى إيران وميليشياتها الولائية، وحاولت إيران إبعاد النظر عنها وذر الرماد في العيون، من خلال مقال ركيك غير مقنع بثته، عبر قناتها الفضائية “العالم”، زعمت فيه أن أميركا وإسرائيل والرجعية العربية، هي التي تقتل الناشطين للنيل مما سمته “الأخوة الإيرانية العراقية”.

أشار المقال إلى أن بعضهم يرى أن مثل هذه الجرائم، كجريمة اغتيال الناشط الوزني، تأتي، عادة، قبل أيّ عملية انتخابية، بهدف خلط الأوراق وتعكير الأجواء، خاصة أنها جاءت في خضم الاستحقاق الانتخابي، كمحاولة يائسة للتأثير على الانتخابات، بهدف إبقاء العراق في الفوضى، وهناك من قال غير ذلك، إلا أن الهدف الثابت من وراء هذا السيناريو الفاشل كله، وفقاً للمقال، هو النيل، من “الأخوة الإيرانية العراقية”.

بالرغم من التحديات المميتة كلها التي تواجه ساحات الحرية فإنها لن تكون إلا دافعاً يتجدد، كل يوم، لانتزاع الوطن من القتلة أحزابا وميليشيات إرهابية

ضرب المقال أسوأ مثل وأوضحه على التدخل الإيراني السافر في الشؤون الداخلية العراقية، عندما قال “فلم يقف إلى جنب العراقيين إلا إخوتهم الإيرانيون، وتجسدت هذه الحقيقة الناصعة في اختلاط دماء وأشلاء الشهداء الإيرانيين والعراقيين، وفي مقدمتهم الشهيد قاسم سليماني وأبومهدي المهندس، دفاعاً عن العراق ومقدساته واستقراره وأمنه”.

وللمعلومات، فإن سليماني كان المندوب السامي الإيراني والحاكم بأمره في العراق يأمر فيُطاع.

تكرر تعبير “الأخوة الإيرانية العراقية” في هذا المقال المتهافت 5 مرات، وعرّج على اغتيال الثائر الكربلائي إيهاب الوزني متهماً الثلاثي، أميركا وإسرائيل والرجعية العربية، بزج اسم إيران في كل حادث قتل أو اغتيال، واتهم المقال بصريح العبارة شباب الحراك بأنهم نفذوا شقاً من المؤامرة ضد إيران حيث نزلوا “إلى الشارع لرفع شعاراتهم المعهودة للنيل من الأخوة الإيرانية العراقية، وحاولوا الاقتراب من القنصلية الإيرانية في كربلاء المقدسة”.

السياسي والكاتب العراقي ضرغام الدباغ يقطع أن نظام ولاية الفقيه الإيراني وراء كل قتل واغتيال في العراق، وأن نشاطه الإجرامي قد ازداد، في الآونة الأخيرة، من خلال ميليشياته، لأنه بدأ يشعر بنهايته، إذ أخذ يحوص، ويكثر الحوصان في اليمن، ويشعر بقرب النهاية في لبنان، وفي سوريا.. ولا أحد يريده، في بلاد الرافدين. كان النظام يعول على أوهام، هو يعلم أنها أوهام، فهذا الشعب اتحد وقاتله وخيب آماله 8 سنوات في حرب الخليج الأولى.

نعم، نجحت طهران في خياطة ستائر من الأذناب والخونة العملاء، ولكن لكل شيء نهاية، وقد حلت النهاية، ليست التظاهرات ستسقطهم، التظاهرات هي عنفوان الشعب الأعزل، هي بطاقة تصويت دموية.. التظاهرات – الثورة قدمت قرابة ألف شهيد شباناً وبنات عراقيات. ولكن ما أسقطهم هو فشلهم المذهل.. الفشل التام الشامل في أن يقيموا نظاماً يمثل العراقيين كلهم، وفي أن يجلبوا للعراق الأمن والأمان، وفي أن يقدموا للشعب منجزات مقنعة، بل هم اقتلعوا وخربوا ما كان متوفراً منها، وفي ظل وجودهم، أصبح العراق ملعباً للقوى الأجنبية وساحة للصراع على المصالح.

لن تستطيع إيران تبرئة نفسها وعناصرها الولائية، فبعد مقتل الوزني اغتيل ناشط آخر هو الإعلامي أحمد حسن، الذي قتل في باب داره بالديوانية، كما تعرض الشيخ أحمد الإيدامي عميد السادة البو إيدام بقضاء عفك بمحافظة الديوانية، المعروف بدعمه لانتفاضة أكتوبر لعملية اغتيال نجا منها بأعجوبة، وجرت هذه العمليات كلها بالأسلوب نفسه، وتداول العراقيون معلومات مسرّبة من جهات استخبارية عراقية تقول إن الميليشيات قتلت الناشط الوزني، وهناك كتيبة الاغتيالات، التي يطلقون عليها تسمية “كتيبة النخبة التابعة لاستخبارات الحرس الثوري الإيراني” وتعمل هذه الكتيبة في مناطق الفرات الأوسط ويتجمّع عناصرها في فندق بباب بغداد في كربلاء لتسلم التعليمات الإيرانية المباشرة من قادة إيرانيين بحجة مكوثهم كزوار للعتبات المقدسة، وهذا الفندق يملكه الوزير السابق ومسؤول حركة حزب الله حسن راضي الساري.

الجميع يعرف القتلة، بمن فيهم رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، لكنهم يخشونهم ويخافون بطشهم، فهؤلاء هم أنفسهم من نفذ اغتيال الروائي العراقي الدكتور علاء مشذوب والناشط فاهم الطائي، وهم يختفون، بعد تنفيذ كل عملية نوعية ضد ناشط معروف، لأيام، ثم يعودون إلى وكرهم مرة أخرى للتخطيط لعملية جديدة.

الاغتيالات خلقت حالة من الخوف والقلق بين صفوف أبناء الشعب والمجتمع، بعد أن أصبحوا جميعاً ضمن لوائح الموت والقتل والاغتيال الاغتيالات خلقت حالة من الخوف والقلق بين صفوف أبناء الشعب والمجتمع، بعد أن أصبحوا جميعاً ضمن لوائح الموت والقتل والاغتيال

في تنديدها بعمليات الاغتيال التي يتعرض لها الناشطون المعارضون في العراق ولبنان أكدت حركة الناصريين الأحرار أن هذه الجرائم تجري تنفيذاً للمخططات الفارسية الإيرانية في وطننا العربي، إذ قال رئيس مجلس القيادة الدكتور زياد العجوز، إن ما بين سلسلة الاغتيالات التي تعرضت لها شخصيات وناشطون في السنوات الأخيرة في لبنان والعراق، تبقى الجهة المسؤولة عن ذلك واحدة، في إشارة إلى إيران، منوهاً إلى أن ما يحصل في العراق اليوم، حصل وما زال يحصل في لبنان حتى اللحظة، إذ أن ما بين الشهيد اللبناني لقمان سليم والشهيد العراقي الوزني، تبقى مدرسة القتل واحدة والجهة ذاتها، والأسلوب عينه والهدف مشترك.

بعد اغتيال الوزني، مباشرة، ظهر الميليشياوي عمار الشويلي وهو قيادي بأحد التيارات الولائية ليدعو ويحرّض على قتل أولاد الناشطين وإبادتهم “قبل أن ينضجوا ويصبحوا ناشطين مدنيين كآبائهم”، على حدّ قوله، وكذلك يدعو إلى سبي نساء الناشطين والمتظاهرين، في سابقة انتقامية لم تحصل من قبل.

فهل هناك دليل أوضح من هذا كله على “الأخوة الإيرانية العراقية” التي وردت في مقال قناة العالم خمس مرات!

دعت نقابة المحامين العراقيين شباب انتفاضة أكتوبر إلى الاستمرار بمتابعة مشوارهم الثوري حتى النهاية فإما النصر النهائي وإقامة مجتمع العدل والحرية والمساواة وإما الشهادة، حسب بيان أصدرته، بعد مقتل الوزني عدّت فيه أن هذه الاغتيالات خلقت حالة من الخوف والقلق بين صفوف أبناء الشعب والمجتمع، بعد أن أصبحوا جميعاً ضمن لوائح الموت والقتل والاغتيال، وما سبّبه ذلك من هلع وشعور بعدم الاطمئنان والعيش الآمن.

بات الحديث عن انتخابات حرة في ظل الضعف الحكومي وغياب سلطة الدولة كلاماً عبثياً لا معنى له والنتيجة الحتمية سيطرة القوى التي تملك السلاح والمال على الانتخابات وصعود عناصر موالية لها ولذلك فإن الدعوة إلى مقاطعة الانتخابات واعتبار كل من يشارك فيها شاهد زور، أصبحت حديث الشارع العراقي اليوم، وهو ما دعا حركات سياسية عديدة إلى إعلان مقاطعتها للعملية السياسية وعدم المشاركة في الانتخابات المقبلة احتجاجا على اغتيال الوزني، ولتوقعها استمرار الاغتيالات في الأيام المقبلة، وأصبح شعار الانتفاضة “لا تعلنوا الحداد.. أعلنوا الثورة”.

الواقع، أن الحراك الوطني أصبح بيتاً واحداً يضم العراق كله واختارت الأمهات الانضمام إلى أولادهن وبادر الآباء إلى رفع راية أبنائهم الشهداء، فقد بلغ السيل الزبى، بعد أن جاوز الظالمون المدى.

إن المكان والزمان يتحدان ويصيران لدى أبناء الرافدين نهجاً لن يتوقف عند وعود الحكومة وميليشياتها الإرهابية وسيمضي الشباب إلى تغيير الحاضر وبالعزيمة نفسها سيواصلون بناء الحياة.

أصابع الاتهام كلها في جرائم اغتيال الناشطين العراقيين أو قتلهم أو اختطافهم وتعذيبهم ومن ثم تصفيتهم موجهة إلى إيران وميليشياتها الولائية

وبالرغم من التحديات المميتة كلها التي تواجه ساحات الحرية فإنها لن تكون إلا دافعاً يتجدد، كل يوم، لانتزاع الوطن من القتلة أحزابا وميليشيات إرهابية.. وظن المستوطنون أن حاميتهم قنابلهم الدخانية وأسلحة إيران المشرعة في كل محافظة ومدينة، فخاب فألهم لأن الحراك الوطني السلمي المعبر عن هوية المواطنة وحقيقتها الكبرى ماضٍ حتى يعود العراق إلى مكانه مركزاً للعلم والحرية والحكمة.

خلاصة القول، إن قنص ميليشيات الحشد الشعبي المتظاهرين منذ موجتها الأولى في عهد رئيس الوزراء السابق عادل عبدالمهدي، وحتى اللحظة الراهنة التي سقط فيها الفتى إيهاب شهيداً يدفع الحراك الوطني، أمام عدم اكتراث حكومة الكاظمي، إلى توجيه نداءات عاجلة إلى الأمم المتحدة ومراكز حقوق الإنسان الدولية والجامعة العربية.. والسلام على الشهداء.

كاتبة عراقية

إرسال تعليق

0 تعليقات