استعراض الميليشيات في بغداد تأكيد للهيمنة الإيرانية

مشاهدات



د. باهرة الشيخلي


هدف الاستعراض الميليشياوي هو إفشال القمة الثلاثية العراقية - الأردنية - المصرية لكي لا يعود العراق إلى محيطه العربي خوفا من أن تتمخض الاتفاقيات الصادرة عن القمة عن تآكل الجرف الإيراني.

ميليشيات تتحدى سلطة الدولة

اجتماع القمة الثلاثية بين الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي والعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني ورئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، الذي كان مزمعاً عقده في بغداد السبت، أرجئ بسبب تصادم القطارين في مصر، كما أعلن الكاظمي.

الاجتماع المؤجل سبقه بأقل من 48 ساعة استعراض بعشرات من الشاحنات رباعية الدفع تحمل مسلحين من فصيل موال لإيران جابت شوارع العاصمة العراقية بغداد، في استعراض للقوة وفي تصعيد للتوتر القائم مع رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي الذي يستعد لاستئناف حوار مع واشنطن.

وفقاً لوكالة أنباء كل العرب التي نقلت عن مصادر وصفتها بالموثوقة أن سبب تأجيل الاجتماع لم يكن تصادم القطارين المصريين، بل أن جهازي المخابرات في مصر والأردن قدما توصية لكل من الرئيس السيسي والملك عبدالله الثاني بإرجاء السفر إلى بغداد لحضور القمة بسبب المخاطر الأمنية والتهديدات التي تشكلها مجموعات ميليشياوية لا تستطيع الحكومة العراقية ضبطها أو السيطرة على تحركاتها، بخاصة وأن هذه الميليشيات تعمدت الخروج في استعراض عسكري بأسلحتها وسط العاصمة بغداد قبل يوم من موعد القمة.

جال المسلحون في بغداد رافعين صور الكاظمي ومسؤولين آخرين مرفقة بدمغة حذاء، وقد ارتدى هؤلاء المسلحون ملابس عسكرية وأقنعة عليها شعار “رَبعُ الله”، وهي، كما يقال، حركة جديدة من بين أحدث الفصائل الموالية لإيران في العراق، وأكثرها نفوذاً، وقد اعتبر الكاظمي أن هدف هذا الاستعراض هو إرباك الوضع وإبعاد العراق عن دوره الحقيقي.

الواقع أن تسمية “رَبعُ الله” التي استخدمها الكاظمي وبيانات رسمية، هي مجرد اسم شبحي، حالها حال ميليشيات أولياء الدم، أصحاب الكهف، قبضة المهدي وعصبة الثائرين، كلها لا وجود لها على الأرض مطلقاً، وليس لها مقر ولا قائد، فهي مجرد أسماء وهمية أعلنت بقرار من قائد فيلق القدس الإيراني الجنرال إسماعيل قاآني بهدف تغطية العمليات التي تنفذها الميليشيات الموالية لطهران، بمعنى آخر فإنها واجهات لميليشيات إيرانية.

هذه الحقيقة نبه إليها مبكراً الخبير الأمني العراقي والباحث في شؤون الجماعات المسلحة هشام الهاشمي الذي اغتالته الميليشيات الإيرانية في الـ6 من يوليو 2020، عندما أوضح في لقاء تلفزيوني أن الأمر الديواني 227 ألحق الميليشيات كلها بهيئة الحشد الشعبي، فظهرت مشكلة القوات التي تقاتل خارج العراق، ومن هنا بدأوا التفريق بين فصائل وألوية، فالألوية داخل هيئة الحشد الشعبي، والفصائل خارجها. فمثلاً عصائب أهل الحق لديها ألوية ولديها فصيل وكذلك النجباء وكتائب حزب الله، ومعنى ذلك أن لدى هذه الميليشيات ما يمكن أن نطلق عليها مجموعات النظام تتبع للدولة، ومجموعات تتبع للادولة، وهذه الفصائل الأخيرة مسلحة تحمل سلاحاً ثقيلاً وسلاحاً متوسطاً خارجة عن سيطرة الدولة.

عندما يحين وقت الحساب وتحتاج هذه الفصائل إلى القانون تدّعي أنها تتبع هيئة الحشد الشعبي، وهي ليست من الحشد الشعبي حين تقاتل خارج الحدود العراقية من دون أمر الدولة. وهي ضمن الحشد الشعبي حين تقصف من قبل الطائرات الأميركية. لكنها فصائل حين تقوم هي بقصف السفارة والقواعد الأميركية. وهي حشد شعبي حين تحتاج إلى المال والرواتب والسيارات والسلاح من الدولة العراقية. وهي فصائل حين تخالف سياسة ما ونظاماً ما في الدولة العراقية.

لهذا فإن هيئة الحشد الشعبي سارعت إلى نفي صلتها بالاستعراض العسكري لجماعة “رَبعُ الله”، وأكدت عملها بأوامر القائد العام للقوات المسلحة.

ادعى المستعرضون في مغازلة بائسة لمطالب الشعب أن هدف استعراضهم هو الضغط على حكومة الكاظمي لإعادة المفسوخة عقودهم، وتشغيل العاطلين عن العمل، وإعادة البطاقة التموينية، وإرجاع سعر صرف الدولار إلى ما كان عليه لسد رمق الفقير ووقف “حصة إقليم كردستان في الموازنة الاتحادية ما لم يتم تسليم عائدات النفط، والمنافذ الحدودية، مع مراعاة عدم المساس برواتب الشعب الكردي”.

يرى الكثير من العراقيين أن الاستعراض الميليشياوي الذي جرى بهذه الصفة في شوارع بغداد كان بإيعاز من إيران لتحقيق أهداف من بينها إرهاب شباب الحراك الشعبي المتصاعد، وهو رسالة إلى رئيس الوزراء ألّا يجري مع الأردنيين والمصريين اتفاقيات على حساب العراق والعراقيين أو اتفاقيات تخدم التطبيع. بينما الهدف في حقيقة الأمر هو إفشال القمة الثلاثية العراقية – الأردنية – المصرية لكي لا يعود العراق إلى محيطه العربي، لأن الاتفاقيات التي ستتمخض عن هذه القمة ستأكل كثيراً من جرف إيران على المستوى الاقتصادي، في أقل تقدير.

عراقيون كثيرون يؤكدون أن طهران منزعجة جداً من تقارب العراق مع مصر والأردن، وأن الاتفاقات التي ستبرم ستكون على حساب طهران في ما يتعلق بالتبادل التجاري والاقتصادي، ولهذا أعطت الضوء الأخضر لفصائلها لإحداث بلبلة تسبق قمة بغداد وتعكر أجواءها.

والهدف غير المعلن الآخر هو المطالبة بإطلاق سراح صاحب الدراجة التي انفجرت قبل يوم من الاستعراض والذي ألقي القبض عليه، فهو يحمل أسراراً كثيرة وخطيرة، وهناك تفاوض لإطلاق سراحه. فضلاً عن ذلك فإن الاستعراض يهدف إلى الضغط على الحكومة لحماية الفاسدين، إذ أن لجنة مكافحة الفساد التي يرأسها أحمد أبورغيف أعدت تقريراً جديداً يضم 12 شخصية متهمة بالفساد وغسيل الأموال وتجارة المخدرات، أغلبها شخصيات حزبية ولائية، فكان الاستعراض يسعى إلى إيقاف أوامر الاعتقال التي ستصدر بحقهم، بل كان سيصل الأمر إلى حد اختطاف أبورغيف، ولهذا السبب حمل المستعرضون إلى جانب صور الكاظمي صور أبورغيف مدموغة بالأحذية.

جاء الاستعراض بعد يومين من إعلان مسؤول في الحكومة العراقية أن بغداد دعت واشنطن رسمياً إلى “حوار إستراتيجي” جديد في ظلّ إدارة الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن، كما كان الحال في عهد دونالد ترامب، وحسب المستعرضين فإنه يتعين على بغداد التي تعدّ حكومتها مقربة من واشنطن أكثر من سابقاتها التطرق خصوصا إلى قضية 2500 جندي أميركي لا يزالون منتشرين في العراق وصوّت البرلمان العراقي على انسحابهم منذ أكثر من سنة، في حين لم يُحدَّد حتى الآن موعد لهذه المفاوضات التي يحتمل أن تكون افتراضية بسبب جائحة كوفيد – 19.

إن استعراض القوة بات أمراً شائعاً في بلاد “القهرين”، حسب وصف الأديب العراقي علي السوداني، فقد نفذت سرايا السلام الموالية للزعيم الشيعي مقتدى الصدر عرضاً مشابهاً في بداية فبراير الماضي أراد من خلاله إيصال رسائل سياسية وسط أوضاع متوترة. لكن الصدر نفسه وجه الخميس الماضي انتقادات لحركة “ربع الله” واصفاً استعراضها العسكري بأنه محاولة “لكسر هيبة الدولة”.

وقال في تغريدة عبر حسابه الشخصي على تويتر إن “الجهة التي قامت بالاستعراض كانت تنتمي إلى الحشد الشعبي وعلى الحشد معاقبتها وعلى الحكومة الحيلولة دون وقوعها مرة أخرى”. ولم يتطرق الصدر إلى الاستعراضات التي أجرتها ميليشيا سرايا السلام التابعة له.

إن مسيرات الميليشيات داخل المدن وعلى امتداد الشوارع والطرقات تعبير عن الميول الاستعراضية بقصد إظهار القوة في فرض وجودها على المجتمع وتحدي الدولة وفي الوقت عينه بث الخوف في النفوس، وقد بلغت هذه المسيرات ذروتها هذه الأيام، وباتت ظاهرة سواء في بغداد والنجف وكربلاء أو في مراكز المدن الأخرى استحدثها جيش المهدي قبل بضع سنوات وجددها مرات ومرات، وكان قائد الحرس الثوري الإيراني السابق قاسم سليماني هو الذي ابتدع أسماء وألقاباً كثيرة لتكون غطاء حمايةً للميليشيات ولأجنحة ولاية الفقيه المسلحة.

إن ثورة الشباب التي ما تزال تحتفظ بحرارة زخمها الوطني الخلاق معنية بإعداد بيانمانفيستو الحريةليس فقط لمحاكمة القتلة والفاسدين، وإنما أيضاً وعلى نحو عاجل إيجاد مؤسسة قضائية وطنية تضع العدل ميزاناً لها وتعيد الاعتبار للقانون لإجراء محاكمات عادلة لرؤساء الحكومات الست الذين تحالفوا مع ولاية الفقيه في تأسيس الميليشيات وتغذيتها ونشرها في العراق، ومن بينها الحشد الشعبي، وفي الوقت نفسه يتعين على شباب أكتوبر تشكيل لجنة قانونية وطنية من ذوي الخبرة والاختصاص لإعداد لائحة بالتهم وبأسماء القتلة من قادة الميليشيات وإخضاعهم لمحاكمة عادلة.. والسلام على وطن النهرين.

إرسال تعليق

0 تعليقات