الابُ الظالم

مشاهدات



فائزة محمد علي فدعم


اعجب ضابط في الجيش العراقي بفتاة جميلة جدا . عيناها زرقاوتين تُشبه سماءا صافية . تعيش مع والدتها من املاك ابوها التي ورثتها عنه . دام حبهما سنة كاملة بالنظرات لاغير حتى ذهب الشاب سراً الى امها لخطبتها لكنها كانت مغلوبة على امرها فهي تخاف من نفوذ والده ومع ذلك وافقت على مضض من اجل ابنتها .

وكما قال الشاعر جرير :

إِنَّ العُيونَ الَّتي في طَرفِها حَوَرٌ قَتَلنَنا ثُمَّ لَم يُحيِينَ قَتلانا

يَصرَعنَ ذا اللُبَّ حَتّى لا حِراكَ بِهِ وَهُنَّ أَضعَفُ خَلقِ اللَهِ إنسانا

كانا يلتقيان اثناء خطبتهما خلسة بعيدا عن أعين الناس وبعدها بفترة تم الزواج وكانت نعم الزوجة والشاب نعم الزوج . وبعد سنوات قليلة عرف والده بالأمر وكان رجلاً جبارا وظالما فأشترط على ابنه ان يطلقها عندما تلد الطفل كونها كانت حاملاً وكان الولد مطيعا جدا وحينما ولدت امره ابوه ان يرمي الرضيع في الشارع . وتدخل في حينها السيد اسماعيل المختار وقام بالتوسط لردعه عن قراره لكنه لم يُفلح وهو الوحيد الذي يعرف القصة ولم يبوح لأي احد بها .


كان الى جوارنا عائلة معروفة من اهالي بعقوبة القدماء فذهب الشاب اليهم وقال لهم : انه يريد مكاناً امناً لطفله فجاء والدهم الى دارنا وقال لأبي وامي : اعرف انه لايوجد لديكم اطفال ولهذا بعد اشهر ان شاء الله سأجلب لكم طفلا معروف النسب فرحب والدي بالفكرة جداً فقامت امي من فورها بتجهيز وشراء كل مستلزمات الرضيع وكانت ( للوش : امرأة مسنة تذهب الى البيوت المتعففة وتشتري منها منتجات صناعة يدوية مثل الجوارب وانواع من الحياكة وملابس الاطفال وبيعها للجيران ) فاشترت والدتي والحديث لها : اشياء كثيرة وجميلة بانتظار المولود او المولودة وعمت الفرحة البيت . وبعد بضعة شهور تمت ولادة الطفل فاستبطئ اهلي الجار ( الوسيط بين اهلي واهل الطفل ) فزارهم والدي وسألهم عن الولد فقال الجار : لما رأيت الطفل وجماله وقع في قلوبنا وتعلقنا به ولانستطيع فراقه واعتذر عن اعطاءه لأمي .

احزن هذا الخبر والدتي فقد كانت تنتظره بلهفة واصيبت بالإحباط وبعد اسبوعين رحل الجيران والطفل الى بغداد وتم تسجيل الولد باسمهم ورغم موقفهم بقيت عائلتي على تواصل معهم . واستمرت حالة والدتي بالسوء يوماً بعد يوم ونقل الضابط الى الجنوب والزوجة التي كانت من الديانة اليهودية قامت بتأجير الاملاك العائد لها ورحلت الى ايران هي ووالدتها ...

اقترح والدي ان تذهب امي يومياً إلى البستان لغرض التسلية ونسيان الموضوع وكانت تزرع الكثير من الخضروات . منها الطماطم واللوبيا والباذنجان والفلفل وغيرها مع العاملات اللواتي يعملنَّ عندنا لأجل اشغال وقتها وطرد التفكير بأمر الطفل وتقضي النهار بين الاشجار او مشاهدة الماطور الذي يسمى (الخنزيرة) وكان كبيراً جداً يتم تشغيله باليد وينقل الماء الى الحوض الذي فيه انواع السلاحف والسمك والضفادع ويأتي بواسطة ساقية تدخل البستان من نهر خريسان وكان فيها (ليوان عدد اثنان : اي غرف كبيرة جداً ) وغرفة ثالثة صغيرة كانت للفلاح وعائلته وامامها طرمة كبيرة في احد جوانبها ادوات احتياطية لماكنة الماء والاخرى للسيد ( فرمان ) عامل المزرعة وهو ابن خالة ( عباس ياسا ) ابو صالح وكانت لفرمان قطة شهيرة تدعى(مكولي) والليوان الكبير تستخدم لخزن التمور والحاصل من كل الانواع صيفاً وشتاءآ وكان التمر يعبئ في جلود الحيوانات بعد نقعها بالماء وتحضيرها ويُجهز السِلّي ( الشوك الموجود في سعف النخيل ) ويؤخذ من النخيل ويخصف به جلد الحيوان بدلا من الإبرة والخيط وتوضع الكيشة ( تمر مغلف ) واحدة فوق الاخرى وقسم منها يتم بيعه والاخر يعطى ( صوغات ) اي هدايا .

كانت والدتي رغم انشغالها لاتنسى الصغير ابدا وتتذكره وتقول اصبح الان عمره كذا وطوله كذا ويأكل كذا . وشاء الله ان ارى النور بعد انتظار طويل وعندما كبرت واصبح عمري خمس سنوات ولان والدي كان يعشق صلة الرحم وكان له ابن خالة هو السيد عزاوي البندر . يسكن الاعظمية لذا قرر صباح احد الايام ان نذهب انا واياه لرؤيته فأوصته والدتي بأن يذهب لزيارة الولد والسؤال عنهُ لانهُ يسكن في منطقة مُجاورة للأعظمية .

ذهبنا إلى المحطة فشعرت بالجوع فاشترى لي الوالد سندويتش وانا نائمة طول الطريق . ايقظني عند الوصول وكانت نصف السندويتش في يدي لم اكملها بعد .

ذهبنا الى قريبه وسلم عليه ثم الى الجار الذي تبنى الطفل وفرحت العائلة بقدومنا فسأله والدي : كيف حال الولد ؟

فنادى عليه وقال له : تعال سلم على اهل بعقوبة وكان في ذلك الوقت في الصف الثاني المتوسط . طويل القامة حسن المنظر فلما رأيته اختبأت في حظن والدي خجلاً وفرح ابي عندما رآه في صحة وعافية وخير . عندما اكمل الشاب الصف السادس الاعدادي ذهب في بعثة الى خارج العراق ثم اصبح فيما بعد اعظم جراح في العالم بدرجة بروفسور في الطب وله ابحاث عدة تدرس في الجامعات الاجنبية ...

سبحان الله . انت تريد وانا اريد والله يفعل ما يريد .

إرسال تعليق

0 تعليقات