على ترنيمة أعياد الميلاد ...رقصت جراح وطني ..

مشاهدات



ثائرة اكرم العكيدي 


ها هي ساحة التحرير تزدان بشجرة ضوئية لعيد الميلاد لتظهر بمظهر جمالي يبعث على البهجة، وتكاد تكون رسالة سلام وتفاؤل بالعام الجديد إذ سطعت الشجرة بمصابيح ناصعة البياض.

ساحة التحرير التي أصبحت منذ شهر تشرين الأول عام ٢٠١٩ وحتى صيف نهاية هذا العام  مركز الاعتصام الرئيسي في بغداد إذ اكتظت بآلالاف المتظاهرين الذين اعتصموا فيها للمطالبة بإجراء إصلاحات في العملية السياسية وإدارة الدولة، ومن ثم اتشحت الساحة بالدم والسواد بعد سقوط مئات الشهداء وآلالاف الجرحى من المتظاهرين لتستقبل في حينها أعياد الميلاد ورأس السنة لعام ٢٠٢١ بالحزن.

مرت سنة بكل مافيها حاملة بين طياتها خيبات أمل والكثير من الألم والمواجع سنة ستخلد في التاريخ وستكون رواية نرويها للأجيال القادمة .

أراك يا وطني حزينا ممزقا ياوطنا مقدسا موطئ الانبياء وأرث الحضارات أّقبل جراحاتك الدامية من على نخيلك وجبالك وقراك المكللة باكاليل شوك وحتى سهولك وأهوارك المفتقدة للسلام. أقبل ترابك الغالي المعطر بدماء أبناءك الذين يقدمون أنفسهم يوميا قرابين غالية على مذبح الحرية، أقبل دجلتك وفراتك العاشقين المتعانقين على ارضك منذ القدم لم يفرقهما طائفية او ارهاب.

ياوطن السلام المفتقد للسلام أرى فيك مسيحا متألما…ومسلما مضطهدا وإزيديا مشردا ذلك الشعب بكل أديان وطائفه وقومياته اصبح يعيش في كهوف الحرمان والظلام أحاط بك اللصوص والعصابات من كل جانب، منذ سنوات طويلة هذا الشعب والوطن الذي يجلد من كل حاكم يمر يأمر بجلده وجلد أبناءه، وتزداد طعنات الغدر في اجزاء جسدهم وتسيل دماءئهم أمام العالم ولا من منقذ وضمائر المتفرجين في غيبوبة.

طال طريق جلجلتك وأصبح صليبك ثقيل، ولا من سمعان غيور يهب لمساعدتك. فجروا معالم حضارتك وأقداسك لانها أخافتهم وشتتوا أولادك لأنهم نبضك ومستقبلك، وأطلقوا مليشياتهم  لتقتل الابرياء.

 نهبوا وأقتسموا خيراتك وعلى أهلك أقترعوا. سرقوا الضحكات والذكريات والارزاق وشوهوا تاريخك بالظلم والعنف والطائفية. مؤلم ان أراك يا وطني حزينا ممزقا.

 وطني البائس لقد ألبسك الطغاة كفن اليأس ووضعوك في تابوت النسيان ليواروك التراب وأنت حيً وجسدك دافيء و قلبك ما يزال ينبض! ومع هذا يدعي أخوة يوسف بكل صلافة محبته. ربما صمتـك المخزي، و صبرك المفرط، وجمودك المذهل، أقنعهم بموتك..

لقد إنتهت العصور الجليدية يا وطني، فتحرك ولو قليلا أو تنحنح لتشعرهم بأن قلبك ما يزال ينبض بالحياة! حرك يديك ومزق الكفن المتهريء إنهض كفاك عجزا وتأفأفا، فالشرفاء يمدون لك أيديهم الكريمة ليساعدوك على النهوض فساعد نفسك قليلا.

 وطني يامعقل الحرار والابرار والشهداء كفاك عشقا للدماء..

  بالأمس الحسين والزهراء واليوم ساحة التحرير تعج بدماء الشرفاء خطواتك أثقل من جبل، وصبرك أطول من بحر وأمرك عجيب فيومك بشهر. إن لم يكن صبرك قد نفذ فإن صبرنا قد نفذ لقد علمنا التأريخ بأن الصبر نصر وغنيمة، ولكنه إن تجاوز الحدود تحول إلى ضعف وهزيمة. وعلمنا إن التردد هو الصفحة الأولى من كتاب الهزيمة. وأن كانت الهزيمة كلمة مؤنثة فأن النصر مذكر. إنهض ولاتتقاعس فالضربة التي لا تقتلك تقوي بدنك وتنعش روحك، شدً من أزرك، وتقلد سيف العزيمة وألبس درع الأقدام، وتوكل على الله ولا تستعن بغيره، فمن إستعان بغير الله ذلً.

أيها الوطن المبتلى بالاصنام و العمائم عندما هتكت الأعراض وإنتشرت الأمراض وتحول الوطن إلى أنقاض، وساد الفساد وقتل العباد وخوًن الأجداد وظلم الأحفاد وشوهت صورة الأمجاد, نزع المعمم عمامته الوسخة وتنكر لفتاويه المنكرة ودخل صومعته المظلمة كقلبه والمقفره كعقله. 

ضعفاء. دمامل في بدن الدين مليئة بالقيح والصديد، آن الوقت لنفجرها وننظف أجسادنا من وساختها.

أيها الوطن المبتلى بأبنائه والمبتلى أبنائه به! قد نجد عذرا في تسامحك مع من يتنكر لك! لكن لا عذر لك في تسامحك مع من يفسد فيك ويسلبك ثرواتك ويؤدلج ويشرع العمالة، ويبغي إلغائك من الخارطة. إننا على ثقة بأن الخيانة, العمالة، السرقة والهزيمة، كلمات مؤنثة منجبة وليست عقيمة لذلك نخشى تناسلها.

وطني ليس لي سوى أن أحلم بك أليس الحلم جنة الفقراء وسعادة اليتامى وملهاة المغتربين لكن حتى هذا الحلم أصبح طريدة يلاحقها الطغاة أينما رحلت وأينما حطت، بعدت أو قربت محاولين أغتيالها بكواتم صامتة. الا يكفيهم صمت شعب كامل يعيش في ذل وهوان..

تجزم بأن الحق طلق الباطل منذ فجر التأريخ ولم يحدث إن إجتمعا سوية تحت سقف واحد، فان حضر الماء بطل التيمم. ألا تعلم بأنك الحق ولا يضيع حق ورائه مطالب مهما شاعت خرافات المحتل وتمادت عفاريت السلطة وموهت الهزائم المنكرة إلى انتصارات باهرة، إنها محاولة فاشلة كتأنيق وتزويق عجوز شمطاءوهل يصلح العطار ما أفسده الدهر ألم تعلمنا بأن العملاء مثل الثعابين يرفعون رؤوسهم لإفتراس ضحاياهم بوجود المحتل ولكنهم يخفونها ويهربون إلى جحورهم المظلمة بإنتهاء الإحتلال.

الغربة خارج الوطن جنحة لكن أليست الغربة داخل الوطن جريمة في الغربة القسرية تتشوه صورة الحياة الباهرة بطلاء الباطل فتتداخل الملامح ولا تفقه منها شيئا، وتستشعر بزحف الشيخوخة، تتقدم يوم بعد آخر كجيوش منتصرة تلاحق فلول الشباب المهزومة, والمتفرقة في كل الإتجاهات، تستريح تارة في كهوف جبل من هم، وتارة في بطون وادي من غم. مثل ممسوس تائه يبحث عن مخرج، لا يدرك بإن كل الطرق غير المستقيمة تؤدي إلى جهنم. ربما أكون قد أخطأت أو أجرمت بفراقك ولكن جسامة الأخطاء لا تغير من محصلة النتائج. وأنت تعرف بأن الخيار بين الموت والحياة لا يحتاج الى تفكير.

مادهاك وأحبط عزيمتك لتتحول من جبل يعانق السماء إلى حفرة تحت الأرض تتجمع فيها الأزبال والنفايات ومع تلك الحفر هناك المجاري التي تغط بجرادين السلطة الفاسدة  أرفع رأسك قليلا ولا تنكسه كإمرأة هتك عرضها، جاهر بصوتك كزئير أسد وليس كنقيق ضفدع. تحرك فالحركة بركة، والجمود توأم الموت. تذكر مواعظك فهي ماتزال راسخة في عقولنا فإن نسيتها فنحن لم ننساها بعد.

ألم تعلمنا بأن التردد كساح الشعوب والإقدام يطهر الذنوب ولابد لليل أن ينجلي وأن الصعاليك فقط هم التائهون في غياب الجهل حتى جبابرتهم يبقوا صعاليك و لو تخطوا كل بحور الجرأة والإقدام! أما زلت ثابتا على رأيك بأن الحرية والديمقراطية لا تولد في ظل حاكم عقيم وشعب جبان  أو لست القائل بأن الأفكار الرائعة طيور جميلة تعشق الضوء وتحلق بأجنحتها إلى الأعالي وترفرف برفق وجمال وهي تحط على العقول فتنيرها بعصا سحرية بينما الأفكار السيئة خفافيش تهوى الظلام وتعشش بين الأطلال وفي الخرائب، تخشى الضوء لأنه يشوش عليها الرؤية.

ألم .كفاك عجزا يا وطني تجاه الخونة! فمهما فعلوا بك أراك تبخل عليهم حتى بنظرة لوم أو عتاب! أي وطني المنتهك عرضه من قبل الغرباء والعملاء! أصدقك القول بأنه سيبقى الحنين إلى أحضانك شغلنا الشاغل. فأشواقك تغلي في مراجل صدورنا وتفور منسكبة بحرقة على قلوبنا وتتصاعد أبخرتها إلى عقولنا لترطب أفكارها المتيبسة. قد يكون حب من طرف واحد ولكن ما باليد من حيلة أجل أيها المعلم الأول للبشرية والطالب الفاشل في هذه الألفية.

سأتلو عليك وطني أفكار محبوسة في صدري منذ الطوفان الأمريكي الجارف الذي حمل معه كل تلك الشوائب والطفيليات، رحل هو وبقيت هي! أفكار ضاقت في مكانها وبدأت تضغط بشدة على أضلعي الواهنة وأخشى أن تهشمها. ففي الغربة تتشابك العواطف وتختلط الألوان فتضطرك لفتح ذراعيك مرحبا بالغم، وتضيف الذل الهم, إنهم ضيوف دائميون ثقيلو الظل تلتقيهم كل مساء ويلازمونك في المخدع كأم تحتضن طفلها المريض، وأحيانا يجالسوك في الصباح رغم أنفك! حتى احلامك في الغربة رتيبة ومملة. لكن ذواتنا الضالة عن الطريق واندفاعنا غير الملجم في وحشة العدم، تجعلنا نتعلل بهم ونتسامر معهم، معللين النفس بأفيون الآمل والتفائل عسى أن ينشق الأفق قريبا متغافلا عن تسلل أول دفقه من الضياء لينير وجهك الشاحب.

الغربة والوحشة تؤأمان سياميان متلاصقان لايمكن أن ينفصلا عن بعضهما ففي ذلك موتهما, والأمل مارد ضخم يتوسد الغيوم بعين مغمضة وأخرى مفتوحة, في عينيه نظرة تساؤل هل ستعود الطيور المهاجرة إلى أكنانها المخضرة بعد أن أعياها السفر وطوى اجنحتها الفراق أم ستبقى تدور في فلك الغموض إلى أن يعانقها التراب يتعثر اللسان بحجارة الجواب ويطول الإنتظار ما اسأم الإنتظار وما أحقره! اليس في إنتظار غودو عبرة لمن أعتبر فعلامنا لا نعتبر..

وطن يصلب فيه العدل ويغتال فيه القانون أبدا لا يستقر فيه السلام ولا يستطاب فيه العيش والمقام..

إرسال تعليق

0 تعليقات