القصور والبيوت الثقافية في العراق وأثرها فى نشر الوعي الثقافي

مشاهدات


 

علي العوادي

تتسابق المجتمعات في كافة دول العالم فرادا وتجمعات لترسيخ الوعي الثقافي في كافة جوانب الحياة المتعددة لتضع لبنة قويمة في حجر الأساس لحضارات بلدانها ، فالثقافة بمراحلها الاولى تبدأ من المجتمع الصغير ألا وهو الأسرة لتتوسع شيئا فشيئا لتشمل مجاميع أكبر تنضوي في منظمات ومؤسسات مجتمعية مختلفة لتنشر سدولها وتؤسس لمبادئ ثقافةٍ جمعية قد يتحول بعضها إلى قوانين وضعية أو تقاليد وأعراف وشيئا فشيئا (يتقولب) عليها الأفراد بمختلف مستوياتهم العلمية والثقافية إلى درجة يصعب معها على ضعفاء النفوس  مخالفتها والسير عكس حيثياتها لأن مثلهم سيكون كمثل غراب اسحم بين حمائم بيضاء . وبعيداً عن حالة التغني بامجاد الماضي لأن الفتى من يقول ها أنا ذا وليس الفتى من يقول كان أبي لا يخفى على أحد في مشارق الأرض ومغاربها بأن بلدنا العزيز العراق احتضن أول حضارة انسانية تفرعت منها حضارات العالم الأخرى ، فهو بلد موغل في التاريخ  تجاوزت حضارته ثمانية آلاف من السنين بل هو التاريخ نفسه ، كيف لا وقد علم الإنسانية أول حرف في الكتابة، كيف لا وقد عرف ابنائه في ذلك التاريخ السحيق علوم الرياضيات والفلك فحددوا مواقع الكواكب والنجوم ورسموا خرائطها، سنوا القوانين التي تسهم في بناء الدولة ورفاهية المجتمع . ومن أجل توظيف ذلك التاريخ البهي وربطه بحاضر المجتمع واستشراف مستقبل مشرق أخذت دائرة العلاقات الثقافية العامة في وزارة الثقافة والسياحة والآثار على عاتقها المباشرة  بمشروع ثقافي كبير ومميز فسارعت إلى افتتاح ما يزيد على أربعين قصر وبيت ثقافي ، امتدت من اربيل في أقصى الشمال إلى الفاو في أقصى الجنوب ، لتكون حاضنات ثقافية إيجابية لمواهب وإبداعات الأدباء والشعراء والكتاب والفنانين ، ومتنفسا ثقافياً لكافة شرائح المجتمع ، وأغلب البيوت الثقافية افتتحت استجابة لطلبات تلك الشرائح التي وقفت ومازالت تقف بكل ثقلها مع تلك المشاريع الثقافية ، وبالرغم من إمكانياتها المحدودة بدأت فعالياتها الثقافية الهادفة إلى تنمية بناء فكري قويم ، فحققت إنجازات كبيرة ملموسة في الواقع الثقافي في المناطق التي تواجدت فيها ، وامتد عملها أيضا ليشمل محافظات مجاورة  بل تجاوزت الحدود لتستقبل أدباء وكتاب وشعراء مغتربين في بلدان أخرى وتسلط الضوء على نتاجاتهم ، فرفع الكثيرون بل الأغلبية لها القبعة تثمينا وعرفانا بما حققته تلك الدوائر الثقافية الرسمية التي مازالت بحاجة ماسة إلى دعم مادي ومعنوي وبالأخص من الجهات التي حلت عليها ضيفاً خفيف الظل لمواصلة فعالياتها ولتحقيق الأهداف السامية التي أُفتُتِحَت من أجلها ، أما تركها على مبدأ (فأذهب أنت وربك فقاتلا) سيجعلها عرضة لدسائس المتصيدين - على قلتهم - في البرك الآسنة الذين اشتاطوا غيضا وحقدا من انجازاتها الباهرة ، فصارت عيونهم ترى الشّوك في الورود وتعمى أن ترى فوقها النّدى إكليلا بل هم لا يرون في الوجود- مطلقاً- شيئا جميلا.



إرسال تعليق

0 تعليقات