عندما تكثر الجباية تشرف الدولة على النهاية

مشاهدات

 





موفق الخطاب


تتقبل الشعوب النظام الضريبي والرسوم عندما يكون ذلك مقترنا بما يتحصلون عليه من دعم و خدمات ملموسة وخاصة عندما يتم تطبيق هذا النظام على الجميع دون تمييز وإستثناء مع التيقن أن تلك المبالغ الباهضة  تدخل في ميزانية الدولة ولا تتسرب  الى الحسابات الخاصة والجيوب، ويتم التصرف فيها بأمانة في برنامج الدعم و تطويرالبنى التحتية و تقديم شتى انواع الخدمات ، أما أن يجبر المواطن على دفعها بموجب قوانين مكيفة ليستولي عليها حيتان الفساد وليتم تهريبها خارج الحدود بالإتفاق مع المافيات، او لغرض معالجة الوضع الاقتصادي المترنح  بسبب سوء التخطيط لعقود ولسداد الديون وفوائد صندوق النقد الدولي المتعاظمة وارتداداته المتوقعة في زيادة معدلات التضخم وعدم السيطرة على حركة السوق والبطالة المستشرية وتدهور الدخل  القومي وتراجع  القدرة الشرائية للفرد ، فذلك مؤشر خطير يجب عدم القفز عليه وإلا فالإصرار على هذا النهج يسرع بالتصدع والتخلخل في العلاقة بين الشعوب و أنظمة الحكم وقد يتطور ذلك الى صراع خفي ثم  الى تمرد يفضي الى ما لا يحمد عقباه حتى لو تم التعامل بالحديد والنار لإخماد ثورة الجياع .
وأفضل من نبه و شخص هذه الحالة وغيرها من الامراض التي تصيب الأنظمة و المجتمعات وتمزقها هو  رائد علم الاجتماع العربي ابن خلدون ، حيث أنه كتب في مقدمته الشهيرة (مقدمة ابن خلدون)  في القرن الرابع عشر الميلادي متطرقا الى العديد من تلك الآفات وهي تشبه الى حد كبير ما تعانيه العديد من الشعوب المغلوبة على أمرها في هذا العصر قائلا :

 - عنـدمــا تـكثــر الجبــايـة تشرف الدولة على
  النهـايــة!
- وعندما تنهار الدول يكثر المنجمون والمتسولون .. والمنافقون والمدّعون.. والكتبة والقوّالون.. والمغنون النشاز والشعراء النظّامون.. والمتصعلكون وضاربوا المندل وقارعوا الطبول والمتفيهقون ( أدعياء المعرفة ) ..
وقارئوا الكفّ والطالع والنازل والمنجمون..
والمتسيّسون والمدّاحون والهجّاءون وعابروا السبيل والانتهازيون..
عندها تتكشف الأقنعة ويختلط ما لا يختلط..
ويضيع التقدير ويسوء التدبير.. وتختلط المعاني والكلام..
ويختلط الصدق بالكذب والجهاد بالقتل..

وعندما تنهار الدول ويسود الرعب يلوذ الناس بالطوائف والقبائل..
وتظهر العجائب وتعم الإشاعة..
ويتحول الصديق إلى عدو  والعدو إلى صديق..
ويعلو صوت الباطل.. ويخفق صوت الحق..
وتظهر على السطح وجوه مريبة.. وتختفي وجوه مؤنسة حبيبة..
ويصبح الانتماء إلى القبيلة أشد التصاقا..
وإلى الأوطان ضربا من ضروب الهذيان..
ويضيع صوت الحكماء و تخفت حماسة الخطباء..
ويتقاذف أهل البيت الواحد التهم بالعمالة والخيانة..
وتسري الشائعات وتحاك الدسائس والمؤامرات..

تلك  مقتطفات من رؤية إبن خلدون في إختلال العلاقة بين الأنظمة والشعوب بسبب جشع الحكام وفساد  البطانة، وقد حصل ماتنبأ به فانهارت  تلك الانظمة في عصره وشاهدنا مثلها في العصر الحديث،  وقلما نجى من مصيره الأسود  حاكم و والي وسلطان من التنكيل و السحل أو القتل أو الهروب متنكرا تحت جنح الظلام .
الا ترون سادتي الأفاضل أن كل ذلك يحدث اليوم في العديد من الشعوب المنهكة حولنا غير مبالين بتصدع الارض تحت قصورهم ؟
يبدو أن فساد بعض الانظمة والحكام وبطانتهم هي حالة مرضية مستديمة و متأصلة في الأمة وقد  عجز الحكماء والعلماء و المصلحون من استأصالها و يتوارثها طبقة الحكام دون الاتعاظ بمن قبلهم الا من رحم ربي  !
              لله درك  يا ابن خلدون..

إرسال تعليق

0 تعليقات