قراءةٌ في كتاب " الانزياح الشعري في كلام ( آدم الأخير) لعارف الساعدي, للناقد د. رحمن غركَان

مشاهدات

 





إبراهيم رسول

يواصلُ الناقد العراقيّ د. رحمن غركان, سلسلته النقدّية, التي خصصها لنقد الشعر العربي, وقد تخصص في هذا الكتاب بدراسةِ مفهوم الانزياح الشعري في المجموعة الشعرية ( آدم الأخير للشاعر العراقي عارف الساعدي). مارسَ الناقدُ النقد التطبيقي على المجموعة بعد قراءةٍ عميقةٍ مُفصّلةٍ لها, فخرج لنا بهذه الدراسة التي تُعالج مفهومًا واحدًا من مفاهيم النقدّ الأدبيّ, وأخذَ الناقدُ يوظف رؤاه وثقافتهُ النقدّية على هذه المجموعة. يبدأ النقد أو التحليل النقدّي من التوطّئة التي يُمهد فيها إلى طريقتهِ التي سيسلكها في نقدهِ, ويضع كلمة هي أوّل ما يفتح به درسه النقدّي فيقول: يصدر الشعر عن الانزياح؛ فلا يظهر الشعر المؤثر بمعزل عن أساليب انزياحاتهِ, سواء تلك التي يشكّلها معجمه أم إيقاعه أم صوره أم تراكيبه أم بناؤه أم معانيه الشعرية ( الكتاب : 9), في هذه المقولة تتضح أهمية الانزياح في الشعر, وأهميته وكثرته في العيّنة المُنتقاة, التي وردَ فيها الانزياح بصورةٍ كبيرة, ويتضحُ أيضًا من خلال الكلمة هذه, أن المجموعة موضع الدّرس, تمثل المادة التي سيطبق عليها الناقدّ رؤيته في الانزياح الشعري, يرتبُ الناقد فصوله إلى ثلاثةِ فصولٍ مسبوقة بمقدمة ومنتهية بخلاصة ختام, عنى الفصل الأوّل  بالانزياحات الإيقاعية وقد قسّم إلى ثلاثِ عنوانات فرعية, هي:
الأول: انزياحات الإيقاع الداخلي
الثاني: انزياحات القافية
الثالث: انزياحات الشكل الشعري.
في هذا الفصل, يكون الناقدُ مُلمًا بالتجربةِ الشعرية التي وضعها تحت مجهرهِ النقدّي, وأخذ يقرأ المجموعة قراءة إيجابية, وفق الطريقة التي تميّزَ بها حتى صار يُعرف بها!  يعني الانزياح بالمجملِ, أنّه خروجٌ عن المألوف والمعتاد, واستعمال اللغة في غير ما وضعت له, من خلال تعريفه ندرك الأهمية التي يمثلها في الشعر العربي وفي المجموعة الموضوعة للتحليل النقدي الجماليّ, فمن خلال التعريف اللغوي والاصطلاحي لمفهوم الانزياح, نعرفُ أن تجربة عارف الساعدي, تجربة خصبة وغنّية بالجديد, البعيدة عن المكرر والمقلّد, وهذا ما قاله الناقد  في الفصل الأوّل هذا. أدخلنا الناقدُ إلى عالمهِ النقدّي, ونحن نحمل اللهفة والشوق لقراءةِ تجربةٍ شعريةٍ , ستكون غير نمطية وغير كلاسيكية, وسنقرأ الشعر الذي يلامس الجمال الفنّي في أرواحنا, وهذا ما وجدناه في العينات الشعرية التي استشهد بها الناقد في كشوفاتهِ النقدّية, وصارَ الدرس النقدّي مكملًا لجمالية النصّ الإبداعي, المميزُ في درس الناقد رحمن غركان, أنه يقرأ التجربة قراءةً مفصّلةً وجزئيةً, وكما يقول هو : يتيح هذا المنهج من النقد أن نقرأ التجربة؛ الجزئية كما في القصيدة والكلية كما في المجموعة أو الديوان, والشاملة كما في الأعمال الكاملة قراءة جزء من جزء أو مكوّن من مكوّنات قراءة جامعة مانعة, تكون مرجعًا لما بعدها, وذات نتائج إثرائية ينتفع منها الشاعر الذي كتب, ومن تأثر به, والدارس الذي يقرأ لتطوير ممكناته عند محاورة التجربة نفسها, أو محاورة تجارب أخرى ( الكتاب : 21).
هذه المقولة, تعني أن هذا الدرس سينتفع منه المبدع الذي أبدع النص, والمتلقي الذي أُعجب بالنصِّ والدارس الذي درسَ النصّ, وبالمحصّلة هي قراءةٌ نافعةٌ للأقطاب الثلاثة, الذي يدور النصّ الإبداعي بينهم, لا يمكن للناقد أن يستوعبَ تجربةَ أيّ شاعرٍ ما لم يقرأ التجربة مفصّلة ومجزأة وشاملة, فمن خلال هذه التقسيمات الثلاث في القراءة , يتمُ الإلمام الصحيح للتجربة الإبداعية, هذا ما عملَ عليه الناقد في قراءته مجموعة ( كلام آدم الأخير). تمثل انزياحات الإيقاع الداخلي أهميةً في عملية التلقي , إذ يستحيل أن تكون هناك عملية أثر وتأثر ما لم يكون هناك, الإيقاع الداخلي, الذي  يخلص إليه الناقد بقوله: إن الإيقاع الداخلي هو انتظام حركة الدوال بين يدي التعبير عن المعنى, انتظامًا مهيمنًا على القصيدة كلها( الكتاب: 38), فالإيقاع الداخلي هو الانتظام الذي يهيمن على معاني دوال القصيدة كلها, الانتظام الذي يحافظُ على جاذبية التلقي بين المبدع والمتلقي.
وأما المحور الثاني, الذي عنونه الناقد بانزياحات القافية, وأهمية القافية ركيزة صوتية ذات بثٍ إيقاعيٍ, يقوم عليها ختام البيت الشعري( الكتاب: 39), القافية هي الإيقاع الذي يختم البيت الشعري, ولها أهمية صوتيةٌ في عملية التلقي الصوتي التي تعتمد على النغم الذي يشد الآخر ويجذبه, هذا الانزياحُ تمثل في مجوعة أدم الأخير, تثملًا إيجابيًا, وبما أن إيقاع القافية, يعد إيقاع القافية من الإيقاعات الخارجية, لذلك هي مهمة في عملية التواصل السمعي بين المنشأ والمتلقي, لذا يعتمد الشاعر عليها قبل لحظة الكتابة, كونها تمثل المسار الذي ستلتزمه القصيدة في نغمتها. لذا, وضعَها الناقد من بين ثلاثة تقسيمات للفصل الأول  من كتابهِ.
وأما القسم الثالث, والأخير الذي أنهى فيه الناقد تقسيماته الفرعية للانزياحات الإيقاعية, إذ عنونه بانزياحات الشكل الشعري, نلاحظُ في هذا التقسيم, ان الناقدَ سلك المنهج الذي يبدأ من الخارج إلى الداخل, لذا, فهو عنى بالانزياحات الخارجية أوّلًا. انزياح الشكل الشعري الذي قال فيه الناقد: ينصرف مصطلح ( الشكل) في العمل الفنّي _ ومنه الأدبي الذي منه الشعر إلى الدلالة على كيفية توظيف المكونات العامة التي يشكل انتظامها عالم ذلك العمل الفنّي( الكتاب: 52). هذا التعريفُ, أعطى الآلية أو الطريقة التي قرأ الناقد بها المجموعة وفق تقسيمه الانزياحات الشكل, فللقصيدة شكلٌ خارجيٌ, وصورةٌ خارجيةٌ واضحة, فلهذه الصورة انزياحٌ شكليٌ, هو المسؤول عن انتظامها مع مكوناتها العامة, أيّ للانزياح الخارجي, أهميته البالغة في شكل القصيدة الخارجي, وبهذا ينتهي التقسيم الثالث من الانزياحات الخارجية, التي نختصرها, بأنّها انزياحاتٌ تدخل عالم القصيدة من الخارج , ومن ثمَ تدخل إلى بنيةِ القصيدة, في هذا الفصل الأوّل, كان الناقدُ مميزًا في عملية التقسيم التي قسّمها إلى ثلاثِ أقسامٍ. ثمَ قضّية أخرى, يلتفتُ إليها المتلقي الناقد, هو أن الناقد رحمن غركان, يقدمُ آراءً نقدّيةً, أثناء عملية التلقي التي يتلقاها من المبدع, يبثُ تلك الآراء في أثناء القراءة النقدّية, فهو يعرف الترميز بقولهِ: أنه الشكل الذي يتخلق فيه المعنى الجديد الذي يذهب إليه الشاعر هنا. ولو التفت شاعر آخر إلى الرموز نفسها بكيفيات ترميز مختلفة فسينجز شكلاً جديداً, أنا إذا سار على نهج عارف الساعدي في هذه القصيدة فسيكون تقليدياً, لأن الرمز شأنٌ مشاع, ولكن الترميز أداء شعري يخلق المعنى في شكل شعري جديد( الكتاب: 59). في هذا القولُ, يضع الناقد, رأيهُ في مقولةٍ تأسيسيةٍ لهذا الرأي, ويكون قد وضع قاعدة نقدية ربما تكون عامةً شائعة. فإذا كانت العيّنة المنقودة, قد اتصفت بصفات بلاغية, فإن الطرح النقدّي, اتسمَ هو الآخر, بالعمقِ والتجديد لأغراضٍ نقدّية, قد تصلح لنماذج أخرى غير هذا النموذج المنقود, فالناقدُ عبر نقدهِ لهذه العيّنة, يضع قواعد نقدّية, تنطبقُ على قراءات أخرى, ومن هذا نفهم أن النقدَ الذي يقدمه رحمن غركان, يقدم للدرس النقدّي التطور والتجديد. ولعلَ تسميته للفصل الثالث: انزياحات بنائية, حيث قسّمه إلى ثلاثةِ أقسّامٍ أو فصّولٍ, فكان:
القسّم الأول:  انزياحات الوحدة الشعرية
الثاني: انزياحات سردية
الثالث: انزياحات عتباتية
إذ تمثل الوحدة الشعرية المساحة النصية الأوضح والأعمق والأكثر استدعاءً للمجازات الجزئية التي تتيح للمتلقي الناقد أن يكشفَ في خلالها عن الانزياح المهيمن( الكتاب:127)
بدأ الفصل الثالث, يعنّى بالانزياحات البيانية, التي يقوم بناء المجموعة عليها, فالاهتمام هنا , يخصُ باطن المتن, أو عالمه الداخلي. تبدو الطريقة النقدّية التي يشتغل عليها الناقد في نقدّهِ, هي اتخاذ موضوعٍ واحدٍ, ليمارسَ عليه قراءته النقدّية, فالمتأملُ في عنوانات " سلسلة نقد الشعر الآن" يدرك بوضوحٍ, أنه يشتغلُ على ثيمةٍ واحدةٍ إلا أنه يُجيد القراءة فيها, ويُفصّلها التفصيل الذي يكاد أن لا يترك شاردة أو واردة إلا وطرقها في بحثهِ, وهذه القراءة , تخصصت لقراءة تجربة عارف الساعدي عبر موضوعةٍ واحدةٍ وهي الانزياح الشعري, لكنه كان بارعًا وفاتحًا في قراءته حول الانزياح الشعري.














إرسال تعليق

0 تعليقات