مستقبل الاقتصاد غير النفطي في العراق

مشاهدات

 


 

عمر سعد سلمان
 

لم يعد مورد النفط الخام يكفي كمصدراً وحيداً للعملة الأجنبية ورئيسياً لتمويل الانفاق الحكومي، وكلما تأخر العراق عن المباشرة بتطوير جذري في قدرات الإنتاج السلعي غير النفطي وعلى نحو أخص الصناعة التحويلية كلما زادت الصعوبات للنهوض. خصوصاً ان العراق لا يستطيع تبني استراتيجية خفض الاستهلاك ومستوى معيشة يتحرك ببطء، وليس امام العراق من فرصة للرخاء سوى اعتماد الكفاءة لتحقيق النمو الاقتصادي.
ان الاستثمار الممول من الموازنة العامة تعثر منذ عام 2014 نتيجة العجز المتراكم بالإيرادات امام المصروفات المتنامية، وبالتزامن مع ضعف الاستثمارات عبر القطاع الخاص الذي يركز على قطاعات النقل والتجارة والسكن وبعض الأنشطة الخدمي. وعندما تتصرف الحكومة بالمورد النفطي لتمويل إنفاق الموازنة العامة يصبح المستوى الكلي للطلب على السلع والخدمات مستقلاً الى حد كبير عن حجم الاقتصاد، وتنشأ سلسلة من دورات الانفاق تتدخل فيها قدرة العراق على الاستيراد ممولاً من مورد العملة الأجنبية لصادرات النفط.
وينسجم سعر الصرف مع الوفرة النسبية لمورد النفط بعيداً عن بنية التكاليف المحلية للإنتاج وشروط التنافس الدولي. ويؤثر سعر الصرف المحدد نفطياً على الاستثمار والقطاعات المشمولة بالتنمية لان سعر الصرف من اهم محددات التكاليف والعوائد وبالتالي الجدوى الاقتصادية.
وهكذا تحكمت صادرات النفط في أليات عمل الاقتصاد الوطني ومسيرته وعلى نحو متزايد منذ مطلع سبعينات القرن الماضي، وفي سياق هذه الاليات اعتاد الاقتصاد على ضعف الاستعداد لتحمل أعباء الضريبة بحيث تشكلت أنماط من الأداء تتضمن غيابها وأصبحت هذه من خواص عمل الاقتصاد.
وان التحول نحو الاقتصاد الطبيعي الذي يماثل في تشكيلته القطاعية والعلاقات التنقية والتنظيمية للإنتاج، النمط السائد في العالم لنفس المرحلة من التطور هو السبيل لأخراج العراق من مآزق القيد النفطي على حركته. ولتوليد ما يكفي من فرص العمل ومباشرة التصدير من غير النفط الخام وتمويل الموازنة العامة من مصادر مستقلة عن تقلبات النفط في سوقه الدولية.
ومن أبرز سمات الاقتصاد العراقي في السنوات الـ 50 الأخيرة ان الزراعة والصناعة تساهم فقط في 7.1% من الناتج الإجمالي المحلي و12.9% من الاقتصاد غير النفطي. ومع تباطؤ الطلب على النفط واستبعاد طفرات جديدة في الأسعار، ينبغي توجيه القطاعات الإنتاجية نحو التصدير.
وفي السنوات الأخيرة ظهرت صعوبات جديدة تواجه الدول التي تأخرت في مباشرة التصنيع الموسع بعد اجتياح الصناعة الناهضة في شرق اسيا الأسواق العالمية بتنافسية قوية بعد ان تمكنت هذه الدول من خفض تكاليف الإنتاج وزيادة قدراتها الإنتاجية. وبالتالي فأن خيارات العراق الصناعية سوف تكون محدودة وتزداد معها التحديات مع استمرار التأجيل.
ان المهمة معقدة وتتطلب دولة تنموية بإحساس عميق بالمسؤولية تجاه الأجيال القادمة، وهي أكبر بكثير من ان تترك لسياق التطور التلقائي مجاراة لنسخة بائسة من الليبرالية الاقتصادية.

إرسال تعليق

0 تعليقات