العشوائية في بلادنا

مشاهدات

 




شاكر كتاب
أستاذ جامعي وناشط سياسي


(1). دخلت العشوائية في كل مفاصل حياتنا. وغدت ثقافةً يوميةً تمارس علناً وبدون أدنى رادع. صرنا نسمي العشوائية أمراً واقعاً. أصبح الاعتراض على العشوائية عملاً عشوائياً هو الآخر غير مجدٍ أبداً.
 
(2). الأحزاب "السياسية" تتأسس في ليلة وضحاها عشوائياً. قرار تأسيسها عشوائي. يتخذه فرد واحدٌ. يتشاور مع مجموعة عشوائية لا على التعيين ولا علاقة لهم لا بالسياسة ولا بتاريخ البلاد ولا بأي علمٍ ذي صلة. يتفقون على برنامج ونظام داخلي بشكلٍ عشوائي. ثم يرتقي القائد المؤسس! المنصة لتبدأ حلقة جديدة في مسلسل عشوائي من مئات "الاحزاب" العشوائية. ثم يروح يبحث هذا الحزب العشوائي عن حلفاء وأحزاب عشوائية اخرى لتنبثق تحالفات أكثر عشوائية من كل أحزابها محتمعةً.
 
(3).الانتخابات لدينا عشوائية. فالترشيح مفتوح "للگرعة وأم الشعر". للأمّي والعالم والجاهل والمثقف لصغار السن وكباره لأصحاب السوابق والأتقياء والوطنيين والعملاء. والتصويت عشوائي. والكل يعرف ما المقصود هنا. والقوائم عشوائية. فالمهم تحشيد أكبر عدد من المرشحين ورأس القائمة هو الفائز الأول. فرز الاصوات وعدّها يستغرق سنة أو أكثر تطبيقاً للعشوائية المطلوبة.
 
(4). مجلس النواب يشكل الحكومة بعشوائية متقنة. ثم تباشر الحكومة مشاريعها العشوائية وعقودها العشوائية وتعييناتها وتنقلاتها بأعلى روح وانضباط عشوائي. وإذا حدث أن استدعي وزير الى مجلس النواب للمساءلة أو أستضيف فالأسئلة عشوائية مخجلة. لكن التصويت على إقالة الوزير لأنه لم يدفع "المقسوم" الى كتلةٍ معينة ليقع تحت رحمتها آنذاك تتجمع الأصوات بشكل عشوائي لإقالته وليكون عبرةً لمن يعتبر.
 
(5). والعشوائية مع جزيل الأسف دخلت حتى في حراكاتنا الوطنية النقية المعارضة. فعدم توصلها الى اليوم لإطار تنظيمي واحدٍ يوحد جهودها سببه الاسراف في الأنا والعشوائية في العمل. وواحد من أسباب تمكن السلطات من قمع ثورة تشرين التاريخية هو النشاط الشجاع المتحمس للثوار لكنه غير المنظم. فلا الثوار توحدوا ولا انبثقت قيادة موحدة ولا الشعارات توحدت بل بعضها رفعت بعشوائية واضحة. مما سهّل لعيون الخصوم اختراق صفوف الثورة حتى أنهم نصبوا خيماً ورفعوا شعارات وهتفوا هتافات عالية لكنها لم تكن عشوائية بل مدروسة بعناية. ومن هذا المفصل تحديدا انبثقت بعض الاحزاب بين مندفعة فعلا باسم الثورة ومبادئها وبين من جاء بوحيٍ من بعض أحزاب السلطة لأغراض عشوائية وأخرى غير عشوائية.
 
(6).هذا الواقع السياسي العشوائي جعل البلاد كلها تسير بقدرة قادر. أو كما يقال "تعيش في الوقت الضائع". فاقتصادنا عشوائي مئة بالمئة. هل يتمكن أحدٌ ما من تسمية اقتصاد العراق اليوم بغير العشوائية. دولة ريعية تماماً. تعيش على النفط. لكن من يعيش؟ انهم ( أقصد العشوائيين) يسيطرون على كافة موارد الدولة. اجترحوا لنا فتاوى عشوائية تحلل لهم سرقة أموال الدولة لأنها " مالٌ سائب ما له من مالك" يشبه المطر تماماً. ومنذ مجيئهم العشوائي الى مراكز القرار والوضع الاقتصادي في بلادنا في تدهور متواصل غير منقطع. هل رأيتم عشوائيةً اكثر من بيع العملة من قبل البنك المركزي العراقي والذي يتناوب على رئاسته رؤساء عشوائيون منذ ان ابعد سنان الشبيبي ومظهر محمد صالح؟ وكيف أبعد هذان العملاقان في الاقتصاد والإدارة المصرفية الا بأسلوب عشوائي متعسف؟ المصارف الأهلية عشوائية بمرارة. تمارس شتى أنواع الحرام والفساد على مرأى ومسمع الدنيا وما فيها ولا من حسيب أو رقيب.
فكيف تكون العشوائية غير هذه؟

إرسال تعليق

0 تعليقات