"تأثيرات دونينغ وكروجر"

مشاهدات

 







أمل محمد ياسر
سورية/ دمشق


في علم النفس نجد تحليلات للشخصيّات بشكل كبير ، نجد أشياءً قد ظننّاها أموراً بديهيّة في النفس البشرية ، إلّا أنّ علماء النفس أثاروا الجدل نحوها وتعمّقوا في طيّاتها بتجارب كبيرة على أُناس كُثر حتّى يخرجوا لنا بنظرية ذات أبعاد وزوايا ومنحنيات مُدهشة ، بل حتّى نجدهم قد وضعوا مؤشّرات بيانيّة تدلّ عليها مُعتمدين على استجوابات تحت امتحانات دقيقة ، يعتمدون من خلالها على الملاحظة والمقارنة .
ومن ذلك عالما النفس - ديفيد دونينغ و جوستن كروجر - فقد أضافا إلى أرشيفهما نظريّة أخرى أسمياها ( دونينغ وكروجر ) وهذه النظرية لم تأتِ عبثاً بل هناك قصّة حقيقيّة لها ، ربّما يجدها البعض من محض الخيال على أرض الواقع ، ولكنّها حقيقة متوّجة بشهود وذلك حيث أنّ هناك شخصاً قد حضر حِمام نفسه للسطو على أحد البنوك ، وليخفي ملامحه وضع عصير الليمون على وجهه كقناعٍ يجعله غير مرأيٍّ أو مجهولٍ لمَن حوله ، بحيث كان واثقاً ثقةً عمياء بما فعله وبأن لا أحد سيتعرّف على هويّته الحقيقيّة .
وبعد عمليّة السطو بساعة كان قد أُلقي القبض عليه من خلال تسجيلات كاميرات المراقبة ، والغريب بالأمر أنّ الشخص هذا قد كان في اندهاشٍ بأنّ الشرطة قد تعرّفت عليه ، أو كيف تعرّفت عليه ، وشكّه هذا جعل الشرطة تظنّ بأنّه تحت تأثير مُخدّر ما ، فأجرت بعض الفحوصات واكتشفت بأنّه بكلّ قواه العقليّة تماماً.
وقصّة هذا الرجل الغبي الّذي ظنّ نفسه قد تفوّق على نفسه بالتفكير والتخطيط ، جعلت عالمَي النفس ( دونينغ وكروجر ) يقومان بتجارب جديدة على مجموعة من الأشخاص من شخصيّات عديدة وتصنيفات وخبرات مختلفة في مستوى التفكير والعلم والذكاء ، فوضعوا هؤلاء جميعهم في امتحانٍ عام وبدأت دراستهم بملاحظة لغة جسدهم وطريقتهم بالجواب وملامحهم ثمّ قياسها على أجوبتهم العمليّة على الورقة الامتحانيّة ، وبعد خروجهم وجدوا بأنّ الأشخاص الفاشلين في الامتحان قد كانت لديهم ثقةٌ عمياء بأنّ الامتحان كان مستسهباً لديهم وسهلاً للغاية ، وفي الاتّجاه الآخر على العكس تماماً فقد كان القلق يملأ أعينهم وملامحهم مرتبكة مُتصّورين أنّ الامتحان لم يكن مُوفّقاً وبأنّهم في غاية الفشل ولم يبلوا أيَّ بلاءٍ حسن .
وبذلك قد لاحظ العالمان بأنّ إدراك الإدراك لهؤلاء في إشكاليّة خانقة وتعقيد غريب ، حيث أنّ الشخص الغبي الأحمق كان لديه ثقةٌ مرتفعة ربّما تصل عنان السماء ، وتقديره لذاته جعل مَن حوله يظنّ بأنّه الأنجح والأمهر . والآخر الذكي مقارنةً بمعارفه ومهاراته فقد كانت ثقته ربّما معدومةً إلى حدٍّ ما وقيّد ذاته بسلاسل الخذلان .
طبعاً لكلّ سببٍ مُسبّب ، وبذلك بعد التدقيق والتمحيص والتحليل خرج العالمان بفتوى وبنظريّة غاية بالأهمية وذلك بأنّ قلّة الذكاء أو الغباء بشكل مباشر قد تجعل البعض يبرزون أنفسهم بمرض العظَمة أو التفوّق الوهمي ، وبهذا يكونون قد قاموا بخدعة بسيطة يوهمون مَن حولهم بذكائهم .
أمّا ذاك الأخير الذكي وذو المهارة المرتفعة نجده مرتبكاً ظانّاً بأنّ مَن حوله يعلمون بما يفكّر أو من شدّة علمه يظنّ بأنّ هناك أشياءً لا يعلمها ، معتقداً بأنّ مَن حوله يعلمون بذلك فيغلب عليه الشكّ والقلق .

وفي بيان قد رسمه العالمان حيث وضعا مؤشّر الثقة العالية متوجّهاً نحو الشخص الغبي بحيث ربط الإسهاب والغلو بشعور الثقة ، يرافقه درجة من الغباء المباشر ، بينما التفكير العملي والفكري والمنطقي غير مرتبط بالثقة بل يرافقه شعور الشكّ غالباً.
ومثال على ذلك نجد بعض المتقدّمين الحمقى لبرامج المواهب يبرزون أنفسهم بمقدّمات خدّاعة وهميّة بحيث يكون عرضهم غايةً في السخرية والأداء الفاشل . وبالنهاية تكتشف الأوراق المخفيّة تحت تلك الثقة المتبلورة بداء الجهل ووهم العظمة وتقدير الذات.
أمّا عن الصنف الآخر الّذي يظنّ بأنّ مَن حوله على علم بما يعلمه والذي تنطبق عليه مقولة سقراط : "فقط عندما تعلم .تعلّمْ أنّك لا تعلم"  فداء عدم الثقة يمتلكهم دائماً وهم قليلون جدّاً نسبة للصنف الأوّل .
وينطبق على الصنف الثاني مبدأ " لا أحبّ أن أعرف شيئاً عن كلّ شيء ، بل أريد معرفة كلّ شيءٍ عن الشيء.."
وكما قيل " خير الأمور أوسطُها.."
فعلينا بأن ندرك الإدراك الصحيح
أين نحن؟ ومن نحن؟ وكيف يجدر بنا أن نكون في حال توازنٍ بين معرفتنا وثقتنا ، ولا نشرك أنفسنا بمواضيع لا نعلمها واهمين مَن حولنا بأنّنا نتكلّم وتكشف أوراقنا بأنّنا صفر وبأنّنا محض خيال .. فكم من عالمٍ رغم علمه الكثير قال:  لا أعلم ....


إرسال تعليق

0 تعليقات