يوسف السباعي فارس قتلته السياسة وأحياه الحبــ

مشاهدات




بقلم / سارة السهيل  


" الحق مزعج للذين اعتادوا ترويج الباطل حتى صدقوه  " هذه الجملة من مأثورات يوسف السباعي فيلسوف الادباء وأديب الفلاسفة، فهو فارس الكلمة الرومانسية وهو شديد الواقعية ايضا، وان كان الادباء قد صنفوه بأنه موقد شعلة الرومانسية في الادب، الا انني ارى انه قدم الواقعية في غلالة الرومانسية الراقية بعبقرية فذة نادرا ان نجدها عند نظرائه.

عبر يوسف السباعي بابداعاته الادبية التي تحولت في الكثير منها لاعمال سينمائية خالدة عن المجتمع بكل طوائفه الباشوات والفقراء معا في كل احلامهم وافكارهم، بقدرة فائقة على تحليل النفس البشرية وكانه خبير نفسي يغوص في بحار ظلماته وتجليات انوارها في نفس اللحظة.

ورغم عمله العسكري والسياسي والصحفي، فان عمله الفكري ليس لكونه وزيرا للثقافة أو نقيبا للصحفيين وأنما ابداعه الادبي أخلد  ذكراه نابضة عبرالشخصيات التي قدمها في اعماله الادبية والسينمائية. فهو ثائر معبر عن ثورة يوليو في رواية " رد قلبي " وهو ايضا ثائر في فيلم جميلة بوحيرد 

كان ابداع يوسف السباعي ترجمة عملية للنهضة الثقافية لمصر في حقبة ستينيات القرن الماضي وتحولت اعماله الادبية في معظمها الى افلام أكتسبت شهرة تفوق شهرة أصلها الادبي بتحليقها في آفاق الرومانسية.

 

جبرتي العصر

اطلق نجيب محفوظ على السباعي لقب 'جبرتي العصر' لانه سجل بكتاباته الادبية احداث الثورة منذ قيامها حتى بشائر النصر في حرب اكتوبر المجيدة عبر اعماله: 'رد قلبي' - 'جفت الدموع' - 'ليل له آخر' - 'اقوى من الزمن' - 'العمر لحظة'.. وصلت حصيلة انتاج يوسف الادبية الى اثنتين وعشرين مجموعة قصصية، وست عشرة رواية، واربع مسرحيات، وثماني مجموعات من المقالات في النقد والاجتماع، وكتاب في ادب الرحلات وغيرها.

كتب اسم السباعي على شاشة السينما 33 مرة ما بين كاتب للسيناريو أو صاحب القصة الأصيلة للفيلم، كما تم اختيار 4 من هذه الأفلام من بين أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية، وهي : (  رد قلبي ، الناصر صلاح الدين ، السقا مات ، بين الاطلال )

قدمت السينما  للسباعي 15 فيلما من اشهرها: 'رد قلبي' ، 'ارض النفاق' ، 'بين الاطلال' ، 'نادية' ، 'العمر لحظة' ، 'اذكريني' ، 'نحن لا نزرع الشوك' ، و 'السقا مات'... بدأت بفيلم 'آثار على الرمال' المأخوذ عن روايته 'فديتك يا نادية' ، ليبرهن فيه على قدرة الادباء المصريين والعرب  على كتابة نصوص أدبية تصلح للسينما ، بعد ان كانت السينما تعتمد على الروايات الاجنبية المترجمة.

 

رد قلبي

ويتوالى صعود نجم السباعي في الكتابة للشاشة الذهبية بثاني اعماله " اني راحلة "  ، وينقل السباعي الجمهور الى حقبة ثورة يوليو بغلالة الرومانسية المعهودة في كتاباته عبر فيلم " رد قلبي "  وهو من اهم مائة فيلم مصري، عبر قصة على ابن الجنايني الذي كان يحب ابنة الباشا قبل الثورة، وبعدما يلتحق علي بالكلية الحربية ويتخرج، يدفع والده الى التقدم لخطبتها من الباشا فيكون الجزاء طرد الوالد من العمل بقصر الباشا ومن القرية.

و بعدها تغيرت الاحوال

بكل تاكيد لصالح الرومانسية رغم تحفظاتي على بعض الامور السياسية و الاقتصادية فهذه الحقبه لها ما لها و عليها ما عليها 

خاصة اني كباحثة ادرك ان التكافؤ هو احد شروط نجاح الزواج المبني على التفاهم و التأقلم بعيدا عن العقد و المشاكل 



 

بين الاطلال

يصبح يوسف السباعي فارس الرومانسية ثالث افلامه أهمية وهو 'بين الاطلال' ، الذي يحتل رقم «73» فى قائمة أفضل مائة فيلم مصري، وقدمه مع المخرج عز الدين ذو الفقار، والنجوم : فاتن حمامة وعماد حمدي وحسين رياض وصلاح ذو الفقار. حيث  تضحي البطلة بكل شيء بعد موت حبيبها وتربيتها لابنته وابتعادها عن ولدها لعشرين عاما بسبب هذا الحب الذي خلدته اعمال السباعي.

 

الناصر صلاح الدين

أما فيلم "  الناصر صلاح الدين الترتيب "  ال«11» فى قائمة أفضل مائة فيلم، من اخراج  يوسف شاهين عام 1963، كتب القصة والحوار يوسف السباعى وقام بمعالجتها سينمائيا كل من نجيب محفوظ وعز الدين ذو الفقار ومحمد عبد الجواد، فى حين كتب السيناريو عبد الرحمن الشرقاوى ويوسف شاهين ولعب بطولته أحمد مظهر ونادية لطفي وصلاح ذوالفقار وليلى فوزى، تبدأ أحداث الفيلم باصرار قائد الصليبين على مواصلة قتال العرب ليهزم فى موقعة حطين، لكن ريتشارد قلب الأسد يصل بجيشه ويواصل تقدمه ببطء، ويمنحه صلاح الدين الفرصة عدة مرات ويعرض عليه ترك الأراضى العربية وحق الحج الى أورشليم والأراضى المقدسة لكن حاشيته ترفض وتدور المعارك وتحدث الخيانة.

 

السقا مات

اما روايته 'السقا مات' وهي ضمن أهم مائة فيلم مصري، فهي واحدة من اهم الاعمال الروائية التي عبرت عن الواقع المصري في الخمسينات والستينات، واخرجه  صلاح ابوسيف 'ابو الواقعية' و انتاج يوسف وبطولة عزت العلايلي. ومن ورائع،  قصة فيلمه " السقا مات" المستقاه من الواقع الشعبي، لكنها تعكس قدرة السباعي على استقراء حكمة الحياة من حياة البسطاء والفقراء، والقدرة ايضا على تقديم رؤية للحياة والموت في لحظة واحدة بكل بساطة وتلقائية.

يتجلى في هذا الفيلم قدرات السباعي على الغوص في اعماق النفس البشرية واستخراج بواطنها وشهواتها ورغائبها، وذلك من الشخصيتين الرئيستين: السقاء- بائع الحياة ، والذي يعيش الموت منذ رحيل زوجته الصبية بصبر على الابتلاء، وشحاده  أفندي مرافق الموتى، الذي يكسب المال من اظهار الحزن والبكاء في الجنازات، وهو أيضا يعيش الحياة بكل ملذاتها ويعايش الموت يوميا كمهنة له.

 وتربط الصداقة بين السقا ومرافق الموتى رغم التناقض بينهما على مستوى بناء الشخصية والرؤية للحياة او الموت، ولكن هذه الصداقة لم تكن عشوائية في البناء الدرامي، بل هي حلقة الوصل والالتقاء بين المتناقضين، فشحاته رفيق الموتى هو الذي يعلم السقاء معنى الحياة وضرورة الاستمتاع بكل لحظة.، ومع ان شحادة سبق صديقه الى  الموتً، أما موت السقاء تمثل الفرصة لابنه من أن يتحول الى سقاءً. ولكن أيضا موت شحادة يمثل ثاني موت يجابهه السقاء  بعد وفاة زوجته– مما يدفع  السقاء الى ان  يتحدى الموت بارتداء ثياب المطيباتي والسير في الجنازات مكانه!

 

اعمال خالدة

وبمعزل عن اهم اربعة افلام للسباعي ضمن قائمة اهم مائة فيلم مصري، فان السباعي قدم العديد من الافلام الخالدة  التي تكشف عن عورات النفس الانسانية حين تعشق ووتخلص وتضحي بنفسها من أجل الاخرين، أو الاخرى التي تحاول التسلق والترقي والتكسب على حساب الاخرين.

 

نحن لا نزرع الشوك

ففيلم  'نحن لا نزرع الشوك'  ليقدم من خلاله السباعي مرثية الحب والفقر ويبرز هذا العطاء والتضحية بالنفس، ويبدع المخرج حسين كمال في تقديمها موظفا قدرات النجمة شادية في التعبير وتجسيد هذا المعاني عبر ادائها الرائع. وتعد نحن لا نزرع الشوك (الجزء الأول) من أعمال السباعي المميزة والأكثر شهرة والتي قد تحولت إلى عمل سينيمائي ومسلسل تلفزيوني، والتي يتناول فيها السباعي قصة فتاة تسمى سيدة توفي والدها وهي في صغرها فأخذها صاحب والدها لتعيش معه ومع زوجته التي تعاملها بقسوة شديدة وتجعلها تقوم بمهام صعبة وشاقة على طفلة في عمرها.

وفي الجزء الثاني يستأنف السباعي ليبرز قصة الفتاة "سيدة"  التي مرت بأوقات صعبة وأليمة بعدما توفي والدها، حيث يوضح قصة هروبها من منزل صديق والدها والذهاب للعمل في بيت حبيبها حمدي الذي لاقت في بيته أوقات من السرور وكثير من الشقاء لتستمر معاناة هذه الفتاة التى اضطرتها للهروب من جديد.

وكما مجد السباعي ثورة يوليو فيلمه " رد قلبي " ، فانه قد مجد ايضا الثورة الجزائرية عبر فيلم 'جميلة الجزائرية' الذي كتب قصته السباعي وحولها يوسف شاهين الى السينما مع النجمة ماجدة الصباحى ، التي عاود معها اللقاء لتمجيد انتصار الشعوب عبر فيلمه " العمر لحظة "  .

السباعي الذي استشهد  في قبرص  خلال حضوره مؤتمر التضامن الافرو آسيوي ، عام 1978 عاش ليدافع عن القضايا الوطنية العربية، خاصة القضية الفلسطينية وجسدت اعماله الادبية والسينمائية هذا المنطلق في فكره الذي غلفه بروح الرومانسية.

 

السباعي ساخرا

ولعلي اختتم رؤيتي لفكر يوسف السباعي، في تعريته للواقع باسلوب ساخر في  'ارض النفاق'، الذي قدمته السينما مرتين في فيلمين مصريين هما 'ارض النفاق' و 'اخلاق للبيع'. واسندت البطولة في احد هذين الفيلم الى نجمنا الرائع فؤاد المهندس. وتناول مشكلة النفاق وتصوير الفساد الأخلاقي من كذب وخداع ورياء وذلك من خلال روايته لقصة رجل يشتري بعض الشجاعة والمروءة من متجرٍ للأخلاق.

أظن انه قد سبق عصره عن تناول هذه القضايا لاننا بالفعل في عالمنا اليوم في ارض النفاق التي يموت فيها ضحايا كوفيد بأيدي صانعيها وهم انفسهم اللقاح بانسانية مفرطة،، بعد اخذ صانعوها حبوب موت الضمير.

 


إرسال تعليق

0 تعليقات