البعد الآخر في ديوان (اغنيات على جسر الكوفة) للشاعر عدنان الصائغ

مشاهدات




قراءة ومتابعة /رزاق مسلم الدجيلي 



كم ٌمن الحكايات تستفزنا من جديد، شرائط الذكريات تُرجع تاريخ الشوق المفعم بالحب الى حيز الواقع المعاش، حكايا لاتنتهي وكأنها الف ليلة وليلة او هي الملكة عشتار تنهض من خباياها لتعيد اسطورة الجمال والصلوات عند هياكل المعبد، شواهدٌ كثيرة من هنا وهناك تقف امام حدقات العيون بعد كل مامضى من السنين بل كل مامضى من حدائق الكلمات التي اطَّرها ورشَّها بعبير القرنفل شاعرنا الجميل ابن الكوفة الذي تعرفه بيوتها وازقتها وجسرها الاستاذ عدنان الصائغ ففي ديوانه (اغنيات على جسر الكوفة) مرَّ اكثر من ثلاثة عقود خلت لكنها هي رمشة عين او دقة قلب رصّعتها ذكريات شهريار وشهرزاد قناديل عشق في ليالينا الحالكة بعد كل هذا الوقت، وربَّ سائل يسأل لماذا يعود بنا الزمن إلى هذه الاغنيات التي صاحبها الصائغ وعشقها حد الجنون، لماذا كل هذا التاريخ والسنوات، الإجابة بسيطة من حقنا  وحق عدنان الصائغ علينا ان نحتتفي به دائما في كل يوم، فهو بلا شك الطائر الغريد والجوهرة الثمينة والعاشق المتمرد الذي اتحفنا بقواميسه وكلماته واغانيه التي واكبت ومازالت زمن عشناه ونعيش فيه على الرغم من مرارة الالم والمعاناة والخوف، سبحان الله هكذاهو الادب لانه نصير الفقراء والمحرومين والمهمَّشين، الادب والشعر خصوصا هو ثورة قائمة لاتنتهي، فهو كلمة حق امام سلطان جائر، فعندما تقف كل الاساليب الممكنة ينهض الشعر ليقول كلمته، فتستريح الجماهير  ويرتاح الزمن ضد التسلط والجبروت، ديوان الصائغ جديد بطباعته ومحتواه والتي رسم صورة غلافه الفنان محمد لقمان الخواجة، وهو يذكرُّنا بأيام الكوفة الخوالي وجسرها العتيد وبساتينها اليانعة، وطبع الديوان للمرة الثالثة  الاولى عام ١٩٨٦م والثانية ٢٠١١م ومرة اخرى هذا العام٢٠٢١ من منشورات نادي الادب الحديث ومن قصائد هذا الديوان، كلمات، اغنيات لها، افكار بصوت واطيء، خمسون قذيفة هل تكفي، الغريب، حقائب الغد، موعد، صباحات الحب، غربة، شكوى، عصفور، من ابصر سيدتي ميم، وغيرها من القصائد التي رحل معنا بها الى عالم الصفاء والنقاء، ففي قصيدة (زهرة عباد الشمس) يعاتب حبيبته بعتاب الامل والود وكعادته

يسأل زهرة عباد الشمس التي اصبحت صديقته الدائمة ليقول

معتادٌ، حين أعودُ وحيداً، ثملاً

في منتصف الليل ِ

أن أُشعلِ مصباح َ ممرِّ البيت

وأدْلِفُ..

وكعادتها،

تستيقظ ُ زهرةُ عبَّاد الشمس

تَتَمطَّى

في كسلٍ

فوق بساطِ العُشْبِ المعتم

تلوي العنقَ بعكسِ الريح

تَتَلَفّتُ، ظامئةً،

حائرةً

مندهشةْ..

تبحثُ عن ضوءِ الشمس

حتى تيأسَ

أو تنعس

تتذكّرُ أنَّ الساعةَ منتصف الليلِ

فتغمضُ جفنيها...

وتنامْ...!

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،، 

عدنان الصائغ شاركنا كل افراحه واتراحه بتخطيطاته التي رسمها

(تخطيطات اليفة.. عن الاصدقاء) منهم من رحل عن الدنيا ومنهم على قيد الحياة، كان يحب اصدقائه  ويبادلونه نفس المشاعر لانهم عاشوا معا في خندق واحد وذكريات طويلة عن الحرب التي اخذت منا شبابنا وطموحنا وايامنا، ففي قصيدة الشهيد محمد عبد الزهرة ياسين يقول(١)

في آخرةِ الليلِ

طَرقاتٌ ناحلةٌ

في البابِ

مَنْ..!؟

محمد عبد الزهرة..!

يدلفُ للبيتِ.. كعادتهِ

ضحكتهُ المعهودةُ، والخطو الملكيُّ..

اليومَ قرأت قصيدتَكَ الحلوةَ

عن وطنِ الوردةُ

والنورسِ...

والشهداءِ

و(ليل الدمعةْ)

فأتيتُ..

لكي أشعِلَ، قرب َسريركَ

شمعة!

وعن (الفنان محمد لقمان)(٢) يقول

ماذاتقرأُّ.. في الموضعِ!؟

ماذا ترْسُمْ..؟

قلْ لي.. وبماذا تَحلُم!!؟

الارضُ امامَكَ لوحةْ

واللونُ هو الدمْ!

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،

ومن قصيدة ( موعد) الطويلةْ

نقرأ

رُبَّما من يسارِ الطريقْ

رُبمَّا أقبلتْ من يمين ِ الطريقْ

رُبَّما عَبرَتْ، دون أن ألحَظَ الآن، بابَ الحديقة ْ

وأبقى على جمرةِ الدربِ، منتظراً

ساعةً...

ثم أخرى.. وأخرى..

ولاشيء غير انتظاري..

وشكّي، وناري

وصمتِ الطريق ْ

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،

ومن قصيدة (أُمي)

نقرأ

لأمي- إذا ا انسدلَ الليلُ- حُزنٌ شفيفٌ، كحُزنِ الحدائقِ.. وهي تُلملمُ

في آخرِ الليلِ، أوراقَها الذابلةْ

لأمّي؛ سجَّادةٌ للصلاةِ،

وخوفٌ قديمٌ من الدركيِّ،

تُخبِّئُنا-كلّما مرَّ في الحيِّ-تحت عباءتِها

وتخافُ علينا عيونَ النساءِ،

وغولَ المساءِ،

وغدرَ الزمانْ

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،

وفي قصيدة (عصفُور)

يقول

حطَّ العُصْفُورُ

على شُبّاكي المفتوحِ

وراحَ يُغنِّي...

حينَ رآني، مازلتُ أغطُّ بنومي

صفَّقَ جنحيهِ...

... وشتّمني...

ومضى نحوَ الغابةْ

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،

عدنان الصائغ مبدع حتى في الشعر العمودي  ويتقن جيدا انتقالاته بين الشعر الحر والتفعيلة والنثر، وعندما كنا نسير في شوارع الكوفة التي أحببناها معاً يذكرني ومازال بقصائده العمودية  ومنها قصيدة(الريح) فيقول،


للحزن نافذةٌ في القلبِ سيّدتي

وللمساءت.. اشعارٌ ومصباحُ

معتقٌ خمرُ احزاني..أيشربه

قلبي،وفي كلِّ جرحٍ منه اقداحُ

تُسافرُ الريح-وَيلي- في ضَفائرها

ومن يطاردُ ريحاً كيف يرتاحُ!؟

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،، 

وفي قصيدة (عن الامنيات)، تشتبك الرؤى والاشياء الصغيرة في منتهى

الدقة والتي تفتش بين خبايا واوتار القلب النازف دماً من اجل معشوقته، وهو يتحسس وهج المكان والزمان  بكل مفرداتها ومدلولاتها الحسية والمعنوية

ليقول فيها

بين أمنيةٍ؛

تتوهّجُ— بين الحقائبِ والقلبِ—

.... كلَّ صباحْ

أو شمعةٍ،

 تَنطفَِي قرب نافذتي

بين عُمرٍ يذوبُ...

وحُلْمٍ، يُسافِرُ نحوَ البلادِ القصيّةِ

نحوَ السماواتِ....

يُومِضُ بين الحَشَا

نجمةً مستحيلةْ

أغادرُ...

نحو الشوارعِ..

أُحصِي الأماني البخيلةْ

تمرُّ فتاةٌ (... بعُمرِ البنفسجِ)

ميّاسةَ الخطوِِ...

(لاتلتفتْ للمشرَّدِ مثلي...)

هكذا هو ديوان الصائغ الجميل النورس المهاجر،

وستكون هذه الدراسة الاولى وفي المرة القادمة سنقرأ قصائده المشرعة بالتورد، والامل، والتجدد دائما وابداً


إرسال تعليق

0 تعليقات