فائزة محمد علي فدعم
انتشر في المحلات التي تبيع الحلويات مظروف يباع للأطفال في داخله علكة وصور فناني الجيل الماضي خلفهم شموع والعاب نارية ملونة كان من ضمنهم فريد الاطرش وسامية جمال وشكوكو وفيروز الصغيرة (اخت نيللي ) وهي اصغر فنانة مصرية موهوبة تظهر مرتدية فستانا قصيرا جدا معها بالونات ملونة وعدد من الممثلين الاخرين منهم فاتن حمامة وعبد الغني السيد واسماعيل يس وشادية ... الخ .
كان الاطفال يتلهفون لشراء هذه البطاقات بأعداد كبيرة واحيانا نقوم باستبدال الصور المتشابهة مع بعضنا حتى لا تتكرر . صاحبَ ظُهور هذه الهواية انتشار العجلات التي تدفع بعَصا . فهم يشترون (جرخ . عجلة ) من مصلح الدراجات الهوائية ( البايسكلات ) ويركضون بها في الشوارع والطرقات الفرعية امام بنات المحلة حتى يظهروا شجاعتهم وسرعتهم وعندها اعجبت بهذه اللعبة من دون الفتيات فأصريت على شراء (الجرخ ) حتى امتلك واحدة منها . صادف خروجي في اليوم التالي انا ووالدتي لشرائها فالتقينا بفتاة مُؤدبة وبعد ان القت علينا التحية .
سألتُ أمي من الفتاة ؟
أجابتي : انها الست آمنه الحكيم وهي في طريقها الى مركز الشرطة لتسجل حضورها اليومي وتُهمتها انها تحب موسكو . لم افهم شيئا حينها وبعدها اكملنا مسيرتنا لشراء ما اريد وبعد احداث مر بها العراق تغير الجو العام واصبح بإمكان النساء في بعقوبة التجول والتزاور وفي احدى جولاتنا لفت انتباهنا ونحن بالقرب من شارع قنطرة خليل باشا المؤدي الى طريق السادة وام النوى بيت في اعلاه لافتة مكتوب عليها ( رابطة المرأة العراقية فرع بعقوبة ) فعرجنا اليه وبعد ان عرفنا من عضوات الرابطة ما يقدمن من خدمات مجانية للنساء وشاهدنا مثابرتهن على تعلم الخياطة وفن التطريز وبلا شعور تقدمت والدتي وسجلت اسمها في قسم الخياطة كالأخريات وكانت المسؤولات عن قيادة الرابطة يتجولن في البيوتات لدعوة الشابات وخاصة من ابناء العوائل الفقيرة وتعليمهن فن الخياطة والتطريز . كان بالنسبة لنا شيئا جديدا وكان المقر يحتوي على ستة ماكنات خياطة فقط . تم تأجيره بمبلغ ستة دنانير يتم جمعها من العضوات بدل الاشتراك وكان من ضمن النساء في ذلك الوقت الصيدلانية (خالدة البصام ) والصيدلية التي تديرها تقع على شارع خريسان . ومن العضوات آنذاك كل من السيدات حليمة علوان التي جاءت نقل من بغداد الى بعقوبة وسهام الدجيلي وآمنة الحكيم وبتول الحكيم . وخيّاطة المقر الست خيرية ووالدة السيد عبد الرزاق عارف التي كانت ترتدي العباءة والفوطة والست لطفية الدليمي زوجة المخرج السينمائي السيد كامل العزاوي وهي معلمة من اهالي بهرز . والسيدات حليمة وخالدة البصام الذين تركوا بعقوبة في نهاية عام 1959 والسيدات فوزية طه ونورية منصور التي كانت اصغر الاعضاء وعمرها 15 عاما . علمنا من المشرفات على الرابطة ان عملهن كان سريا وبعد ثورة 58 اصبح علنيا وهي مجازة من قبل الحكومة للدفاع عن حقوق المرأة ولكن الظروف السياسية ساعدت على ظهور مجموعات مُعادية للرابطة بأسماء وعناوين مختلفة . ثم بدأت حالات التعرض اليهنَّ ومضايقتهنّ وسبهنّ وتوجيه الكلمات الغير لائقة ومهاجمة المقر من قبل مجموعات اخرى عبثت في محتوياته ورموها في الشارع واحرقوا الهويات والاوراق امام المقر .
وقد نقلت الينا اخبار الهجوم في اليوم التالي . مررنا لرؤيته رغبة منا في حب الاستطلاع فشاهدت بعض الهويات والتقطتها من الارض فقد كانت سليمة لم يُصبها ضرر من اثر الحريق واحتفظت بها في البيت ووضعتها مع صور العلكة للمُمثلين والممثلات وبقيت مُحتفظة بها لسنوات . انتقلت على إثر هذه الحادثة قيادات الرابطة الى بغداد ومدن اخرى خوفا من التهديد والوعيد ولم يبقى في المقر الا الماكنات الستة وقامت احدى العضوات بتسليمها الى السيد مهدي ابو صالح مدير التحرير في المحافظة لأنها كانت عهدة .
اما الصيدلانية خالدة البصام فقد سافرت الى روسيا وتزوجت . واطلقت على اول طفل لها اسم (آيار) تيمنا بيوم عيد العمال فاسدل الستار على هذه الرابطة بعد رحيلهم وبقيت ذكراهم تملأ الافاق .
0 تعليقات