عبد الجبار الجبوري
يبدو أن سيناريو الإنسحاب الأمريكي من العراق عام 2011، سيتكرر في أفغانستان،هل هو لعبة أم تكتيك أم هزيمة،أم إستراتيجية تتبعها أمريكا في نشر الفوضى الخلاقة في المنطقة،كما فعلت في غزو العراق والهروب منه،اليوم تشهد أفغانستان إنهياراً عسكرياً واسعاً،أمام تقدم حركة طالبان وسيطرتها على عواصم مدنها بظرف ساعات وتسليم الجيش الأفغاني سلاحه ،الثقيل والخفيف لعناصر طالبان،بعد إنسحاب منظم للقوات الامريكية من كابل،وتركها حكومة كابل تواجه مصيرها تحت رحمة من لارحمة لهم،وهذا يذكرّنا،بما فعله الرئيس أوباما أثناء إنسحابه من العراق،نهاية عام 2011،وتسليم العراق كله للفوضى، والسلاح المنفلت وإستيلاء تنظيم داعش ،على المدن الغربية،ومازال العراق،يخوض في فوضى الفساد والإرهاب والاحتراب الداخلي والصراع على النفوذ ،بين الأحزاب الفاسدة الإسلاموية، والصراع الامريكي – الايراني ، هذا هو العراق الآن ،ممزّقاً وضعيفاً ومنهّكاً وبلا سيادة،الرئيس جو بايدن يكرر نفس السيناريو في افغانستان ،ويتركها لقدرها مع تنظيم وحشي،ولكن ماهي أسباب هذا الإنسحاب ،وماهي نتائجه على أمريكا، ومصالحها الإستراتيجية في الشرق الاوسط، ،وهل تتخّلى أمريكا عنها،بعد إنسحاب قواتها من العراق وأفغانستان وقطروالبحرين والكويت،يقيناً الادارة الامريكية،تتبع نهجاً سياسياً وعسكرياً جديداً في المنطقة والعالم، خاصة بعد،تصاعد خلافاتها مع الصين وروسيا،وايران،فخلافها مع الصين وصل حدّ التصادم والحرب الاقتصادي والعسكري،وروسيا وقوفها مع ايران ودفاعها عنها، وتواجدها في الاراضي السورية كمحتل لاراضي سوريا،وانشاؤها قواعد عسكرية وجوية تهدد المصالح الامريكية ،أما ايران فهي عقدة الادارة الامريكية ألآن في المنطقة،لآنها تهدد اسرائيل (بالمحو من الوجود)، كما يزّعّم ويهدّد (ملاليلها )،وقادة حرسها الثوري كلّ يوم،وقد عالج الرئيس أوباما ،وحاول تروّيّض قادة ايران، ومنعهم من الحصول على السلاح النووي العسكري،ووقّع معهم إتفاقية نووية،لم تحقق أهداف الإدارة الأمريكية، وفشل الإتفاق النووي الايراني ،وإستمرّت إيران ،في الوصول الى تحقيق حلمها النووي ،وهو في نهاياته الوشيكة،رغم أنف أمريكا،وفي عهد الرئيس ترامب ألغى الإتفاقية النووية برمتها،لعدم فاعليتها أولاً،وخرق النظام الايراني لبنودها ثانياً،بعد ظهور الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرّة، التي أقلقت الادارة الامريكية الجديدة برئاسة بايدن ،وأحرجتها أمام حلفائها،فدعا بايدن والاتحاد الاوروبي الى مؤتمر فيينا لحفظ ماء الوجه ، ووضع إيران وجها لوجه أمام العالم، فأظهرت طهران تعنتاً ورفضاً قاطعاً، مناقشة شروط امريكا واوروبا المهينة لها،بخصوص (الميليشيات الولائية والصواريخ الباليستية) ،والآن مؤتمر فيينا بشأن الإتفاق النووي مات سريرياً،بعد أن فشلت أمريكا وأوربا في ترويض ايران ،ومنعها من الحصول على السلاح النووي العسكري،بعد طردها المنظمة الدولية للطاقة النووية ومنعها ،من تفتيش مفاعلاتها النووية وسلاحها البالستي،بالرغم من قيام إسرائيل وأمريكا بشنّ حرب سيبرانية مؤثرة ،على منشآت إيران النووية ومصانعها الباليستية ،ومراكز حساسة جدا للحرس الثورة، وإغتيالها أبو القنبلة النووية فخري زادة،وسرقة ملفها النووي، وقصف منشآتها ومعسكراتها وقواعدها في سوريا والعراق،اليوم هناك سيناريو أمريكي لم تظهر ملامحه للآن ، بعد كل إنسحاباتها العسكرية من المنطقة، كما أسلفنا، فماهو هذا السيناريو،نعتقد ومن خلال إستقرائنا للإستراتيجية الامريكية،التي باتت مفضوحة ومكشوفة، وفاشلة ،خاصة غزوها للعراق، واليوم بأفغانستان، لابد وأن توجد الإدارة الأمريكية ،البديل عن فشلها في الشرق الاوسط،،لتحمي مصالحها الإستراتيجية أولاً، وتعيد هيبتها ،التي ديست في وحل إحتلالها للعراق،وفشلها في نشرالديمقراطية المزعومة فيه،لذلك وضعت خطتها وإستراتيجيتها الجديدة،بإلإعتماد على مفهوم الإنسحاب المنظّم والتموضع،وتجميع القوة في مكان واحد، للحفاظ على جيوشها وسمعتها، والإعتماد على قوتها السيبرانية،ودفع إسرائيل للقتال عنها بالانابة في المنطقة، بعد تشكيل تحالف أمريكي – عربي – أوروبي، يحفظ مصالح هذا التحالف ، ضد عدوّين أساسيين هما تنظيم داعش ،وميليشيات إيران الولائية، المدعومة من إيران تمويلاً وتسليحاً وعقيدةً،وقد ظهر هذا التحالف الجديد ،بعد تدمّير السفينة الإسرائيلية (ميرسرستريت) ،من قبل المسيّرات الايرانية،وهذا التحالف يظهر لأول مرة بعد غزو العراق،وقد هددّت بريطانيا وأمريكا واسرائيل بالردّ القاسي ،على تدمير السفينة وخطف سبع سفن أخرى في خليج عمان،إذن العالم ينتظر حرباً مفتوحة ،في منطقة الخليج العربي، بعد التهديد المستمر للملاحة البحرية ،في باب المندب ومضيق هرمز وخليج عمان،من قبل إيران وأذرعها في المنطقة،وليس بالضرورة أبداً كما نقول كل مرة،أن تكون الحرب مواجهة عسكرية بين الطرفين، ونعتقد أن هذا الأسلوب قد ولّى تماماً، بعد ظهور السلاح التكنولوجي السيبراني (والطائرات المسيرة وطائرات الذباب الاسرائيلي )،الذي يعوّض عن الحرب العسكرية،زائداً القصف الجوي بالطائرات المسيرة، وهي –حرب حتميّة –بل قائمة،ولكنها خفية، ونعتقد أيضا أنها ستكون علنّية محدودة، أزاء مايجري على الارض من تطورات خطيرة جدا، أقلهّا الإنسحاب الامريكي من العراق،وقطر،وافغانستان،أمريكا لن تترك العراق بثقله الإستراتيجي، موقعاً جيوسياسيا ًومورداً نفطياً كما يتوهم البعض،كما لن تترك افغانستان وقطر كل لاهميته القصوى أمريكيا،إذن الإنسحاب الأمريكي،تكتيكياً بنظري، وليس هروباً،فهي في أفغانستان منذ عشرين سنة ولم تهرب،لماذا تنسحب الآن، وهي مَن غزا العراق وإحتله، وبنى في قلب بغداد أكبر سفارة في العالم ،وجاء بعملائه وسلمّهم السلطة،وهو من صنع كل شيء في العراق، فهو من صنع داعش،ليبقى، وهو من صنع ميليشيات إيران ،ووافق على إنشاء الحشود كلها، وهو من استخدم فصائلها في محاربة داعش،بعد دعمها جوياً،في المعارك مع داعش،إذن داعش لعبة وصناعة امريكية في العراق، وافغانستان، وهي ايضا لعبة ايرانية ،(مسيطرة على عوائل قادة داعش وفصائلها في ايران)، لإبقاء الفوضى في المنطقة كلٌّ من زاويته، وحينما بلغت المصالح متقاطعة وتهددت بين الطرفين ،حصل الاشتباك والصراع في العراق وافغانستان،وهو ما نراه الان بابشع صوره،عودة طالبان لتأديب ايران في افغانستان،واخضاع ايران لتوقيع الاتفاقية مرغمة، بعد تنفيذ شروط الادارة الامريكية والاوربية ،في مجال التخلّي عن الميليشيات الولائية ،(بعد وضعها على لائحة الارهاب- حزب الله والعصائب وحزب الله العراقي والنجباء)،والتوقف عن صنع الاسلحة والصواريخ الباليستية،وهما الشرطان المعرقلان للعودة للاتفاق النووي الايراني، في مؤتمر فيينا، هذا هو (فلم أمريكا) ،من إنسحابها من افغانستان والعراق،وبذلك تحقق أهم أهدافها الستراتيجية في المنطقة ، تركيع إيران لشروطها التعجيزية ،وفرض هيمنتها على المنطقة بدون منافس ايراني،أما إيران فماضية بعنادها وإصرارها الى النهاية ،في الوقوف بوجه أمريكا وأوروبا والخليج العربي ،معتمدة على فصائلها وميليشياتها وأذرعها المسلحة في المنطقة، وكما تروّن الأوضاع تزداد سوءاً في اليمن والعراق ولبنان وسوريا،بفعل الدعم الإيراني ،والتدخل الإيراني،إذن أصبح الأمر واضحاً،جداً هناك تحالف أمريكي عربي أوروبي أسرائيلي جديد،بعد حادثة (ميرسرستريت)،للردّ الأكيد على إيران، وهناك تحالف آخر جديد إسمه(التحالف الإستراتيجي المشترك)، بين إمريكا وإسرائيل،لضرب المفاعلات الإيرانية،إذا فشل مؤتمر فيينا،وهو أيضا نوع من التهدّيد ،يحقق هدفين بوقت واحد،الهدف الاول، هو للضغط على طهران، في موافقتها على الشروط ،والتوقيع على الاتفاق النووي، والهدف الثاني لتدمير مفاعلات إيران في حال فشل المؤتمر،هذا هو هدف الانساب الأمريكي من بغداد الى كابل ،وهذه تداعياته....
0 تعليقات