الناقد عبدالباري المالكي
إنَ مراحل حياة شاعرنا هي وثيقة تاريخية كبرى يمكن أن نفهم من خلالها القدرة الفنّية والفكرية لديه ويمكن لنا أن نلمّ بسائر مواقفه في مختلف القضايا التي طرحت على مستوى التأريخ فهو موكل بفضاء العلم يذرعه فلا يدع مسألة خلافية لغوية إلا أحصاها ووقف عندها مُرجعاً الحقّ إلى أهله ,أو نافضاً غبار الإيهام والابهام عنه كاشفاً حقائق الأمور , وهذا لا يتأتّى إلا لمَن أوتي من العلم حظَّـاً عظيماً , وأوتي قسطاً وافراً من الصبر والمصاولة والمطاولة , فهو بعد أن اطمأن لإعادة الحقّ إلى نصابه في معجم العين للخليل , عاد ليناقش قضية نسبة معجم الميم لأبي عمرو الشيباني .
إنَ حياته مفعمة بالتجارب والطموح , وزاخرة بألوان شتى من الأحاسيس , فما بين الحبّ والغزل إذ تفتحت له الحياة بمشاربها بكلّ شغف وشوق وحماسة لاسيما في فترة الشباب وطاقته وعنفوانه , إلى فترة النضال والكفاح كونه من أســـــــرة أَلِفَتْهما في كلّ فترات وجودها على مختلف الأصعدة , إلى فترة الحرمان النفســي الذي استولى عليه سواء مع الحبيبة التي تمثل المرأة عنده أو تلك التي تمثل الحياة بأسرها له, فهو يؤمن أن الأزهار وإنْ حدّق بها الشوك فإنها تبرعم , وإن الينابيع وأنْ ثقلت عليها الحجارة فإنَّ مناهلها تبقى ثرّة , وإنّ عليه أنْ يعيش رغمـــاً عنه جميع فصول الحياة , فمن فصل الربيع حيث تزهر فيه الورود , إلى فصـــــــــل الصيف الذي تسطع فيه الشمس وتحرق , إلى فصل الشتاء الذي يكســــو الأرض بجليده ويغمرها بأمطاره , إلى فصل الخريف الذي يعيش فيه تساقط أحلامه الواحد تلو الآخر مثلما تتساقط الأوراق الصفراء من أغصانها يوم ريح , ولأنَّه جزء من كلّ هذا فإنَ الحرمان والعذاب النفسي لابدّ أن يتغذى عليه ويستولي.
نحن في هذه السطور لا نحاول أن نوجه الأنظار لشاعرنا آل ياسين , إذ لا حاجة له بذلك , فهو يعيش في خلية من الأضواء الساطعة على جميع جوانبه ما جعله في أعماق الجماهير التي أحبّته وأحبّها على اختلاف المستويات والأذواق رغم محاولات الأنظمة السابقة على طمس آثار قصائده كونه من عائلة دينية متفقهة لها جذورها وأصولها تاريخياً وعلمياً على مستوى النظرية والتطبيق , فقد حباه الله اضافة إلى شاعريته الفياضة بمواهب عديدة هي البحث والكتابة , وحباه الله المكوث والمطاولة على الدرس , فقدم جهوداً باهرة في علم تحقيق المخطوطات .
هو باحث منقطع لدنيا البحث والكتابة وهو في تعلم مستمر وبحث دائب , ففي بحثه الرصين في المدارس النحوية يدرس الأستاذ نظرية المدارس النحوية واقفاً عند آراء الباحثين , وفي بحثه عن الأخفش وعروض الخليل فإنه يناقش مناقشة علمية هادئة قضية المسلّمات العلمية لينسفها نسفاً علمياً كما نسف نظرية الأضداد في اللغة العربية .
0 تعليقات