المقاومة الإسلامية في العراق بين الفكرة والتطبيق؟

مشاهدات




بقلم: الكاتب والباحث السياسي

الدكتور: أنمار نزار الدروبي


أعلم جيدا أني أسير على طريق مليء بالأشواك، لكن مجرد قراءة تحليلية لما جرى وسيجري بعد هذا الاستعراض. بدون شك أصبحت قضية الحشد الشعبي في العراق وتحديدا فصائل المقاومة الإسلامية قوة لا يُستهان بها، وهذا ما أثار حفيظة الكثيرين وخاصة السُنة، وكذلك الفريق الشيعي الآخر، وأعني الفريق الشيعي العلماني الذي يُريد أن يدير السياسية دون الرجوع إلى الثوابت الشيعية، بمعنى اختزال قضية المراجع الدينية. في الوقت نفسهم فإن فصائل المقاومة الإسلامية ما كادت أن تخفي هذه القوة أو تواريها، بل أنها تهدد صراحة الدولة العراقية بكل مفاصلها، لكي تثبت بأنها الرقم الصعب والقوة الأولى ضمن حسابات التوازن السياسي والعسكري. في السياق ذاته، أن قادة المقاومة الإسلامية يتعاملون مع جهات إقليمية دون الرجوع إلى المؤسسة العسكرية، والأخطر دون الرجوع إلى مراجعهم الدينية في العراق، وربما في القادم سيكون التعامل مع الجهات العالمية. في الحالة العراقية نلحظ الكثير من العراقيين يتركون عواطفهم هي التي تحكم على الأمور، وتقيم الحدث، لأنهم لا يقرءون ما بين السطور. يعتقد الإسلاميون (السُنة والشيعة) أن المقاومة والقتال والتضحية من أجل قضية ما ميزة تفردوا بها. وهذا غير صحيح، لأن هذه الميزة ليست حكرا على الإسلاميون، لأن حتى الأصوليون اليهود هم على استعداد للموت حتى لا تعاد فلسطين للفلسطينيين.

الفكرة:

في تحليلنا للمقاومة الإسلامية في العراق، نلاحظ أنها قد تكون ليست ظاهرة مؤقتة، ستزول بزوال أسبابها، وأهمها ضعف مؤسسات الدولة وعدم قدرة الحاكم على كبح جماح هذه الفصائل، وإنما ستظل معنا كونها تعبر عن تيار أيديولوجيّ يسمى (ولاية الفقيه). إذن هو بُعداً أيديولوجيًّا ترتكز عليه هذه الفصائل، وذلك باعتبار أن الولاء للفقيه مسألة ساكنة في خيال الإسلاميّين الشيعة، ولا يمكنها أن تتغير، بالرغم من أن هناك كثيراً من التنظيمات والحركات والأحزاب الإسلاميّة الشيعية التي تخلت فكريًّا وعمليًّا عن فكرة ولاية الفقيه بمعنّيها التاريخيّ والدينيّ. وبما أن فصائل المقاومة الإسلامية في العراق تطرح نفسها جزء من الدولة، إذن ما نزال في (الفكرة). هناك مدرستان تعبر عن الخلفات الفقهية التاريخية في الفقه الشيعي حول الموقف من الدولة، الأولى تعارض الدخول في المعترك السياسي، أي ترفض التمرد والثورة ناهيك عن إقامة دولة، هذه المدرسة تسمى (الاخبارين)، والثانية كانت ترى ضرورة الاشتراك في المعترك السياسي وتسمى بمدرسة (الأصوليين)، لقد رفض الخميني بتعطيل الولاية السياسية إلى حين عودة الغائب معتمدا على فكرة ولاية الفقيه، وجعلها محور قضيته في إقامة الدولة. حيث استطاع الخميني بالجمع بين نظرية النيابة العامة للفقهاء عن المهدي الغائب ونظرية ولاية الفقيه، وبحث الخميني في محورين أساسين متلازمين بخصوص الدولة وهم (الأولى: تشكيل حكومة إسلامية، والثانية: مسؤولية الحكومة تقع على عاتق الفقهاء). إذن فصائل المقاومة الإسلامية في العراق، هي جماعة أصولية نظرا لأنها تتبع المدرسة الثانية وهي (ولاية الفقيه).

وتأسيسا لما تقدم، فإن الإمامة الأساس لدى فصائل المقاومة، فهي جوهرة العقيدة وأساس المذهب وتمثل أصل من أصول الدين، ولا يتم الإيمان إلا بالاعتقاد بها. وذلك لأن الإمامة في الفقه الشيعي بمثابة استمرار النبوة، وسياسيا يرى الشيعة أن الإمام هو قائد الأمة، الذي ينظم الحياة المسلمين وفق أحكام الله، وبما أن الإمامة هي الامتداد الشرعي للنبوة فإنها تبقى خارج دائرة الشؤون التي يبت فيها الناس. بقليل من التأمل في الرؤية الشيعية يظهر أن هذه الفصائل، تعتمد الإمامة في تكوينها وشروطها ووظائفها بحسب الأدبيات الشيعية والتي تمثل مشروع الدولة الدينية بأغراضها التنظيمية. وبحسب الفيلسوف والمفكر الشيعي (محسن كديفر) يذكر في كتابه (نظريات الحكم في الفقه الشيعي ص19) أن التشيع في تكوينه ظاهرة احتجاجية على الدولة البشرية، وفي مقصده النهائي تأسيس الدولة الدينية الإلهية على الأرض، والتي لم تكن قابلة للتحقق حسب الاعتقاد الشيعي التقليدي إلا بظهور الإمام المهدي الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا، وهذا المقصد يمثل صبغة ومبرر وجود واستمرار التشيع والذي سيلقي بظلاله الكثيفة على الذاكرة الشيعية. من هنا فإن المقاومة الإسلامية في العراق، ماهي إلا ظاهرة احتجاجية على الدولة العراقية تسعى إلى تأسيس الدولة الدينية.

إذن فعلى المستوى الفكريّ: بالرغم من أن ميدان الجهاد هو تحرير فلسطين لكونها أرضاً مقدسة، وأمراً شرعيًّا واجباً على كل مسلم سُني، شيعي أيا كان، لكن قتال العدوّ القريب أولى من قتال العدوّ البعيد، وأن دماء الشيعة ستنزف حتى إذا تحقق النصر، لأن هذا النصر لا يخصّ دولة (ولاية الفقيه) التي هي في الأساس غير قائمة بالعراق. فبالتالي سيكون هذا النصر لصالح أي نظام سياسي خارج عن شرع الله، أي خارج عن نظرية ولاية الفقيه.  فهذا هو ميدان الجهاد الفعليّ، ومن هنا تبدأ الانطلاقة بحسب رأيهم.

التطبيق:

يبدأ على المستوى التنظيميّ، حيث يرتبط هذا الفارق بفعل الربط بين فكرتي السياسة وعمل المقاومة، فهناك اختلاف كبير بين السياسة وعمل المقاومة.  سيما أن هذه الفصائل عملت على توظيف الجانب السياسي في خدمة العمل المقاوماتي والميداني. وحاولت من خلال تجربتها السياسية للوصول إلى انتزاع مشروعية عملها العسكري بمعنى (المقاومة محليا وخارجيا). لقد سعت قيادات المقاومة إلى تسخير منهج الفصائل كمقاومة في خدمة عملها السياسي من خلال استغلال الدعاية والإعلام. بالنتيجة كان مسار هذه التجربة وما يزال متخبط بين عملهم الميداني وبين دخولهم في العمل السياسي. وهذا يخالف ما جاءت به قوانين كل حركات التحرر والمقاومة في العالم. لأن من نتائجه، أن السياسة تعرقل العمل الميداني، ومن نتائجه أيضا انحسار جماهيرية المقاومة، وفقد إمكانية الكسب الشعبي والاستقطاب، بل كان على هذه الفصائل أن توظف السياسة في مصلحة المقاومة، مما يتيح لها تعبئة الجماهير بشكل واسع وكبير.

وإذا كنا نتحدث عن معنى (المقاومة الإسلامية) بصورة عامة سواء كانت تلك المقاومة في إيران أو العراق أو لبنان. فيصبح جوهرة الفكرة لأية مقاومة إسلامية، هي حمل السلاح ضد إسرائيل كما ذكرنا آنفا والتواجد الأمريكي بالعراق. لكن أمريكا نفسها فتحت ذراعيها وساعدت الحشد في العراق للقضاء واقتلاع الإرهاب السُني الوهابي والمتمثل (بتنظيم داعش). نعم داعش إرهاب سُني يعتمد في خطابه الأيديولوجيّ على أفكار (الزرقاويّ) الذي كان دوره بارزاً في وضع اللبنات الأولى لـداعش أيديولوجيَّا وفكريًّا. وقد استند خطاب داعش إلى أفكار أبي الأعلى المودوديّ وسيد قطب وغيرهم من منظري السلفيّة الجهاديّة، وهي، الحاكمية، والجاهليّة، والتكفير، والجهاد. ولهذا فإن فتنظيم داعش يتبع الأصول النظريّة والتاريخيّة المؤسسة لهذه المفاهيم، بدأ من كتابات أبي الأعلى المودوديّ، وسيد قطب، وصالح سرية، وجيهان العتيبي، ومحمد عبد السلام فرج، وصولاً إلى كتابات أبي عبد الله المهاجر. وهؤلاء جميعا يستندون إلى أفكار (ابن تيمية، ابن القيم، محمد عبد الوهاب منظر السلفية الحديثة).

من هذا المنطلق، فإن كل الحركات والفصائل المسلحة (السُنية والشيعية) تُعبر عن عملية درامية، مسرحية، يُراد ترويجها على المسلمين البسطاء وعلى الدول العربية والإقليمية والعالمية، وعلى كل من لا يقرأ التاريخ ولا يعرف العقيدة الصحيحة. بالنتيجة فمثل هذه الأفكار والأيديولوجيات تبنى بها الأمجاد على حساب العقول المغيبة.

 


إرسال تعليق

0 تعليقات