إبراهيم الزبيدي
إيران، من أيام الخميني، كانت وما زالت، وستبقى، تجيد الانحناء والالتواء، عند الحاجة والضرورة، وقد تجلس مع أعدائها على طاولة واحدة للتحاور، ولكن خنجرها يظل في ظهر من تحاوره.
النظام الإيراني يشعل الحرائق في اليمن
إن على الطريقة التي تصر إدارة جو بايدن على حل مشكلة اليمن بها ستكون هناك تداعيات وتبعات ستنعكس، لاحقا، على الوضع العراقي واللبناني والسوري، فإما ستزيد إيران من تدخلاتها وتعدياتها وتخريبها أو ستضطر لقصقصة بعض أذرعها وترحل رويدا رويدا، فيعمّ الأمن والسلام في المنطقة.
فخروج النظام الإيراني من حفلات الحل الأميركي في اليمن رابحا بأيّ شكل، وبأيّ مقدار، ستترتب عليه كارثة وربما كوارث على المنطقة.
وحاليا، وكما هو معلن، تقوم خطة السلام الأميركية في اليمن على أساس وقف إطلاق النار، بغطاء المساعدات الإنسانية، ولكن مع بقاء الحوثيين في مناطق سيطرتهم دون تنازلات، ودون عقاب أو حساب.
وهذا أسوأ ما تفعله هذه الإدارة. فهي أعرف من الجميع بأن دعوتها الحوثيين إلى السلم والتفاوض طواعيةً أصعب من الصعود إلى المريخ. فهو ممكن، ولكن فقط إذا سمحت به إيران. ولكي توافق لا بد من ثمن. وإدارة بايدن التي لا تجهل تعقيدات المشكلة اليمنية، لم تدخل في التفاصيل، ولم تحدد الثمن الكافي لترضية النظام الذي إن وهبه أحدٌ إصبعا واحدا سيريد الذراع كلها. كما أنها لم تقل من الذي سيدفعه، المعتدي أم المعتدى عليه؟
ورغم أن بايدن كان نائبا لباراك أوباما، ولمس بيديه الاثنتين حقيقة أن أساليب الملاطفة والمهادنة والمسايرة لا تفعل دائما سوى حقن النظام الإيراني بالمزيد من الغرور والتعالي والتمادي، وتشجيعه على مزيد من احتلالات واعتداءات جديدة ألعن وأوسخ من سابقاتها. وقد دفعت الولايات المتحدة، نفسُها، وشعوبُ حليفاتها ثمن النعومة الغبية أو الخبيثة التي اتبعها ثنائي أوباما – بايدن مع المعممين الإيرانيين.
وقبل أيام، وليس قبل شهور، وفي عهد هذه الإدارة، أصدرت مديرة الاستخبارات الوطنية أفريل هاينز، بالتنسيق مع قادة مجتمع الاستخبارات أمام الكونجرس، تقريراً سنوياً غير سرّي أوضح أن إيران ستشكل تهديداً مستمراً للولايات المتحدة ومصالح حلفائها في اليمن، والمنطقة، حيث تحاول تقويض نفوذ الولايات المتحدة، ودعم الشيعة في الخارج، وترسيخ نفوذها، واستعراض قوتها في اليمن والدول المجاورة.
ورغم ذلك فقد ضغطت على العراق ليكون سمسار وساطة بين رئيس جهاز المخابرات السعودي خالد بن علي الحميدان، وسعيد إرافاني نائب أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، حسب ما كشفت عنه صحيفة نيويورك تايمز.
وحتى لو تمخضت هذه اللقاءات عن أيّ اتفاق، وحتى لو جاء كما يريده بايدن، فإن تاريخ النظام في الاستدارة إلى الخلف، وفي اللعب على الكلمات، وفي التحايل سيثبت للجميع أن الثقة بالأفعى أو العقرب ليست من الفطنة والحكمة والاقتدار، وليست في محلها.
بلغة الأرقام النظام الإيراني هو المحارب الحقيقي في اليمن وحربه اليمنية هذه حلقة من مسلسل حلقات مرسومة بعناية للإطباق على السعودية ومنها على الخليج لتكتمل كماشته على المنطقة بأسرها
مع العلم بأن إيران، وليست السعودية، بحاجة إلى وقفة لالتقاط الأنفاس، لإقناع إدارة بايدن بأنها في وارد الجنوح إلى السلم، ربما لشراء وقت، ولاختبار نوايا بايدن فيما يتعلق برفع العقوبات المتعلقة بالملف النووي.
فإيران، من أيام الخميني، كانت وما زالت، وستبقى، تجيد الانحناء والالتواء، عند الحاجة والضرورة، وقد تجلس مع أعدائها على طاولة واحدة للتحاور، ولكن خنجرها يظل في ظهر من تحاوره، ولا يفارق يدها، بتاتا. ويبدو أن بايدن ومعاونيه لم يتعمقوا في دراسة مبدأ التقية وأسراره وأحكامه.
أما دوافع الحكومة السعودية إلى القبول بالجلوس مع عدوّها الإيراني الذي لم يتوقف عن إرسال المسيّرات والصواريخ إلى مدن المملكة، فمفهومة.
فجيرة ملتهبة كجيرة السعودية مع اليمن، باهظةُ الثمن، ماليا وسياسيا وأمنيا واجتماعيا. ولا ضير في محاولة غلق هذا الملف سلما بعد أن تعذر غلقه بالحروب. ولو كان في مقدور أيّ شعب أن يحمل بلاده ويذهب بها بعيدا إلى جيران أحسن وأفضل لسارع السعوديون إلى الهرب من جيرة اليمن، ولهرب العراقيون من جيرة إيران وأردوغان. ولكن ما كل ما يتمنى الشعب يدركهُ.
وبلغة الأرقام والوقائع الثابتة المتحكمة بمسيرة الأحداث يتبين أن النظام الإيراني هو المحارب الحقيقي في اليمن، وأن حربه اليمنية هذه حلقة من مسلسل حلقات مرسومة بعناية للإطباق على السعودية، ومنها على الخليج، لتكتمل كماشته على المنطقة بأسرها.
ومن الكلام المكرر الممل أن النظام الإيراني حبس نفسه في عقيدته الواحدة التي تقوم على أن “أسلم وسيلة للدفاع هي الهجوم الذي يشغل الخصوم في عقر دورهم، أو على حدود بلادهم”، والمراهنة على الزمن الكفيل بإنهاكهم وجرّهم في النهاية إلى الخضوع. وهو مؤمن بثبات بأنه سينتصر أخيرا بجنودٍ لا يراها الخصوم يرسلها الإمام الغائب قبل ظهوره الموعود.
وهذا ما يجعل الأمل الذي يراود أيّ طرف، كائناً من كان، في احتمال أن ينزع النظام الإيراني عقيدته، ويتخلّى عن أساس وجوده، ويصبح من عشاق السلم والعقلانية، ويغادر منطق العصابة إلى منطق الدولة المسالمة المنسجمة مع محيطها أشبه بالخيال، بل هو من رابع المستحيلات.
ومن هذه الصورة المرعبة يصبح مشروعا للطرف الآخر المتضرر أن يدافع عن أمنه وأمن شعبه، وأن يحمي حاضره ومستقبل أجياله القادمة بالتي هي أحسن.
والتي هي أحسن مع إيران الخميني وإيران خامنئي تعني الحزم والجزم والقوة وطرْق الحديد وهو ساخن.
فليس معقولا ولا مقبولا أن يظل النظام الإيراني يشعل الحرائق في بلاد الله الآمنة دون عقاب وحساب، وإلى ما لا نهاية.
كاتب عراقي
0 تعليقات