هيثم الزبيدي
الأفكار هي ما يحرك عالمنا وليس المال أو الموارد الطبيعية.
منتجات مهمة
خلال الأيام الماضية مرت علينا أرقام مالية فلكية. تقرأها بشكل عابر، فتعتبرها تحصيل حاصل. لكن التوقف عندها مثير حقا.
ضريبة التركات لرئيس شركة سامسونغ الراحل لي كون-هي بلغت 11 مليار دولار. هذا يترك للورثة 9 مليارات دولار من ثروة الأب. العائلة زادت أكثر وقالت إنها ستتبرع بمبالغ كبيرة لبحوث الأوبئة وسرطان الأطفال وستقيم مستشفى خاصا لعلاج الأمراض السارية. زد على هذا تبرعها للمتاحف الكورية بمجموعة لي الفنية الخاصة التي تشمل 23 ألف عمل فني تشكيلي، بعضها لكبار المشاهير مثل سلفادور دالي وكلود مونيه وبابلو بيكاسو. الأسماء وحدها تكفي لإثارة كل المهتمين من مقتنين ومرتادي متاحف ومعارض.
ثروة شخصية هائلة لشخص بدأ حياته في شركة عائلة تبيع السمك المجفف في كوريا أيام الاحتلال الياباني في الثلاثينات. بين السمك المجفف وهاتف سامسونغ وتلفزيون سامسونغ وتكييف سامسونغ مسافة شاسعة. سمك السردين المجفف شيء وشريحة المعالج في الكمبيوتر والذاكرة للهواتف والأجهزة الإلكترونية التي تصنعها سامسونغ شيء آخر. إرادة تصنع النجاح والمليارات. إرادة في بلد مثل كوريا الذي طحنته الحروب والتقسيم وكل ما يمكن أن تتخيله من مآسٍ، ويجلس جارا لمراهقة نووية اسمها كوريا الشمالية. تريد معجزات؟ خذ معجزة.
رقم آخر. يبلغ عائد شركات ألعاب الفيديو أكثر من 300 مليار سنويا. هذه الشخوص التي تشاهدها في الألعاب على شاشات التلفزيون ويتعلق بها الأطفال والشباب، بل والكثير من البالغين، هي مطبعة مال. صناعة لم تكن عمليا موجودة قبل 40 عاما، تستطيع اليوم أن تحقق كل هذه الثروات لمبتكري الألعاب وصانعي أجهزة اللعب وللموزعين. صناعة يمكن الاستغناء عنها، نظريا على الأقل، دون أن يختل حال الكون. لكنها تفرض نفسها لتصبح عمودا فقريا في اقتصاد العديد من الدول. بلد مثل الولايات المتحدة يفتخر أنه يبيع طائرات مقاتلة وأجهزة طبية ودواء وسيارات وبرامج كمبيوتر وأفلام ومسلسلات ترفيهية.. وألعاب فيديو. كلها منتجات مهمة، حتى ما يصنّف ألعابا منها.
ثروة شخصية بالمليارات وثروات قومية بمئات المليارات من ألعاب. أرقام تبدو في الأحلام لبلاد أخرى لا تزال حائرة في كيفية إصلاح عمود الإضاءة في الشارع. ثروات أيضا لا علاقة لها بالموارد الطبيعية من نفط وغاز ونحاس وذهب. ثروات بمقاييس عالمنا تخلق من العدم، بالمقارنة مع ثروات طبيعية لدينا تبدد إلى العدم.
الأفكار هي ما يحرك عالمنا وليس المال أو الموارد الطبيعية. هذا ما ترويه لنا حكايات النجاح والابتكار وتحويل الجهد والمثابرة إلى معجزات شخصية ووطنية.
كاتب من العراق مقيم في لندن
0 تعليقات