مناظرة افتراضية بين شباب العراق وخونته

مشاهدات



د. ماجد السامرائي


التاريخ القريب والبعيد في منطقتنا وفي العالم ذكر قوائم كثيرة لحكام استبدوا وأفقروا ونهبوا شعوبهم مستندين على قوى خارجية كبيرة، لكن حين جاءت لحظة التخلّي رُميَ بأولئك الحكام كأوراق التواليت.

شباب العراق.. اختار طريق المواجهة الميدانية

في هذه السطور مناظرة افتراضية بين الشباب العراقي الثائر وعصابات الموت والنهب والفساد رغم أن الحوار بين الطرفين أصبح مستحيلا بسبب دماء الضحايا من شهداء ثورة أكتوبر، لكنها محاولة لتقديم بيان هوية واستحقاق كل منهما.

المتحكمون بمصير أهل العراق من قادة الأحزاب وميليشياتها التي ادعت إسلاميتها وهي بعيدة في الممارسة عن أي من معايير الدين الإسلامي أوهموا جمهورهم بتلك الشعارات، بذات الوقت يعتبرون ممارساتهم وسياساتهم على أنها إنجازات، يتوجهون إلى أهل العراق وشبابه بخطابات الحقد والكراهية والدجل والتبعية للخارج.

بفقرات موجزة نعرض تساؤلاتهم وخطابهم المُزيف الموجه للثوار وللشعب العراقي:

يتساءل الطرف الحاكم.. لماذا يثور هؤلاء الشباب علينا، ألم نتعاون مع شبكات الاستخبارات الأميركية والإسرائيلية ونفذنا رغباتها وبرامجها في تدمير العراق ورجاله الرافضين للاحتلال، عندما تحوّلنا إلى جواسيس وأدلاء وفرق موت ميدانية ليسلمونا السلطة باسم الشيعة ولرفع مظلوميتهم.

ألم نرفع بيارق التحرر من الدكتاتورية ومن حكم السّنة الممتد لألف وأربعمئة عام، وصور مرجعياتنا الشيعية فوق رؤوسنا وخلف مكاتبنا، وجعلنا من العراق كما وعدنا الآباء والأجداد مركزا للتشيّع في المنطقة.

ألم نحوّل الطرق من بغداد والحلة والناصرية والكوت والعمارة والبصرة إلى كربلاء في مواسم استذكار الإمام الحسين وفاجعته إلى مواقد “للهريسة” (أكلة محلية جنوبية)، وحّولنا إبداعات الشعراء والقصاصين إلى مناقب للرثاء والحزن طوال أيام السنة التي جعلنا غالب أيامها عطلا في دوائر الحكومة لحين عودة الإمام المهدي المنتظر.

لماذا ننشغل ببناء المستشفيات والمدارس والطرق والجسور ونحن بانتظار يوم القيامة الموعود، أليست الحضارة والمدنية الغربية ورقّي الإنسان وتواصله في العالم الصغير الجديد بُدعة وانحلالا وخيانة للتقوى التي يُبشّر بها أئمتنا الذين أوجدوا الحل الرخيص للشباب عن طريق زواج المتعة لحمايتهم من الانحراف.

المتحكمون بمصير أهل العراق من قادة الأحزاب وميليشياتها التي ادعت إسلاميتها وهي بعيدة في الممارسة عن أي من معايير الدين الإسلامي أوهموا جمهورهم بتلك الشعارات، بذات الوقت يعتبرون ممارساتهم وسياساتهم على أنها إنجازات

لماذا يستمع الشباب إلى ما يقوله المغرضون عمّا يسمونه نهبنا للأموال العامة، أليست هي حسبما تُفتي مرجعياتنا مالا عاما يجوز الاستيلاء عليه ودفع “خُمسه” للمرجعية بدلا من أن يذهب إلى جيوب العامة. ثم أليست من مبادئ الشيعة الأثني عشرية أن تذهب خيرات ولاية العراق لصندوق الحاكم الأعلى في طهران وبيده سلطة استثمارها في مشاريع السلاح ضد الطاغوت وأذنابه وتوزيع بعضها على مستحقيها من المجاهدين والقادة والآمرين وحكومات الولايات الجديدة كسوريا ولبنان واليمن ثم الولاية الجديدة غزّة، أما الرعاع من العراقيين فتكفيهم حياة الكفاف. 

ألم نستثمر بذكاء لعبة الانتخابات لنحافظ على حكم جيش الحسين حتى القضاء النهائي على آخر الرجال من ورثة يزيد. خضنا خلال سبعة عشر عاما جولات متواصلة لتصفيتهم بقيادة أسطورة المقاومة الشهيد قاسم سليماني والحرس الثوري والفصائل الإسلامية في مناطق مهمة بالعراق كالموصل وصلاح الدين وديالى والأنبار وكركوك، ثم وظفنا بذكاء داعش لتدمير ما لم ندمرّه.

أنظروا إلى من كانوا يوهمون العرب السّنة بأنهم ممثلوهم على مصطبة المحاصصة التي صنعها لنا الحاكم الأميركي بريمر لكن مفعولها انتهى بعد الانضمام العلني لأولئك الممثلين لولاية الفقيه، استخدمناهم كأحصنة طروادة وبيادق لخدمتنا لقاء المال الوفير.

ألا زلتم أيها الشباب ترددون ما قرأه آباؤكم وأجدادكم في تاريخ المبالغة الأسطوري بأن العرب أمة واحدة والعراق مركزها الحضاري، لكن الحقيقة هم بدو جهلاء جاء الإسلام ليرفع من شأنهم لكنهم حوّلوه إلى سيف للعصبية القبلية والعنصرية العربية وتدمير إمبراطورية فارس، علما أن حضارتها هي الأعمق والأكثر جدارة بحمل راية أهل البيت بعد نزع كل تاريخ الخلافة المغتصب ورميه خارج التاريخ.

نحن على يقين بأن الإمبراطورية الفارسية تعود مجددا وعاصمتها بغداد ومعها ولايات الشام ولبنان واليمن وعلى الطريق آتية الحجاز والبحرين والكويت والإمارات وعُمان. وسُتسجل على جدران كسرى قرب بغداد لوائح أسمائنا “علاقمة” جدد بعد تهديم نصب الشهيد ببغداد، الشوكة التي تذكّر الأجيال العراقية بما قدّمه أبناء العراق من تضحيات للدفاع عن وطنهم.

أيها الشباب دعكم من هذا اللهو الصبياني في شعاركم الفارغ "نريد وطنا" فالذين دفعوكم للتمسك بهذا الشعار مغرضون لغايات خارجية يعلمون أنكم ستتساقطون واحدا بعد الآخر كالعصافير المغرورة بطيرانها حتى تقتلها رصاصات الصيادين الماهرة. أخذنا البعض منكم إلى ساحتنا، أغريناهم ببعض الأمان والوجاهة من أجل إسقاط ما تسمونه ثورة من الداخل ولكل فريق منا كانت له طريقته لتحقيق هذا الهدف.

إنكم واهمون إن اعتقدتم أن قوتنا وصرامة أدواتنا هي داخل العراق فحسب. هذه أميركا التي نرفع شعارات الموت ضدّها ونحرق أعلامها في الشوارع يوميا، مُلتزمة بنا ولا تُفرّط بمصير حكمنا، روسيا والصين اللتان لهما تاريخ مُشّرف بعدم الاعتراض على الاجتياح الأميركي للعراق، هما ملتزمتان بحمايتنا أيضا.

أما أنتم وثورتكم المزعومة من هم أصدقاؤكم خارج حدود العراق، اذكروا لنا مثالا لدولة عربية كالسعودية والإمارات والبحرين رفعت صوتها إلى جانبكم، فهذه الدول تتعامل مع حكومات وليس معارضات انتهى عصرها بنهاية نظام صدام حسين.

أنظروا كيف يلعب مولانا الولي الفقيه خامنئي في الساحة الفلسطينية، أرسل الآلاف من الصواريخ إلى غزّة التي نفذّ رجال المقاومة هناك تعليماته بتوجيهها إلى تل أبيب لكي تصل رسالته إلى إسرائيل والولايات المتحدة بأن طهران قادرة على الوصول عبر وكلائها إلى أي هدف تريده.

تلك قائمة مختارة من أحاجي المتحكمين بسلطة العراق يعتقدون من خلالها أنهم مُخلدّون في سلطة لم تعد قادرة على التماسك والاستمرار.

بماذا يردّ أهل العراق وشبابه، رغم أنهم غير مكترثين بالمحاججة مع قتلتهم، لأنهم اختاروا طريق المواجهة الميدانية رغم كلفها العالية من دمائهم الزكية. مع ذلك يبقى الخطاب الإعلامي الموجز المقُنع مفيدا لبعض المغشوشين من أنصار الحكم الاستبدادي بسبب حاجتهم إلى سد الرمق.

قناعة الشعب وثواره بأن حكام عام 2003 وما بعده لا يمتلكون شرعية سلطتهم التي أهداها لهم احتلال غاشم أسقط دولة العراق ومُررّت على إدارته أوهام اليمين الأميركي وقوى اللوبي الفارسي بأن دولة العراق السنيّة يجب إسقاطها لإحداث التوازن في المنطقة. كل المحاججة النظرية الفرعية اللاحقة ليست ذات قيمة على قاعدة ما بُني على الباطل فهو باطل.

انكشفت منذ وقت مبكّر لعبة الغطاء المذهبي والديني وقصة المظلومية الشيعية باستثناء الأكراد الذين لهم خصوصيتهم القومية المشروعة وحق تقرير المصير، ومشاركتهم السياسيين الشيعة في استلام السلطة عام 2003، لا تحمّلهم مسؤولية الأضرار التي ألحقتها تلك الأحزاب بالعراق.

شعب العراق وثواره يطالب الأحزاب الحاكمة بإعلان إنجاز واحد قدمته للعراقيين في ميادين الصحة والكهرباء والتعليم والطرق والجسور والمدارس رغم صرف أكثر من 500 مليار دولار

خطورة ثورة أكتوبر على مصير حكم الأحزاب وأدواتها الفاشية التي تنامت بتخطيط إيراني، أنها كشفت كل فصول اللعبة وموجاتها المتعاقبة مثل التغطية بصور وشعارات المرجعية الشيعية التي أخذت في السنوات الأخيرة تتحفظ عن الإعلان بمساندتها لهم لإبعاد الإحراج عنها، مما اضطر تلك الأحزاب للإعلان عن هوية مرجعيتها الحقيقية – الولي الفقيه – في طهران والتي كانت مكشوفة منذ الأيام الأولى للاحتلال.

تبعية العراق لإيران أيديولوجيا وسياسيا شواهدها ودلائلها كثيرة دامغة، لعلّ أولها أدوات القتل الميليشياوية التي تتفاخر بولائها لولي الفقيه خامنئي وللحرس الثوري.

أما أحاديث إهانة عروبة العراق ودعوة حكام طهران لتخلي أبنائه عن العرب والالتحاق بإيران، فهذه عززت تمسك أهله بعروبتهم مثلما يعتز قسم من الإيرانيين بفارسيتهم، لعل شعارات المتظاهرين خاصة في كربلاء والبصرة بطرد إيران وتمزيق صور خامنئي وصلت رسائلها للجميع.

يطالب شعب العراق وثواره الأحزاب الحاكمة بإعلان إنجاز واحد قدمته للعراقيين في ميادين الصحة والكهرباء والتعليم والطرق والجسور والمدارس رغم صرف أكثر من 500 مليار دولار.. أليس من الديمقراطية والعدل مطالبة الشعب بمعرفة مصير تلك الأموال المنهوبة وأسماء السراق وإعادتها للبلد.

نعم تُسجل الآن قوائم أحفاد العلقمي للحساب التاريخي ولن تكون هناك فرصة لتعليقها على قصر كسرى الذي يحكي هزيمته التاريخية. أما نصب الجندي المجهول ببغداد فسيظل شاهدا بأسماء الشهداء وعلى هزيمة نظام الخميني أمام جيش العراق.

أما الاستهزاء بثورة أكتوبر العراقية فهذا سيزيد من عمقها الشعبي لأنها شكلت منذ عام 2019 نهاية فصول الخداع والزيف. الثورة ليست صناعة خارجية لتعتمد في استمرار حياتها وحيويتها على أعوان من خارج الحدود، هي نتاج معاناة شعب من الظلم والإفقار والتجويع. الشباب المؤمن بقضية الوطن يتعاطى مع منجزات الحضارة البشرية ومن ضمنها الثورة التقنية والرقمية فيما تعيش الأحزاب على أوهام خرافية رغم أن أبناء قادتها والموالين لهم يعيشون بأموال الفقراء مظاهر البذخ الفاضح في عواصم أوروبا وأميركا.

التاريخ القريب والبعيد في منطقتنا والعالم ذكر قوائم كثيرة لحكام استبدوا وأفقروا ونهبوا شعوبهم مستندين على قوى خارجية كبيرة، لكن حين جاءت لحظة التخلّي رُميَ بأولئك الحكام كأوراق التواليت. فلا تغرنكم ميليشياتكم لأن غالبية أفرادها عراقيون مضطرون لإعاشة أسرهم، أليست أقرب أيام التاريخ مثالا في العراق انفضاض الملايين عن الولاء لنظام صدام وعدم الاستعداد للموت من أجل الدفاع عنه، بل انضم أغلبهم لموجات اللطم والتعصب المذهبي لاستمرار حياتهم.

لا يغتّر المستبدون والسرّاق والقتلة بمظاهر القوة الخارجية لأنهم ضعفاء مهزومون أمام أهل العراق، وسينتهي عهدهم والأيام المقبلة ستشهد ذلك.

كاتب عراقي

إرسال تعليق

0 تعليقات