المُتَغِيّر السُّكَّاني وَالتَّنْمِية

مشاهدات



د. عطيه المسعودي



تمهيد:


السُّكَّان في كل مجتمع هم أساس تكوينه وأصل وجوده، فلا يوجد مجتمع بغير سكان، وحجم السُّكَّان ونوعيتهم هما الحاكمان في قضية التقدم والتخلف، فلا يوجد سبب للتقدم أو سبب للتخلف إلا ويمكن عزوه للسُّكَّان بطريقة من الطرق، إما إلي الحجم والكم، وإما إلي النوعية والمهارة بطريق مباشر أو غير المباشر، وليس فيما خلق الله من موارد في الأرض مادية وبشرية مورد يمكن أن ترتفع المفردة منه إلي آلاف من أمثالها إلا السُّكَّان، حيث جاء في الأثر ما معناه"ما من شيء يبلغ الواحد منه ألفًا من أمثاله إلا البشر"، بمعني أنه ليست هناك دابة من الدواب أو خلق من المخلوقات تبلغ قيمتها ألفًا من أخواتها إلا البشر، فقد تجد رجلًا بألف رجل من مثله مكانةً وتأثيرًا وقدرةً وكفاءةً وغنًا وغيره، وأيضًا قد تجد امرأة بألف امرأة، وقريب من هذا المعني ما قاله النبي صلي الله عليه وسلم" النَّاس معادن كمعادن الذهب والفضة، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا، والأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف؛ فإذا تكون المجتمع من بشر يشبهون المعادن النفيسة، أمكن لهم أن يماطلوا مئات وآلاف الأمثال من البشر يشبهون المعادن الرديئة والتي لا أهمية لها ولا فائدة، وشبيه بهذا أيضًا ما حدث مع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما طلب منه عمرو بن العاص رضي الله عنه أن يَمده بأربعة آلاف رجل يعينونه في الفتح، فأرسل إليه أربعة من الصحابة، ومعهم رسالة تقول: إني قد أمددتك بأربعة آلاف رجل على كل ألف رجل منهم رجل مقام الألف: الزبير بن العوام، والمقداد بن الأسود، وعبادة بن الصامت، ومسلمة بن مخلد. واعلم أن معك اثني عشر ألفًا، ولا يُغلب اثنا عشر ألفًا من قلة، ويكون هنا قد أمده بما طلب وهو أربعة آلاف رجل، وكذلك قول الله عزوجل( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِۚ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مائتين وإن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ)الأنفال:65.

وقد أضاف العالم البليون الأخير إلى إجمالي سكانه خلال فترة اثنتي عشرة سنة فقط في الفترة من عام 1987م وحتى عام 1999م، وهي أقصر فترة في التاريخ لزيادة سكانية قدرها بليون نسمة.



ابْــنُ المَسْـــعُودي


يتبين أن التوزيع غير الأمثل للسكان يُظهر خطورة كبيرة على المناطق الحضرية بتركيز النفايات والمواد الملوثة التي تضر بصحة السُّكَّان وتدمر النظم الطبيعية المحيطة؛ فمفهوم التنمية قد لقي قبولًا واستخدامًا دوليًا واسعًا منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي، وتعددت تعريفاتها؛ كما توجد أسس ومؤشرات عديدة للتنمية، ويتطلب لتحقيقها وجود إرادة سياسية للدول وكذلك استعداد لدى المجتمعات والأفراد لتحقيقها، فالتنمية المستدامة عملية مجتمعية يجب أن تساهم فيها كل الفئات والقطاعات والجماعات بشكل متناسق، ولا يجوز اعتمادها على فئة قليلة ومورد واحد، فبدون المشاركة والحريات الأساسية لا يمكن تصور قبول المجتمع بالالتزام الوافي بأهداف التنمية وبأعبائها والتضحيات المطلوبة في سبيلها.

 كذلك فإن النظام الاقتصادي الإسلامي يرمي إلى توضيح المنهج الكامل للحياة، إذ أنه يهتم بالجانب المادي في حياة البشر بقدر ما يعني بالجانب الروحي، وهذا ما جاء به الإسلام بصورة عامة؛ ذلك لأنه لا قوام لجانب دون الأخر، ودون إغفال البيئة التي يعيش فيها البشر، وأن المنهج التنموي قائم على أن التنمية لم تعد بالإمكان النظر إليها كزيادة في قيمة السلع والخدمات المادية فحسب، وبأن المقاييس الاقتصادية الكلية المعروفة من الناتج المحلي الإجمالي إلى معدل دخل الفرد ومعدل البطالة، لا تمثل بشكل صحيح الوجوه الشاملة والمختلفة للعملية التنموية، وبأن المؤشرات الاقتصادية وحدها لا يمكن استخدامها كمقياس عام لتصنيف الدول من درجة نموها( ).

أيضًا فإن العنصر البشري له دور هام جدًا في زيادة وتحسين مستوي الإنتاجية وكذا تحسين أداء المنظمة والاستثمار فيه شيء أساسي لتنمية وتطوير معارفه ومهارته حتى يتم استغلالها لصالح المنظمة، وأنه هو أساس أي عملية تنموية سواء كانت بشرية أو طبيعية أو مالية حيث أنه عجلة الدفع ومحور التقدم والرقي ولقد بين الله سبحانه وتعالي قيمة وقدر هذا الإنسان وأنه خليفة الله في أرضه حيث قال سبحانه:" إني جاعل في الأرض خليفة وقوله سبحانه وتعالي:

 هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِۚ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ هود (61)؛ وغيره كثير من الأيات والأدلة على قيمة وقدر هذا العنصر الفعال والبناء.

ولقد تجاوزت التنمية بمفهومها الحديث مفهوم النمو الاقتصادي أو التنمية الاقتصادية لتأخذ منحى آخر يعرف باسم التنمية البشرية، أي ربط العلاقة بين البشر والتنمية، ليس فقط باعتبار البشر عنصرًا من عناصر التنمية بل أيضًا باعتباره غاية التنمية ويكون الهدف هو تحسين نوعية حياة الإنسان وضمان توزيع أفضل للدخل، مع رفع مستواه العلمي والصحي، وهو ما يهدف إليه تقرير التنمية البشرية حيث يؤكد التقرير على الربط الجدلي بين النمو الاقتصادي والتنمية البشرية بحيث يكون النمو وسيلة والتنمية غاية، أي أن الإنسان هو أداة وغاية التنمية وعلى ذلك تكون التنمية البشرية هي تنمية النَّاس بالنَّاس وللناس، وهذا ما سعت لتحقيقه الكثير من الدول في العالم للوصول إلى التنمية.

يُعتبر رأس المال البشري من الموارد المهمة في أي إستراتيجية تتبناها أي دولة للزيادة في معدلات النمو لديها فمهما اهتمت هذه الأخيرة في تحديث التجهيزات وتعزيز القدرة الإنتاجية وحددت أهدافًا طموحة فإن هذا لن يتسنى تحقيقه دون وجود العنصر البشري. وتجدر الإشارة إلى أنه بمرور الوقت تتناقص قيمة الموارد المادية مثل التجهيزات بالاستهلاك أو التقادم لكن المورد البشري تتزايد قيمته بالخبرات المتراكمة. 

من ناحية أخرى هناك تكامل بين الموارد الأخرى والمورد البشري فالموارد البشرية تحتاج إلى رأس المال لأداء وظيفتها، ومن ثم سوف يتم التطرق في الفصل التالي إلى النمو السُّكَّاني وَالتَّغِيرات الاجتماعية والاقتصادية في مصر.


إرسال تعليق

0 تعليقات