الحشد الشعبي نسخة من الحرس الثوري الإيراني

مشاهدات



د. باهرة الشيخلي


لا رهان على تصدع وحدة المشروع الإيراني في العراق فالصراع المزعوم بين ما يسمى الحشد الولائي والحشد المرجعي لا يخرج عن كونه قنبلة صوتية تمهد لمقدمات قد تفرضها الظروف.

حارس المصالح الإيرانية في العراق

على الرغم من الهجوم غير المسبوق، الذي شنّه زعيم ميليشيا عصائب أهل الحق “الولائية” قيس الخزعلي على حشد العتبات “المرجعي” واتهامه بأنه مشروع إسرائيلي أميركي، إلا أن المراقبين وغالبية العراقيين أجمعوا على عدم وجود حشد ولائي وآخر مرجعي، وأن جميع الفصائل الميليشياوية تنتمي إلى حشد واحد.

في الحقيقة هو نسخة أخرى من الحرس الثوري الإيراني، كما أورد “معجم العقل الأميركي” لمؤلفه الدكتور عبدالستار الراوي، في طبعته الثانية 2015، وذلك بإعلان المرجع علي السيستاني وختمه، وكان “الجهاد الكفائي”، الفتوى الذريعة تحت غطاء تطهير البلاد من تنظيم “داعش الإرهابي”.

وجهدت أحزاب ولاية الفقيه نفسها لإظهار الحشد بوصفه بطلا منقذا وإبداء الامتنان لدور الجمهورية الإسلامية وجهدها اللوجستي ومشاركتها الفعلية في تحرير الأراضي العراقية، بهدف تعزيز موقع ولاية الفقيه وترسيخ نفوذها.

كانت هذه الأهداف، من الألف إلى الياء، لائحة العمل، التي تفرغ لها قاسم سليماني، منذ لحظة سقوط الموصل تحت قبضة تنظيم داعش، مروراً بالفتوى، التي لم تكن لتتم، بهذه العجالة، لولا سليماني وتابعه رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، وهذا ما يثبت أن الحرس الثوري الإيراني هو الذي استولد الحشد الشعبي في العراق.

الهيكلية الحالية للحشد الشعبي لا تعبر عن التغيرات الدراماتيكية السياسية والاقتصادية الحالية، ولا بد من تعزيز فاعلية الحشود الأخرى الولائية في زمن يشهد أزمات متعددة

كان “الجهاد الكفائي” موعدا حاسما في تحقيق “الطفرة الولائية”، وهي الأمنية، التي تطلعت إليها طهران منذ صيف هزيمتها في العام 1988، ليصبح الحشد الذراع الحرة لإيران على امتداد النهرين، الذراع العابرة للحكومة ولقوانين البلاد، وليصبح، القوة المركزية الأولى وصاحب القداسة المتمتعة ميليشياته وعناصره بحصانة مطلقة.

أصبح “الحشد المقدس” حارس المصالح الإيرانية والعامل على تعزيز نفوذها داخل العراق، والذي حقق، خلال السنوات الثلاث الأخيرة، ما عجزت إيران عن تنفيذه في حرب الثماني سنوات (1980 – 1988) عندما هزمها العراقيون.

واقع الأمر أن الصراع بين ما يدعى بالحشدين، الولائي والمرجعي، يجري داخل هذه الظاهرة المسلحة نفسها، تماماً كما الصراع الصوتي بين المحافظين والإصلاحيين تحت قبة البرلمان الإيراني رغم انتمائهما إلى الولاية ذاتها وعملهما سويا تحت علم واحد.

يصف السياسي العراقي عوني القلمجي ما صرح به قيس الخزعلي بأنه كذبة؛ ليس هناك حشدا تابعا للمرجعية؛ ما حدث هو محاولة من السيستاني، أو بالأصح ابنه محمد رضا، لضبط تصرفات الحشد، التي ولدت استياء عاما بين العراقيين. بمعنى آخر أن الخزعلي وأمثاله قد تجاوزوا الحدود كثيراً مما أدى إلى عزل الحشد عن عموم الناس.

ما يريد القلمجي قوله هو أنه ليس هناك خلاف بين المرجعية والحشد، وإنما الخلاف على أسلوب إدارته السيئة، مما يعني، باختصار، أن هذه الميليشيات جميعها متفقة على ألاّ تختلف، وأن المرجعية هي الراعي الأول لهذه الميليشيات وأن أيّ مراهنة على حدوث خلافات بين الميليشيات ستكون فاشلة.

وما ذهب إليه القلمجي، ينطبق عليه اعتقاد القائد الطلابي العراقي محمد دبدب، وهو أن مرجعية السيستاني موظفة لصفحة أخرى من صفحات المشروع التوسعي الإيراني، عبر مجموعة آليات تعتمدها المرجعية السيستانية ومرجعية قم بالتناغم، وإذا ما حدث خروج عن الخط في الساحة العراقية فذلك يعود إلى عدم انسجام أدوات المشروع الإيراني تماماً. بل إن هذه الأدوات قد تختلف في فهمها لهويتها وتاريخها ولأبعاد المشروع نفسه.

على المراقب، والحالة هذه، أن لا يراهن على تصدع وحدة المشروع الإيراني في العراق، كما أنه يجب أن لا يهمل ظروف الخلاف، وأن يلاحظ أيضاً أن الصراع الظاهر المزعوم بين ما يسمى الحشد الولائي والحشد المرجعي لا يخرج عن كونه قنبلة صوتية تمهد لمقدمات قد تفرضها الظروف لخيار المرحلة المقبلة.

لهذه الأسباب كلها، لا يجد المرء ثباتاً في حدود النصوص المتداولة، والثابت الوحيد فيها هو أن للمصالح العليا الإيرانية الأولوية في الصراع المزعوم، ويجهد قادة الحرس الثوري الإيراني وقادة الميليشيات الولائية أنفسهم أن لا يمتد هذا الصراع إلى الشارع العراقي، لأن أساس الفلسفة الإيرانية في الخلاف والتفاهم أن يكون تحت السيطرة.

يجب أن لا ننسى أن الهيكل التنظيمي القيادي والإداري لهيئة الحشد الشعبي يدار بنسبة 80 في المئة من خلال قيادات وإدارات تنتمي لمرجعية الحشد الولائي، في حين ليس للحشود المرجعية وحشود السنة والأقليات مناصب قيادية عليا أو وسطى داخل الهيكل التنظيمي لهيئة الحشد.

في 27 أبريل 2020، لاحظ الخبير الأمني العراقي والباحث في شؤون الجماعات المسلحة، هشام الهاشمي، الذي قتله مسلحون، قرب منزله في منطقة زيونة شرقي بغداد، في يوليو الماضي، أن التشكيل الحالي لهيكلية هيئة الحشد الشعبي لم يعد يتفق مع النظام السياسي الحالي وما اعتراه من تغيرات.

المعترضون على هيكلية الحشد اليوم أكثر بكثير مما كانوا عليه عند إنشائها، وهي تواجه في الوقت الحالي العديد من الأزمات، علاوة على أن الدول الكبرى الغربية والعربية تحث العراق على حل هيئة الحشد أو تحجيم أدوارها وصلاحياتها أو تقليص مواردها البشرية أو مراجعة عمليات دمجها مع القوات النظامية أو عدّها قوات احتياطية تُستدعى عند الحاجة مع راتب تقاعدي منصف.

الهيكلية الحالية للحشد الشعبي لا تعبر عن التغيرات الدراماتيكية السياسية والاقتصادية الحالية، ولا بد من تعزيز فاعلية الحشود الأخرى الولائية في زمن يشهد أزمات متعددة ومتشعبة منها الإرهاب الدولي والصراعات الداخلية والدولية وزيادة الفقر، وذلك كله يؤثر على ضرورة إعادة هيكلة هيئة الحشد.

جهدت أحزاب ولاية الفقيه نفسها لإظهار الحشد بوصفه بطلا منقذا وإبداء الامتنان لدور الجمهورية الإسلامية وجهدها اللوجستي ومشاركتها الفعلية في تحرير الأراضي العراقية، بهدف تعزيز موقع ولاية الفقيه

في النهاية يجب وضع معايير محددة وواضحة لمناصب هيئة الحشد الشعبي واللجوء إلى استخدام القانون العسكري ضد المتمرد منها، وتنشيط دور أمن الحشد وقانونيته ومفتشيته لغلق المكاتب الاقتصادية ومعاقبة المخالفين ومنع العمل السياسي والحزبي، حتى تستطيع هذه الهيئة لعب دورها داخل جسد الدولة العراقية، بنحو منسجم مع قانون العراق ودستوره.

كما اقترح الراحل الهاشمي، إخضاع أعمال هيئة الحشد للرقابة المالية والإدارية، من خلال تفعيل دور الرقابة الحكومية والبرلمانية في هذا الاتجاه، للحيلولة دون إصدار قرارات غير شرعية تخالف أحكام القانون العراقي.

ويتساءل العراقيون، طالما أن ذريعة محاربة داعش، التي تأسس الحشد بموجبها، قد زالت، فما مسوغ بقائه إلى الآن؟

الواضح من الأمر كله هو أن ثوار أكتوبر وضعوا بنادق الحشد بغرفتيه الولائية والمرجعية في دائرة “القتل العمد”، إذ سقط المئات من الشهداء من بغداد إلى البصرة ومن ذي قار إلى بابل وأخيراً في مدن إقليم كردستان.. والسلام على الشهداء.

كاتبة عراقية

إرسال تعليق

0 تعليقات