التراث الريفي بين الماضي والحاضر

مشاهدات



بقلم ابراهيم المحجوب 


يبدو ان الفسلجة الفيزيائية والكيميائية في تركيبة جسم الانسان باتت تعيش الحنين الى الماضي اكثر من عهد العصرنة الحديثه... فمع توفر وتطور كل وسائل العصر من سيارات وطائرات وحاسبات مرتبطة بالانترنت ومصاعد وبوارج وناطحات سحاب. الا اننا نجد ان الناس اليوم وعلى اختلاف لغاتهم وعاداتهم وتقاليدهم وبلدانهم يميلون الى الزمن الماضي الزمن البسيط من بناء منزل متواضع بمواد اولية غير مصنعة اساسياتها من الطبيعة ويسمونه بالزمن الجميل ويتذكرون عصر الصناعة والزراعة البدائية ولسان حالهم يقول لقد مللنا زمن العصرنة بتكنلوجياتها وضجيجها وضوضائها ونريد ان نعيش ايام مبسطة وجميلة لانشعر فيها ان الآلة الصناعية اصبحت شريكنا الثاني في الكرة الأرضية واصبحت البشرية تعيش عصر السرعة والقرارات السريعة بدون تفكير مسبق بسبب جاهزية كل شي يدور في دماغ الانسان... 

ان الحنين الى الماضي اليوم اشبه باستراحة فكرية شاملة يستطيع الانسان من خلالها اعادة كل متطلبات حياته العصرية الحديثه.. بالاضافة الى انها اليوم لاتعتبر نوع من التخلف الفكري كما كان سائداً  لدى بعض الاوساط في نهايات القرن العشرين والذي يعتبر ان التطور التكنلوجي لايمكن الاستغناء عنه اليوم بسبب الصناعات العملاقة والصغيرة والتي دخلت في ابسط مطلب من متطلبات حياة الانسان اليوم....وان الانسان في العصر الحديث تختلف من ناحية الجسم والبنية عن الانسان في العصر الماضي...ولكن الحقيقة اثبتت غير ذلك فالشوق والحنين يراود الانسان الى العوده الى الهدوء بعيدا عن التلوث البيئي والعصرنه الصاخبه وهو بمثابة اجازة للعقل واستراحة للروح لتعيد برمجة نفسها من جديد بعد ان انهكها واتعبها كثرة المتابعة والمشاهدة في مواقع التواصل الاجتماعي والمعارض العلمية الحديثة.. فاصبح الزاما علينا ان نعيد ذاكرتنا الى ذلك الصفاء الفكري والهدوء التام....... 

وهنا اتحدث عن مانعيشه في الواقع الريفي العربي بشكل عام ولابد لي من ذكر اشخاص اهتموا بهذا الواقع في دولهم واخص بالذكر الدكتورة نعمات الطراونه من الاردن  الباحثة والمؤرخة لمياء شريف  من الجزائر وغيرهم الكثيرون في ارجاء الوطن العربي اما في الواقع الريفي العراقي وبالتحديد محافظة نينوى ومدنها وقراها ولما تتميز به من تنوع اقليمي وعرقي يفوق الوصف فالماضي القريب كانت الناس تعيش حياة البدائة وخاصة في الارياف حيث انعدام تام للخدمات من طاقة كهربائية وشوارع معبدة ولاوجود للاليات المتطوره في حينها فتجد الفلاح ورغم ان الدولة تعتبره الركيزة الاولى في الاقتصاد الا ان انعدام الدعم الحكومي في حينها مع اصرار هذا الفلاح لتحقيق طموحه واستغلال الارض لزراعتها وبطرق يدوية بسيطه الا اننا نلاحظ ان العراق في حينها كان مصدر للحنطة والمواد الغذائية الاخرى... عكس ماموجود حاليا... 

كل هذه المعطيات وَلدت جمهور واسع اصبح حنينه لماضيه اقوى من رؤيته للمستقبل او التفكير في الحاضر  واصبح الكتاب والمؤلفون يبحثون عن قيمة ومادة جديدة لكتابة مقالاتهم.. لانها تجد آذان صاغية وجمهور قراءة كبير..  فبدات تتولد طاقات ابداعية مميزة في هذا المجال والاهم من كل هذا ان اغلب الاكاديميين والنخب المثقفة اصبحت هي من يدير هذا الواقع فتجد الاستاذ الجامعي والطبيب والمهندس وكل حملة الشهادات العلمية الاخرى يتابعون وبشغف كل مقالة تنشر عن التراث الريفي.. اضافة لذلك قيام كتاب كبار من محافظة نينوى بتبني انشاء مشروع ثقافي ريفي يجمع كل الاطراف في مصب واحد وكان الدور الاول للدكتور ابراهيم العلاف الاستاذ في جامعة الموصل بقيامه ببث برنامج تلفزيوني يتحدث عن هذا الواقع والجدير بالذكر ان الاستاذ ابراهيم العلاف لديه المام كامل بالواقع الريفي كونه عاش فترة السبعينات في قرى ونواحي جنوب الموصل بصفته مدرس ثانوي في حينها وقد كتب منذ ذلك الوقت ولكن لقلة وسائل الاعلام في حينها لم يستطيع ايصال افكاره ومنشوراته الى كل جمهوره........ 

بعدها برزت طاقة شبابية اخرى طالما راودته فكرة ثقافة واقع الريف فتم وبجهود فردية اصدار مجلة صدى الريف والتي لاقت رواجاً واسعا والفضل يعود لمؤسسها الاستاذ جاسم الشلال الذي كرس وقته للقاء كل الكفاءات الذين يرغبون بكتابة مقالات عن هذا الموضوع وكانت النتيجة تاسيس هيئة تحرير مميزة لادارة المجلة واليوم بعد ان عبرت المجلة عامها الاول استطاعت ان تعيد مكانة الادب الريفي الى موقع التراث الحضاري الصحيح...ويعود للجهود المبذولة من قبل الاستاذ جاسم الشلال وهيئة التحرير من كفاءات وقامات ثقافية مميزة... 

وفي هذا الاطار برز في محافظة نينوى مواهب من هنا وهناك اجادوا صياغة الواقع الريفي ادباً وشعراً اضافة الى المحافظة على مخزونه الثقافي بكل اشكاله وصياغة مفرداته بشكل ايقاعي صحيح ويكون ايصالها الى اذن القارىء بطريقة بسيطة ومميزة. وهنا الاشارة الى الاستاذ الكاتب والشاعر الكبير المرحوم ابو يعرب الذي رحل عنا قبل فتره قصيره....

وفي ذات السياق ظهر ادباء وخاصة في منطقة جنوب الموصل وبعد توفر وسائل الاعلام الحديثه من مواقع التواصل الاجتماعي ومواقع نشر اخرى تم من خلالها تفجير كل الطاقات الابداعية وفي مختلف الطبقات الثقافية فتجد الاستاذ الاكاديمي نايف عبوش احد مؤسسي واعمدة هذا النوع الثقافي المميز وهو يشحذ الهمم لشعراء الادب البدوي والريفي ويواصل تشجيعهم لذلك وكان الشعراء الشاعر احمد ابو كوثر والشاعر الموجع بعتاباته بيج الماجد والشاعر عواد ابو زهيه و الشاعر جمعة خلف شرار وشاعر واديب الباديه محمود حمادي الهندي والشاعر غالب السبعاوي والاعلامي القدير فهمي الجبوري والاديب خلف العطالله والدكتور مفتاح الجبوري والدكتور المتابع علي عطيه والدكتور الشاعر الكبير حسين اليوسف الزويد وكثير من الاقلام المحافظة على تراثهم الريفي بالوانه واشكاله الجميلة.... واعتذر عن عدم ذكر الجميع فلكل موقعه ومقامه الادبي والثقافي......

إرسال تعليق

0 تعليقات