ثائرة اكرم العكيدي
هاقد اقبل الشتاء فأختبأت الشمس بحياء..
يا ليل الشتاء الطويل ..أقبل.. خذ مكانَك من السماء فقد ضاق بي ليل الصيف القصير.. أقبل أريدأن أبث الأحزان والأشجان.. أقبل وضم تحت عباءتك السوداء المستضعفين والبؤساء واطمس على أعين المستكبرين فلا يرون الفقراء الملتحفينَ عباءتَك فيؤذونهم بعدم الإحسان اليهم ..
اقبل ايها الليل الطويل فبك تصبح للكتابة وقتها رونق آخر.. تتزاحمُ الكلماتُ والتَّراكيبُ لا يعوقها شيء سوى نومِكَ وحدَكَ، فلا تتأثر برأي فلان ولا انتقادُ آخر وأُعاتبه على سرعة رحيلِهِ في الصيف فلا أكاد أستظل بِه حتى أجدَه ضاحيا لم أفرغ منه.
صقيع بردك في صدري كعلبة فارغة لا تُصدر غير الرجفة من شدة ما سكنها من قطرات الندى الباردة، وكثر ما تعبأت بالضباب المنهك الذي دس رأسه في جوفها هرباً من إيذاء المساكين. أظنني مدينة باردة جداً، بحاجة لمدينة دافئة جداً.. مدينة تكسر الأسوار، وتحطّم الجدران،أثمرك الغياب داخل أشجاري كلها. لامست الجنون في تصرفاتك، وبحثت في كتبي لعلي اجد شبيها لك بحثت في بستان جارتي عن شجرة تشبهك لم اجد بعدها بحثت عن فأس يقتلع قلبي عن روحي فلم أجد. كنت بالنسبة لي آخر وعد أقطعه لحب أُنهي به خرائطي، وما زال يهدهد قلبي، وما تزال ذاكرتي تسعفني بالمزيد من أمانينا البائدة. علّقت بالمطارات لوحات كثيرة، كلها كانت تخصك ولكنك لم تهبط أبدا.. إنما ظللت محلقة بلا مأوى ولا رفيق..نصبت بيوتا صغيرة من خشب لتاوي لها العصافير من قسوة برد الشتاء لعلك تاوي لي بها بضع كلمات تطمن قلبي انك مازلت تذكرني كنتُ كالأرض همها الوحيد الانتظار والمطر. ألا تمطري يا سماء..
لا أعلم ما الذي سيبقى بسمائي المنشقة بعد الدعاء؛ فقد تحطّمت ثقتي في وهمي، ويقيني.. وفي شكي وضميري.
لقد ظلت السماء حُبلى بولادات كثيرة .. حتى انشقت، وأدمت قلبي وأبكته..
ثورتي معك كانت صلاة، وحبك عبادة لم أكذب فيها كذبة واحدة. تعممت معك وتعمقت معك وامسيت على دينك حتى آمنت بأنني لا أجيد غير حبك، وصَمَتُ عنك فلم استطع مواصلة الصيام لأنني أحببتك، وما زال الحب يطيح بوزاراتي كلها إلى أن أيقظني في وزارة إسكانك الأخيرة وكنت الإقامة المباركة لكن لم اكن اعلم ان حبك لي كان عبارة محطة تمر بها مرور الكرام ..
لا اعلم هل اضعتني انت ام انا ومن اضاعك وأضعت معك طريقي مفاتيحي الكاملة، وبقيت انت نسختي الوحيدة التي لم تفتح سوى ذاكرتي معك. أقفالك لم أحسن صنعها. لم أحسن غير الوفاء باستحضارك رغم الأقفال، وخرائط الدنيا البعيدة. المسافات تذبحني كل ما جئت أستريح بغيرك. وأتألم لأجلك أكثر مما أتوجع لي.
كم توقعت أن تضحك مشاعري حتى تنسى أنها ذات يوم تكسرت وتفتت إلا أنّ الحب مشروع لا يستقيم بغير الحزن كما لو أن الحب رجلا قويا شرسا فعلا وكما لو أن الأنثى خلقت من ضلع أعوج لإثبات ضعفها. كنت على موعد مع أن أبقى مُخلصة وتهيأت لذلك ولكن لا شيء يأتي كما نتهيأ له أبدا .. حتى المواعيد. كنت أهيأ كل شيء ليكون نادرا وكان المكان والزمان الافطار والعشاء بالفعل الحب في بدايته نداءا حسيًّا ونفسيًا وقلبيًا وسحرا من الشوق والحنين .. إلى أن جاءت حادثة إجهاض قلبي مباغتة كغيبوبة في لحظةبنج لا عاداتي اشغلتني عن مكونات مشاعري التي بدأتها ونويتُ في ضّخها كمياه سدٍ تحطم، ولا عذرٌ لائق يواسيني في محنة إجهاضي. لم أتوقع فاجعتي من حدود صدري، ولا من مقبض روحي التي توكأتُ عليها في طريقي للحب .. لا أنكر أنني توقعتُ حدوث صدمات من خارج مسار هذا القلب الذي راهنتُ عليه أكثر بعد خيبة امل من حياتي السابقة من مجموع تجاربي الفاشلة والناجحة قبل هبوطه هديةً من السماء على قوم مشاعري ليدخل كضيف ويرحل .
نحن نخشى في الحب كل شيء الا قلوبنا . هذا الشعور الافتراضي على كل قلب ينبت في منتصف أحاسيسك فيبدأ أول ما تحس كمن تقرصه حشرة لا تؤذي، لتتحول بعدها تلك القرصة إلى دائرة منتفخة في مكان لذاكرة تلك الحشرة، تظل تلك الألوان تطاردك لمجرد قرصة وربما تحت وطأة الألم الطفيف تنتابك رغبة حكها لتوسع الدائرة أكبر.. فتبتهج الحشرة بتوسع نفوذها. تماما هذا شبيه برأيي لما يحدث للقلب أول ما يوقظه شعور لا يؤذي .. وتستمر الدائرة بالتوسع. القلب يسير على قوائم من نبض، أقدامه التي تهرول به إلى أبعد المسافات والأمكنة لا تكل ولا تعيا.في الحب تُختصر جميع المسافات في أقل من ميل مهما بعد وفي لا مسافة متى قرُبت.
ذلك البحر لم يعد قادر على إروائي. كل ما فيه عبارة عن املاح.لم اجد فيك قوقعة الامان والسلام سكبت فيك ذكرياتي بجميع الوانها ، وارتديتك باستغفاري، وتوبتي. ألوذ إلى نفسي لأشاهد في ماءك صورتي القديمة. أعود إليك فأجدك في وجهي مرفوع بغضبك، وماقت لكل ما يحويك من قناديى البحر حزينة ترتجف وتصدر اصواتا فتندلع معاركك في صدري، وتتحول كل الأصوات إلى حوضي المنهك. أيها البحر اخرج من داخلي دون أن تطفئ ما تبقى لي من ليلي. اسكتني ولكن لا تدع لي محنة جديدة لا أملك قدرةً على مجاوزتها بمفردي. ايها البحر اقسو كيفما شئت. انتشل ذاكرتي واغسلها بداخلك، واخرجني منها كيفما تشاء لا يهم المهم أن يبقى مني ضوء أنيق يساعدني في حلكة الروح هذه...
0 تعليقات