لوعة البراءة

مشاهدات


 

 

علي النصير


 
" عند باب المدرسة " من اشهر اللوحات العالمية التي وصفت بأنها احدى رائعات الجمال الفني للرسام الروسي ( نيكولاي بتروفيتيش بيلسكي ) رسمها سنة 1897 والتي توجد الان في متحف الدولة الروسية في( سانت بطرسبرغ) حيث تأخذ من يتأملها لعالم اخر عالم الفقر والشحاذ والبؤس وحالة الحرمان التي تعرض لها هذا الصبي وهو يقف على باب الصف ينظر لأقرانه وهم يتمتعون بفصل دراسي وكأنهم في كوكب اخر غير كوكب الصبي الفقير.
عندما نلاحظ اللوحة التي امامنا ونتأمل سيميائياتها ورموزها حيث نثر الفنان سحره بالكامل عليها فأننا نجدها تنطق رغم صمتها، فمضمون اللوحة يتكلم بدون وصف، كم من الجميل ان نسافر بكل صمت ونحن نركز بقوة على هذه الرائعة التي امامنا فلغة اللوحات عميقة جدا وهادفة وتحمل معنى كبير وعميق لمن يفهم ومن يبحر في عالم الفن والخيال.
الان لنعلل رموز اللوحة ونبدأ من الصبي حيث استطاع " بيلسكي " بكل فخر ان يصور لنا هذا الصبي الفقير وهو يرتدي الملابس الممزقة ذات الالوان الداكنة التي تتناسب مع عنوان اللوحة وتجسيدها، اضافة الى الحذاء الذي يرتديه حيث نرى ان قياسه اكبر قليلا من قياس قدم الصبي نفسه، حذاء داكن متسخ مرقع ايضا وقياسه كبير ملتف بخيوط تتصل بساق الصبي، السروال ممزق من الخلف كما واضح امامنا من زاوية الرسام، والعصا الخشبية التي يتكأ بها الصبي وهو يمسك بقبعته السوداء العتيقة، يحمل على ظهره حقيبة من قماش ابيض متسخ يجمع فيه بعض الزاد الذي يستطيع من خلاله اكمال مسيرته في مجاراة يومه المشؤوم، حقيبة من القماش المتسخ ايضا يحملها على كتفه تنسدل على جانبه بكل اناقة حيث يجمع بها ما يجده مناسبا له ويستفد به من العراء. نظرة التأمل والتمني والتحسر من الصبي وهو يرمق اقرانه كيف يجلسون بكل أريحية بملابس فاخرة انيقة يتداولون بينهم الدرس والسبورة امامهم اضافة للصور التعليمية المعلقة في صفهم. وفق " بيلسكي " في التفاته معينه حيث نرى بالرغم من فقر الصبي بملابسة الممزقة على انه يحافظ على اناقة شعره فنراه مصفف بشكل انيق رغم حالته التي يرثى لها.
يريد " نيكولاي " ان يصل لنا فكرته بأن الجهل ظلام والعلم نور، لابد لنا ان نبحث عن ذلك النور وان كان بعيدا عنا، لا يوجد شيء مستحيل ولا يضيع طريق أي شخص جعله هدفا امامه رغم الحالة التي يمر بها. من المؤلم حقا ان يصبح التعليم امتياز للبعض وليس حق للجميع. تختصر اللوحة بهدفها على ان هذا الصبي الفقير قد حرم من دخول المدرسة بسبب فقرة او بسبب ظروفا قاهرة معينه بعدته عن حلمة واي حلم وهو حلم المستقبل وهو يقف على اعتاب باب المدرسة وكانه حرم من دخول الجنة.
قيل ايضا ان هذه اللوحة هي تجسيدا للسيرة الذاتية للرسام الروسي " نيكولاي بيلسكي " حيث كان يعاني الفقر في حياته وانه حرم من دخول المدرسة وقتها وهو نفسه الابن الغير شرعي لعمال الفقراء، حيث اعتبر الفنان نموذجا رائعا بعدما اكتشفت مواهبه شيئا فشيئا حتى اصبح الرسام الشهير الذي بيعت لوحاته بشكل واسع في روسيا وعلقت في الكثير من المتاحف والمراسم والمكتبات فأصبح ذلك الفقير الذي لم يلاحظه احدا رغم وجودة على عتبه المدرسة حقا موهبه، نعم تلك الموهبة التي كانت مخبأة في الشعب الروسي البسيط التي ستلاحظ قريبا من قبل اشخاص متعلمين وغير مبالين بمصيره مثل استاذه الاول (راشنسكي)

تقوم اللوحة على مبدأ التضاد الدلالي: عالم الطفولة الفقيرة المعذبة وان تعمل في خافقها روح التوثب، وعالم الطفولة الباذخ الغني. هذا التضاد يضيء الهوة بين عالم الفقر وعالم الغنى. ان دروب الانسانية قد لا تلتقي ولكنها دوما تضيء.

 

إرسال تعليق

0 تعليقات