"أثر الاستعمار على الشرق الأوسط"

مشاهدات


 
مقداد كركري

إن بريطانيا وفرنسا تعدان من أبرز الدول الغربية التي حكمت منطقة الشرق الأوسط استعمارياً، وخلال فترة حكمهما لهذه المنطقة قاما بتغيير طابع المنطقة السياسي والاجتماعي،

حيث قامت هذه الدولتين بإنشاء دول جديدة تتفق مع مصالحهم السياسية دون أخذ الواقع التاريخي والجغرافي والاجتماعي بعين الاعتبار، خلفت هذه السياسة الممنهجة نتائج كارثية ورائها على شعوب المنطقة بشكل عام.

صنعت القوى الاستعمارية دول مبنية على أساس هوية قومية واحدة في حين أن الدولة كانت تتكون من عدة قوميات ومذاهب كما هو الحال في العراق حيث يتكون العراق من (العرب، الكُرد والتركمان، وغيرها من القوميات الصغيرة).

إنشاء دول بهذه الصيغة، أدخلت الدول الناشئة في صراع عقيم بين المكونات والحكومة على الهوية وهذا الأمر أثر على السلم الاجتماعي في الشرق الأوسط ككل وعمل على تدمير الأواصر الاجتماعية الاخوية بين شعوب المنطقة التي تعايشت مع بعضها البعض طوال قرون من الزمن بشكلٍ سلمي.

إن تقسيم  بريطانيا وفرنسا لِبلدان المنطقة فيما بينهما دون أخذ رأي شعوب المنطقة خلقت الكثير من العرقلات، وهي تقسيم تلك الشعوب بين دول مختلفة وبالتالي دخلت المنطقة في مشكلة كيفية ضبط الحدود والسيطرة على الحركات الثورية لهذه الشعوب التي رفضت تقسيمها وتحويلها إلى أقليات في دول جديدة لا تعترف بوجودها ولا تمنحها حقوقها الثقافية وبهذا دخلت المنطقة في توترات وتهديدات أمنية مستمرة عابرة للحدود؛ ومن أبرز الشعوب التي تقسمت بين الدول هو الشعب الكُردي الذي قسم أراضيه بين كل من (تركيا، ايران، العراق، سوريا) وحتى يومنا هذا لا زالت القضية الكردية والحركات الكردية في صراعٍ مع هذه الدول للحصول على هويته لا شك أن التقسيم  الاستعماري للمنطقة لم يراعي مصالح شعوب المنطقة، وكذلك لم تحاول تلك القوى حل المشاكل الناجمة عن تقسيمها للمنطقة وإنما ساندت أنظمة المنطقة ضد أي جهة معارضة لتقسيم منطقة.

لم يكن الكُرد وحدهم من عانوا التقسيم البريطاني والفرنسي، إنما الشعب الفلسطيني المظلوم والذي يعاني منذ عام ١٩١٧ ليومنا هذا، من الاحتلال البريطاني للاحتلال الصهيوني المدمر للمنطقة. حيث قام الاستعمار البريطاني بمنح الاحقية لليهود كي يؤسسوا لهم دولة يهودية ذات طابع ديني-قومي في فلسطين، ومن المفارقات أنه عند احتلال بريطانيا لفلسطين كان نسبة اليهود في فلسطين بين 5-7%، بينما كان غالبية السكان هم من عرب مسلمين، وسمحت بريطانيا بقدوم مهاجرين يهود من كافة أنحاء العالم نحو فلسطين والقدس وفي عام 1948، حيث ساعدت بريطانيا على تأسيس دولة إسرائيل على الأراضي الفلسطينية وبعد صراع وانتفاضات وحروب عديدة بين الشعب الفلسطيني والدول العربية من جهة وإسرائيل من جهة أخرى، بحيث أصبح الملايين من الفلسطينيين لاجئين في دول أخرى ولايزال هناك مخيم للاجئين الفلسطينيين في سوريا تحت اشراف منظمة الاونروا الدولية، ولا يزال الصراع الفلسطيني-الاسرائيلي مستمراً إلى يومنا هذا؛ مما أتيحت الفرصة لظهور جماعات إسلامية مسلحة مثل حركة حماس والجهاد الإسلامي وحركة فتح.

كما أن الاستعمار فرق بين الأمة العربية بتقسيمها للمنطقة ونشأت عدة دول عربية ذات أنظمة مختلفة ليحدث صراع فيما بعد بين هذه تلك الدول (كالصراع الذي يحدث بين الأنظمة الجمهورية والملكية في العالم العربي في القرن الماضي) إذ أنشأت بريطانيا دول ملكية كما حال العراق ومصر؛ بينما نشأت فرنسا دول على أساس نظام جمهوري مثل سوريا ولبنان إن تقسيم الوطن العربي بهذا شكل أضعف قدرات العرب وكذلك جعلهم دول صغيرة سهل السيطرة والتحكم بها كما أن معظم أنظمة الحكومية ناشئة كانت موالية للدول الاستعمارية  وتتبع سياسة داخلية وخارجية تتفق مع مصالح دول الاستعمار كما كان حال العراق خلال العهد الملكي حيث كان موالياً لسياسة بريطانيا في المنطقة وكانت تبني مواقفها السياسية وفق موقف بريطانيا.كما أن دولة  لبنان دخلت في حروب اهلية بسبب نظام محاصصة (ديني-طائفي) التي وضعت لها استعمار فرنسي..

أما من ناحية الدينية فإن منطقة الشرق الأوسط هي منطقة إسلامية بطبعها الغالب وتقسيم القوى الاستعمارية لها كان تشتيتًا للمسلمين؛ الأمر الذي جعل المسلمين برفضه، وعلى ضوء هذا التقسيم ظهرت حركات إسلامية تدعو لتوحيد الأمة الإسلامية  بعد التقسيم والشتات ومن أبرز الحركات الإسلامية التي ظهرت هي حركة إخوان المسلمين في عام 1928 بقيادة حسن البنا في مصر عقب سقوط الخلافة العثمانية الإسلامية وأبرز أهداف هذه الجماعة كانت إعادة الخلافة الإسلامية وتوحيد ولم شمل الأمة الإسلامية بعد التقسيم الذي حصل، وكذلك أن يتم العمل بالشريعة الإسلامية الذي تم إلغائه من قبل القوى الاستعمارية الغربية، وكذلك الجهاد من أجل تحرير الأمة الإسلامية من أي تبعية إجنبية عليه، كما ظهرت تنظيمات دينية أخرى ذات طابع متشدد ولم تعترف بالحدود السياسية في منطقة الشرق الأوسط مثل تنظيم داعش الإرهابي الذي كان عابراً للحدود ونشطت في عدة دول مثل سوريا والعراق وليبيا والذي قُضي عليه من قبل القوات في الشمال السوري بما يسمى قوات سوريا الديمقراطية.

فالقضية الكردية والفلسطينية لم تحل حتى اليوم وهناك صراع دائر في المنطقة بسبب هاتين القضيتين؛ كما أن التقسيم خلق بيئة ملائمة لظهور حركات دينية متطرفة ترفض واقع الحالي بين الحين والآخر وتهدد السلامة الأمنية للدول، كما أن معظمها لا تعترف بكافة القوميات والمذاهب التي تعيش فيها ما خلق أزمة الصراع على الهوية داخل تلك الدول. ولا شك أن  تأثير الاستعمار وتقسيم المنطقة شمل كافة الشعوب ومعظم جوانب الحياة في شرق الأوسط مثل جوانب (سياسية، اقتصادية، دينية، قومية…. الخ.

 إن هذه المنطقة ستبقى ساحة الصراعات دولية وإقليمية كونها أكثر منطقة تعاني من ازمات وعضلات سياسية واجتماعية اقتصادية وأمنية، وإن الجهات غير راضية عن واقع سياسي الحالي وحدود السياسية التي رسمها الاستعمار ستبقى في حركة دائمة تناهض هذه الحدود وتعمل على تغييره بشتى الطرق والسبل،وإن الشعوب التي تجد نفسها تتعرض للظلم والاقصاء من قبل أنظمة سياسية في منطقة ستبقى تدعو لحقوقها قومية؛ كما أن حركات الدينية التي تجد في شتات الأمة مصيبة خلفها الاستعمار ستبقى تنادي بتوحيد وتهدد أمن الأنظمة القائمة بين الحين والآخر ما لم يتم وضع حلول جذرية لهذه الأزمات المتراكمة.

إن طريقة حل كافة هذه القضايا تكمن في مقترحات ونظريات سياسية مطروحة من الشعوب منطقة الشرق الأوسط ذاتها فالسلام والأمن والبقاء هي الغاية التي يبحث الجميع عنها في الشرق الأوسط، إن زرع الثقة المتبادلة والاعتراف بكافة القوميات والمذاهب في دول المنطقة ومنح الحقوق الثقافية القومية والدينية للجميع كفيلة بأن تخمد نار الصراع في الشرق الأوسط…























إرسال تعليق

0 تعليقات