ثائرة اكرم العكيدي
الحب هو أحلى قوة يمكن أن يشعر بها الإنسان في الحياة
فالصحراء ستكون مسرورة لو نبتت فيها زهرة ،وبالتأكيد أيضا أن (زهرة الحب) تبقى لها ميزاتها الجمالية والعطرية والمعنوية في حياة العالم اجمع وحياة العراقيين خاصة، والذين يولد الكثيرون منهم شعراء بالفطرة ، وعشاقا بالفطرة .. وفي زحمة الموت والخراب ، يبقى الحب هو الحب ، الذي لا توجد كلمة مرادفة له ، لأنه عنوان الشباب الدائم والعنفوان ..
ان الذين يعتقدون أن الفاكهة تنضج في وقت واحد كما الفراولة لايعرف شيئا ً عن العنب حكمة يسردها أريك فروم إذ يتحدث بها عن الحب والمعرفة. لاحب بلا معرفة بمعنييها النظري والعملي كأي فن آخر. أن الحب اي حب كحب النفس والوطن وحب الحبيب وحب الله هو جواب لسؤال وجودي لطالما شغل بال الإنسان. فعندما يولد الإنسان تولد معه القدرة على إدراك الأشياء كإدراك وجوده الحالي, إدراك ماضيه وإدراك كل الأمكانات لإستشراف المستقبل. يولد الإنسان ويولد معه سؤال دائم يجلب له الخجل والشعور بالذنب لأنه يولد معه عاريا كما خلقه الله. السؤال هو: كيف يمكن التغلب على حالة الضعف أو حالة الإنفصال عن الطبيعة كالإنفصال عن رحم الأم وفيما بعد الإنفصال عن حليبها أوالإنفصال عن العائلة نفسيا بعد البلوغ حيث يكون اكثر خصوصية .الحب بكل أنواعه أو قُل الحنين الحنين للعودة للماضي إلى التلاحم مع الطبيعة من خلال البحث عن النهايات حتى لو كانت مؤلمة كالموت فالموت نفسه هو نوع من أنواع العودة إلى رحم الأرض التي أتينا منها.
هل نحن اليوم بحاجة لعيد الحب أم نحن بحاجة للحب؟ هل نحن بحاجة للحب فعلا ً كي نخفف من ذلك الألم وذلك القلق الذي يولد ويعيش معنا في كل لحظة؟ بالتأكيد نعم, ولكن ليس الحب بالمعنى الرومانسي فحسب بل الحب بمعناه الشامل الذي يتضمن كل الإنسانية. الحب الإنساني, هو الجواب على سؤالنا الوجودي الذي يولد مع الإنسان, ذلك الذي يولد العزلة والإنفصال والشعور بالوحدة والإغتراب النفسي. ربما يكون الحب الرومانسي على مستوى التجربة الشخصية جوابا ً عند البعض من الناس, لكن الإندماج بالمعنى الإجتماعي بين مختلف مكونات المجتمع من دون أن تتنازل عن خصوصياتها الذاتية التي تمنحها الهوية هو معنى آخر للحب والتوحد من خلال اللآخر, الآخر المختلف الذي لانكتمل إلا به.
نعم هناك طريقان للإجابة عن سؤالنا الوجودي, الطريق الأول هو من خلال نشر الكراهية بإشعال الحروب المدمرة لنغرق في حب النفس حب الذات حب السلطة وحب الإستهلاك. أما الطريق الثاني فهو من خلال الحب حب الآخرين حب المعرفة حب الخير وحب الإنسانية. مانحتاجه اليوم هو الحب وليس عيد الحب فقط مانحتاجه هو معنى الحب وليس شكله مانحتاجه هو جوهر الحب وليس أطاره الجميل. فعالمنا الغارق بالدماء والحروب والجوع والإستغلال بكل أصنافه يحتاج لجرعة من مشاعر جميلة لنجعل منه أفضل. يمكن أن يكون الإحتفال بعيد الحب مدخلا ً جميلا ً للحب الإنساني وذلك من خلال التجربة الذاتية للفرد, لكنه بالتأكيد غير كاف لجعل البشرية تشعر بالسعادة. وحين لانتقن فن الحب سنفتح حينها ألف باب للكراهية.
ولأن العراقيين متمسكون بالحياة والحب والسلام الى حدود تفوق التصور، فقد تفننوا في ابتكار وسائل التعبير عن مكنوناتهم واحاسيسهم، مستغلين مختلف الاعياد والمناسبات لتحقيق هذا الامر ومن هذه المناسبات عيد الحب الفالنتاين الذي يحل سنوياً في الرابع عشر من شباط، حتى ان العراق شهد خلال السنوات الاخيرة احتفالات غير المسبوقة بهذا العيد ، برغم المعاناة والمآسي الكبيرة التي مرت به . ومن العراقيين من جعل يوم الحب يوماً لزفافه وهذا اهم تقليد دأب عليه الشباب العراقيون في السنوات الاخيرة لترسيخ مبادىء الحب والسلام . اما المتزوجون تقليديا من دون حب مسبق فقد جعلوا من عيد الحب نغمة تطرب لها ايامهم بعد الزواج. وتتنوع طقوس الاحتفال بـه بين مناطق مختلفة من العالم فالجميع يحلم ويتمنى العيش بأمن وسلام وتحقيق السلم الاجتماعي وضرورة ترسيخ المبادىء الانسانية القيمة في نفوس الاجيال الجديدة.
تفسير تلك الحاجة الى جانب علماء النفس مثل فرويد في تفسيره لغريزة الحب واريك فروم في كتابه فن الحب فوجدوا ان سبب الحب هو حاجة الانسان الى التعلّق بشخص او جماعة او وطن. ومع انهم جعلوا الحب من اجمل الفضائل.. فاننا نرى ان الحب هو خيمة الفضائل كلها..لأن الحب يقضي على شرور النفس وامراضها.. فان تحب فهذا يعني انك لا تكره، وانك تتمنى الخير للآخرين، فضلا عن ان الحب يجلب المسرة للنفس والناس ويجعلك تحترم حتى الطبيعة وتعمل على ان تجعلها جميلة. وبالصريح، لا يوجد شيء في الدنيا اجمل واروع من الحب، لأن الحب هو الفرح.. هو النضج..هو الكمال.. هو اليقين بأنك موجود.. باختصار ، الحب هو الجنة التي يأتي بها الحلم الى الدنيا لتعيش فيها آدميتك كأنسان، ولهذا فانه صار شعار كل الاديان الذي دفعهم الان الى تخصيص يوم عالمي باسم اليوم العالمي للوئام بين الأديان. لقد صار يقينا ان العراقيين موصوفون بالحب.. وما يجعلك تفرح.. تغني.. تثق بأنهم صناع حياة،انك تراهم يتفننون في التعبير عن عيد الحب. يتبادلون دارميات جميلة..بطاقات ملونة.. هدايا للزوجة..للأم .. للحبيبة.. ورود حمراء.. الأروع، انك لو دخلت قلوبهم لوجدتها باقة ورود ملونه.. مكتوب عليها بالأحمر: نحبك..يا عراق..
الذي يعجبك في العراقيين ان قلوبهم في الحب تبقى تنبض به برغم ان مصائبهم مسلسل تراجيدي والذي اعرفه أن اول آلة قيتارة واول عود وأول نص غنائي..كانت من صنع السومريين،ما يعني أن اجدادنا السومريين هم اول من عزفت اوتار قلوبهم للحب وغنت له. ولكنني لا اعلم ما اذا كانوا قد ورثوا (جيناته) من مجنون ليلى الذي خفق قلبه لها لحظة راى الرماح وهو في ساحة الحرب فانشد
قائلا:
أتُبصِرُ يابنَ عوفٍ حيَّ ليلى ..تَدجَّج في السلاح ولا تراها؟
فما لي لا أُحَقِّقُ غيرَ ليلى... وإن كثُر السوادُ لدى حماها
لقد ألقَى هوى ليلى حجابًا... على عيني فلستُ أرى سواها
وبغَّضتِ النصيحَ إليَّ ليلى.. وسدَّ مسامعي عنه هواها..
نحن العراقيون لسنا بعيدين عن هذه المعاني السامية فحينما نتنادى لبناء وطن خربته الحروب وتسلل الإرهاب إلى مفاصله الحيوية بـ «الحب سنعمره سيكتب التاريخ ذلك ،فعندما يكون الحب فضاء شاسعاً نتقاطر تحت سمائه، متناسين جراح الحياة الطويلة لنشد على يد وطن عظيم وننشئ أسطورته المثالية من جديد « ، فكل عام والعراق ينعم بالحب .
0 تعليقات