هل من فرصة لعودة الوعي؟

مشاهدات



فؤاد مطر


في زمن الإنتفاضة اللبنانية التي أطفأ الكثير من جذوتها التعامُل بإستهانة وعند الإضطرار بإهانة من النظام اللبناني بكل رئاساته وتفرعاتها ومعه الإنقضاض المتدرج من جانب تيار الرئاسة الأُولى وساتره “حزب الله” من جهة وحليفة الحزب من جهة أُخرى حركة “أمل”… في ذلك الزمن الذي تتوق الأطياف اللبنانية المؤمنة بالوطن والسيادة إلى عودة حيويته عل وعسى تصطلح الأمور التي لم تصطلح على مدى أشهر الحَراك المنزه عن التعصب والفئوية، نشطت ظاهرة التعبير عن الغضب وذلك بالكتابة على جدران مباني الوزارات بمن في ذلك وزارة الداخلية والمصارف وشوارع العاصمة والطرقات المؤدية إلى المطار. وكانت الكتابات في معظمها رديئة بل إن عبارات الشتائم كانت أحياناً من النوع الذي يوجب الحياء عدم ذِكره. ولم يسلم أي من الرؤساء وكثير من الوزراء والمسؤولين من كتابة شتائم في حقه.

ولكم كان محزناً رؤية مبان إتسمت بأعلى درجات الرقي وشكلت العصب التجاري للبنان وقد أقفلت المحلات فيها الأبواب وعززت الإقفال بأبواب حديدية، كيف أنها إمتلأت بكل أنواع عبارات الشتائم كُتبت برداءة وإعتمدت إهانة هذا المسؤول أو ذاك.

يصعب على مَن عرف بيروت قبل هذا الوجه البشع لها أن يتحمل كيف أن المدينة التي كانت أم الشرائع باتت أم الشتائم وكيف أن أهل الحُكْم فيها عن ذلك ساهون، مع أن جل الشتائم التي تتسم برذالة المفردات إستهدفتهم.

ولكن كيف لا يكون هؤلاء ساهين وهم الذين يتبادلون عبْر تغريدات وتصريحات تتناقلها وسائل الإعلام أسلوب الشتم نفسه مع إختلاف في إختيار المؤدَّب والمهذَّب من الكلام، والذي مع ذلك لم يحقق النتيجة الإيجابية لمعالجة الوضع المتردي.

منذ أن بدأت جذوة الإنتفاضة بالإنطفاء تدرجاً، بات اللبنانيون الحائرون في أمر رئاساتهم الثلاث وكيف تدير شؤون الدولة غير مكترثة بأحوال الناس، ينتظرون يوم الأحد من الأسبوع لسماع ما تحويه عظة البطريرك الماروني الكاردينال بشارة بطرس الراعي من كلام قد ينبه أهل الحُكْم إلى سيء إدارتهم لشؤون البلاد والعباد، وذلك على أساس أن البطريرك الراعي تصرَّف منذ أن طرح صيغة الحياد حلاً للبنان الشعب والكيان، على أن كلامه بمثابة دقات الجرس التي تُسمع ويلقى كلامه التفعيل لتعديل الإعوجاج في ما هو حاصل. ولقد قال البطريرك من الكلام ما هو كفيل بتحقيق المأمول لو أن أهل الحُكْم تعنيهم كرامتهم. وكيف ستعنيهم إذا كانوا تجاوزوا ما كُتب من عبارات الشتم التي تمس الكرامات والأعراض أحياناً على مدى أسابيع الإنتفاضة! وعندما يخاطب الراعي أهل الحُكْم في إحدى عظاته بالقول “ألا يشعر المسؤولون بالخجل” فإنه كان بذلك يتوقع حدوث حالة من عودة الوعي إلى المسؤولين، لكن خاب أمله بدليل قوله في عظة أُخرى للمثلث الرئاسي الراهن بكامل مخططاته المعلن عنها تلميحاً والمعمول من أجلها بكل عزيمة “إن كان ثمة من يراهن على سقوط الدولة فليعلم أن هذا السقوط لن يفيده ولن يفتح له طريق إنتزاع الحُكْم لأن إنتصار بعضنا على بعض مستحيل بكل المقاييس ولأن اللبنانيين شعب لا يقبل إصطناع دولة لا تشبهه ولا تشبه هويته وتاريخه ومجتمعه ولا تجسد تضحيات شهدائه في سبيل الحرية والكرامة…”. ثم يأتي التدعيم الواعي لهذا الكلام النصيحة في صيغة مماثلة من جانب رأس المرجعية الأرثوذكسية في لبنان المطران الياس عودة الذي هو الآخر لا تخلو عظات قداديس الأحد من تذكيرات قد تنفع الذكرى وتنبيهات قد تجعل الأمور تستقيم، ومن هذه قوله “لن يستقيم الوضع في لبنان إلاّ عندما تصبح المراكز التي يتولاها اللبنانيون تخص الوطن بأسره، لا طائفة هذا الموظف أو ذاك المسؤول، وعندما يعمل هؤلاء من أجل خير لبنان واللبنانيين، لا من أجل مصلحة الطائفة أو المذهب. أما القامات والرجالات الكبار فينسحبون بعزة وكرامة وهؤلاء عندما يقترفون خطأ، دون تشويش على القضاء أو خروج على القانون”. هو بكلام آخر يقول: لماذا لا تستقيلون فترتاحون وتريحون؟

لا الوخز المعنوي الذي يدمي الكرامات والمتمثل بما حوته الشتائم في حق أهل الحُكْم والمصارف التي ملأت جدران المباني أفاد، حيث ما زال السلوك على السوء نفسه. فهل إن الكلام-النصيحة من المرجعية الدينية الثنائية الراعي-عودة ستشكِّل وخزاً فاعلاً للضمائر وبذلك يستعاد الوعي الذي إذا إستمر مفقوداً يفقد اللبنانيون وطن الآباء والأجداد.. لا قدَّر الله حصول ذلك.

عسى ولعل نصحو على مفاجأة تكون بيروت إستعادت جمالها ومهابتها وأزيلت كل هذه الشتائم المكتوبة على مباني مؤسسات الدولة والمصارف، وحلت محل ذلك ما يشبه تلك المسحة الراقية والحضارية التي تعيشها مدينة جدة التي تابعنا في صحيفتنا قبل أيام ما بدأه عشرات من المتطوعين حيث يزينون شوارع المدينة وجسورها بفنون الخط العربي وبحيث باتت هذه الجسور والجدران تنطق جمالاً أخَّاذاً يبعث في نفس المشاهد حالة من الفرح. وهذه في أي حال إحدى إفرازات رؤية 2030 التي باتت مثل شجرة كل غصن جديد فيها يحمل الإخضرار والثمار فنوناً وتطلعات حضارية نحو عصر ذالاينخط حفيد ولي العهد الأمير محمد بن سلمان برسم عموم العالم. رعاه الله وحقق أمانيه.

إرسال تعليق

0 تعليقات