أمام شاشات التنصيب..الشعوب والزعماء

مشاهدات



د. فاتح عبدالسلام


في لحظة شديدة الدقة، ربّما تتساوى عيون أطفال نازحين ومهجرين ومشردين أو في بيوت الصفيح والخيام في بلداننا المترعة بالنفط والثروات مع عيون حفنة من زعماء العالم الثالث أو الرابع أو الخامس، وهي تتطلع الى مراسم تنصيب رئيس أمريكي جديد، من الصعب التكهن بالذي سيقوم به أو بما يُفرض على وضعه في طريقه. 

الرجل الفقير المشرد يتساءل ماذا يستطيع أن يقدم لي الرئيس الجديد لأكبر قوة في العالم وخطابُ التنصيب مغرق بتكرار الديمقراطية والعدالة في امريكا والعالم. أمّا زعماء العرب فهم يعرفون اللعبة جيداً وكيف ستدور الدوائر مع كل إدارة أمريكية جديدة تحتاج عزفاً مغايراً حين المرور من أمامها. وهؤلاء الزعماء برغم ثرائهم وجيوشهم وجاههم، كأنهم يقبضون على الريح حين يرون رئيساً أمريكياً يغادر وآخرَ جديداً يجلس مكانه، ذلك انّ كُلّ شيء مرهون بما تراه واشنطن، حتى عندما لا ترى شيئاً .

العرب لا يدركون انّهم اليوم في أوهن أوضاعهم، وانَّ اعادة فتح سفارات بين الدول الزعلانة على بعضها البعض يستغرق من التفكير والاحتياطات والمفاوضات والصفقات اكثر أضعافَ ما تحتاجه عملية تطبيع تاريخية.

ثمة ساعات عديدة فارغة يسودها الغموض، وربّما تكون أياماً، بحكم فرق الوقت، بعد تنصيب رئيس أمريكي جديد، يبدو العرب فيها كمثل العُراة في أرض مكشوفة، لا يشغلهم سوى اعادة توكيد أغطية البيت الأبيض على أجسادهم أمام ريح تعصف بها في الداخل والخارج. 

صحيح انَّ دولاً كبرى أيضاً تحبس أنفاسها مع كل ولاية جديدة لرئيس أمريكي، لكن المشاغل تختلف والمطالبات على درجة كبيرة من المغايرة لما يفكر به العرب.

لا نستبعد أن تكون التنظيمات الارهابية هي أيضاً، لازمت الجلوس على لهفة وانتظار، قبالة الشاشات، ترقب مراسم صعود رئيس من نفس فصيلة ذاك الرئيس الذي طمأنهم أنَّ لا شيء سيتغير قبل ثلاث سنوات، حين احتلوا ثلث العراق وجعلوا أهم مدنه عاصمة لهم تحت انظار الاقمار الصناعية الامريكية، التي اشتغلت فعلاً بعد ثلاث سنوات، وجرت عملية ازالتهم بذلك الثمن الباهظ الذي دفعته الملايين.

البيت الابيض اليوم له شأن داخلي عظيم يخص هوية الامة الامريكية ، وليس كما كان في سائر الرئاسات السابقة. من الصعب أن يخطر بباله اليوم ذلك المشرد أو المقموع أو المسحوق تحت خط الفقر بأميال في بلداننا، مثلما يكون من العسير عليه التفكير بمشاغل الزعماء الذين ينتظرون أدوارهم ومواعيدهم في تقديم الولاء، ولا همَّ لهم سوى تجديد الأغطية .

إرسال تعليق

0 تعليقات