الفستان

مشاهدات



فائزة محمد علي فدعم


اخبرتني الوالدة أنه قبل حوالي تسعين عاماً اغار كلبٌ مسعور على خالي ورجلا  اسمه لالول ( ابو جهاد ) عندما كانوا صغارا في السن فذهب الاهل بهم الى بغداد . الى مستشفى تسمى العزل . من خلال تلك الحادثة تعرف اهلي على السيد لالول . 

بقيت العلاقة مستمرة بينهم حتى بعد شفائهم  وعندما اصبح لالول شابا عمل في شلابة الحبوب وكان يأتي كل حين لجلب تراب الحنطة الذي كانت تطرحه فيجمعه وكنا نستعمله لغسل الاواني والقدور انذاك فقد كانت هذه الطريقة سائدة حتى عام ١٩٥٥ مع الليفة التي تستخرج من نبات مُتسلق يُزرع في البيوت والبساتين يُسمى ( الليف ) وبعد غسل الاواني به مع التراب تُستعمل صابونة تُسمى ( لوح ) مع مجموعة من الاسلاك المُتداخلة مع بعضها تسمى حاليا ( جلافة )وفي احدى زيارات السيد لالول لوالدي وهو يشرب معه الشاي قال له : (حجي هاي شنو ) وهو ينظر الى كتب مركونة على جانبه فاجابه : هذه كتب اشتريتها لابنتي من بغداد ونسيت اعطائها لها لاني دخلت ليلا فقلَّبها ولم يعرف ماهي وخرج بعد اعطائه ثمن تراب الحنطة لكنهُ فوجىء بحركة العربة وانا اقودها فاسرع لايقافها واستلام زمام الامور وانقذ الحمار من هذه المُغامرة ورحل عائداً الى الشلابة فدخلت الدار على أمل ان اكررها عند زيارته لنا في المرة القادمة .

فاجأني والدي بالكتب التي فرحت بها جدا وهي روبنسن كروزو وألس في بلاد العجائب ومجلة بها رسوم تشبه الكارتون الان وضعتها على الكرسي لاكمل اللعب عند عتبة الدار وفي اليوم التالي طلبت من ابن خالي ان يشرحها لي وانا اقوم معه بالقراءة وكانت قصة روبنسن كروزو جميلة جدا للكاتب دانيال ديڤو وهي تتحدث عن السفينة والقراصنة والبرازيل واوربا وانگلترا ونجاتهم من الغرق بعد تحطمها وذهابه الى جزيرة مهجورة وكيف تأقلم مع الوضع وتعرف على خادمهُ الذي اطلق عليه اسم ( جمعة ) ومكثوا لمدة 28 سنة وزرع الذرة وربى الحيوانات حتى عاد الى اهله وكان يقرأ الانجيل فاصبح خادمه مسيحي الخ ...

اختمرت الفكرة في رأسي وأردت تطبيقها وكانت لدينا اواني كبيرة (صواني ) مصنوعة من ( النحاس ) لعمل المعجون وكانت معي صديقتي رابحه اسميتها فرايدي وعلى سطح الدار بدأت المغامرة واحضرت طعاما ووضعته في الآنية وكل مُستلزمات الابحار وقد كان سطح الدار كالعادة من التراب والتبن .

كان الاهل في ذلك الوقت يُخزنون الماء في السطح لرش البيوت صيفا . دخلت الى غرفة الوالدة التي كان كل شيء فيها جميلا وراقياً . على السطوح والشبابيك المصنوعة من الخشب وترفع بواسطة السقاطة يتحكم في فتحها وغلقها الشخص لان الشناشيل سابقا كانت بهذا الترتيب واخترت فستانا زاهي اللون لصنع علم القراصنة وبحثت عن مقص فلم اجد . ولكن كانت جارتنا بنت احمد افندي (خالة حسيبة ) امي الثانية هوايتها حياكة الجواريب لفصل الشتاء لقضاء الوقت والتسلية فتسلقت السرير ومن اعلى الحائط طلبت منها المقص فأعطتني اياه وقمت بقص الثوب وصنعت العَلَم وربطته على المحجر ( السياج الحديدي الذي يُحيط السلم ) دليل على وجود روبنسن على الجزيرة واعدته لها فورا وقمت برش الماء على السطح لاصنع بحراً والوالدة والاهل في الطابق السفلي . اسمعهم يصرخون ( انزلي غرق السطح ) وبعد رحلة شاقة تحت الشمس وحرارة الاواني عدنا الى انكلترا انا وجمعة عند الظهر وانتهى الموضوع .

ومن الذكريات الجميلة التي وددت نقلها اليكم ايضا هي : قيام السيد عبد الجبار المعمار القيسي والد السيد عبد الله وتوفيق وخالد وعبد الودود بدعوة الاهل والجيران لحضور ختان اولاده حفلة (حناء) كانت ليلة تشبه ليالي الف ليلة وليلة ) وجاء ( الشعَّار وفرقته ) من بغداد كما يسمى سابقا ومعه التشابيه المصنوعة كلها من الخشب وتحركها الفرقة مرتدين ملابس راقصات .بدأت الزفة من قنطرة خليل باشا الى السوق وكان من اروع المناظر ليلا والاولاد يمشون وهم يرتدون الابيض وامامهم اصدقائهم مُحملين بصواني فيها الشمع والجكليت والياس والنسوة من وراء الابواب يُزغردنَّ . حضر الجيران لاخذ والدتي الى الحنة فبحثت عن الثوب فلم تجده . وقد كان الفستان خياطة الست ليلو ام سهام ( اليهودية ) اخت صاحب سينما ديالى ( بيت يهودا ) والوالدة تلبسه في المناسبات فقط لغلاء سعره . سألت الجميع عنه لكن دون جدوى واخيرا التفتت الى الاعلى لترى فستانها الثمين وقد تحول الى علم روبنسن كروزو .

إرسال تعليق

0 تعليقات