من واقع الحياة..

مشاهدات



د. سحر أحمد علي

سوريا / اللاذقية


تراودني بديهيات روتينيّة يوميّة نتعايش معها جميعاً بكلّ عفوية ولا ندرك ماهية التعامل معها أو ربما نتسرّع بالحكم عليها كعامّة شعب يريد مصالحه أن تكون بمثابة كن فيكون!؟ 

لماذا لا نذكر إيجابيّات ما يصدفنا من مساعي الحياة التلقائيّة وبدون مشاحنة وأن نقدّر تعب الآخرين وبالشكل الذي يليق؟

مشيت وقت الظهيرة إلى إحدى الجهات الرسميّة لإجراء بعض الضروريّات الوظيفيّة، رأيت أفراداً منهمكين في خدمة الزّبائن وكلٌّ يجلس وراء طاولته بالشّكل المنظّم الأنيق، ولم يكن هناك أيّ حاجز بين الموظّف والنّاس سوى شبك بلوريّ يمدّ المراجع يده من نافذة صغيرة خصصت لخدمته.. 

شاء أن يكون حظي مع بعض النّاس والذين رتّبوا أدوارهم الطائلة منتظرين قدوم الموظّف أو الموظّفة وقد تململوا مُكْثرين من التّأفيف والتّنفيخ والتّبجيح.. 

قَدِمَ الموظّفُ ماشياً بشكل منهكّ وقد بدا على وجهه شحوبٌ وتعبٌ وعلى الرغم من ذلك استمرّ في الخدمة المطلوبة غير آبه لسخرية البعض واستهزائهم لتململه وبطئه الشديد.. مدَّعين أنّ للوقت ثمناً، وهم بأمسّ حاجة له! وكلُّ فرد يأخذ طلبه في المعاملة بقرف وتأفّف؟! وصل دوري طبعاً بعد مدّةٍ طويلةٍ من الوقت وتناولت ورقتي شاكرةً جهوده المتواصلة.. 

ثمّ رجعت وأنا أفكر طيلة طريقي بهذا الموظّف وغيره من الموظّفين المظلومين معنوياً.. 

ترى لماذا يجب على الموظّف دائماً أن يكون مُهَاناً!؟ 

لماذا يجب على الموظّف أن تُنْتَهكَ كرامتُه وحقوقُه وهو يعاني مثل بقيّة المجتمع من حالات وحالات!؟

لماذا ننظر على أن الموظّف يجب أن يكون عبداً أو بشراً آليّاً وأن يقبل إهانة الزّبون وتجريحه بكلامٍ منبوذٍ وغير مسموحٍ له أن يردّ حتى بمجرّد اعتذار، كأنما يعتبرونه صورة تمثاليّة مؤسسيّة سياحيّة؟!

أليس بشراً مثلنا وله ظروفه النفسيّة والجسديّة والمعنويّة؟! 

إنه بحاجة إلى الكلمة المريحة الطيّبة ممّا يحثّه على تحمّل ومواظبة ساعات العمل الطويلة على الرغم من انفعالاته المكنونة داخل نفسه!! 

ربّما أحدهم يقول: عندما لا يدرك أنه بمستوى الوظيفة والعمل فليذهب إلى الجحيم ويفرغ مكانه لغيره!! 

طيّب وغيره أليس بمثله؟ وهكذا!! 

هل سيكون ملاكاً مثلاً ويتجاوز كل خطوط البشر؟

من منّا منزّه من فجائية التّعب أوالجوع أوالعطش أو ممّا يحمله من هموم البيت، أو حساسيّة معينة في العمل أو تصرّف غير لائقٍ من المراجعين لدرجة نفاد الصبر، وأحياناً عند أول مهاترة أسرويّة حتى يصل إلى أوج عصبيّته!

لماذا نريد أن نحصل على ضروريّاتنا المعيشيّة بمنتهى المثاليّة ولا نغفر أو نعذر كبوات أو ذلات الآخرين ولا نساعدهم في ظروفهم غير المرئيّة مثل الموظّف كمثل المدرّس أو المدرّسة التي لم تتمنّع عن إعطاء الدرس وبكلّ محبّة على الرغم من عناء بعضهنّ النفسيّ والصحيّ ثمّ يقابلها منظر أحد الطلبة المستفزّين المتعجرفين بحركة سوقية توتر أعصابها أو ثرثرة جانبيّة تقودها إلى أسلوب لا يعجب البعض، فيقف متوعداً لها بمكيدة، فإذا ما وصلت ووصفت حالة هذا الطالب إلى ولي أمره الذي يزيد الطين بلة هو الآخر بتصرّفهِ تصرُّفاً مهيناً للأستاذة، مستهزئاً برسالتها التربويّة!! مسبّباً أحياناً صعقات صحيّة نفسيّة ربما علاجها دائم طويل المدى.. 

لماذا نتّهم الآخر دائماً وكأنّنا بشر معصومون؟! 

لماذا يحقّ لنا كلّ الحق ولا ندرك تمام حقوق ومشاعر وصون كرامة الآخر في كل مجالات عمله الوظيفيّة!! 

أم أننا شعب تعوّد على الدلال، فيجب علينا أن نحتكر طاقة الاحترام فقط للسطحيّين كثيري الكلام وقليلي الإحسان، أي من يمثّل لنا الاحترام بالكلام الوهميّ دون تلبية ما نريده من محقوقيّات ومستحقّات؟!

هذا يذكرني بشاعرٍ حكيمٍ وكأنّه يدعو عامة النّاس لحياة إيجابية عبْرَ تربية وعقاب ذواتهم قبل تربية وعقاب الآخرين قائلاً: 

يا أيها الرجل المعلم غَيْرَهُ هلَّا لنفسك كان ذا التّعليمُ؟! 

أخيرا أنا شخصيّاً لا يهمّني اعتراض البعض على ما كتبت ونشرت، ولست حيادية .. لأنّني وبكلّ صراحة كتبت واقعاً ملموساً رأيته رؤيا العيان.. وكان الله بعوننا جميعاً.. شكراً..

إرسال تعليق

0 تعليقات