قبل الحديث عن الحركة المدنية في أي بلد وعلاقتها بالسياسة، تجدر الإشارة إلى افتراقها في بعض التجارب عن المجتمع، إذ تبدو أنها أشبه بحركة مقلوبة عن وظيفتها الأصلية، من الدفاع عن مدنية الدولة على وجه الدقة إلى حركة تتسم بآليات الطقسية والتقديس للنظام الحاكم. لاسيما أن الحركة المدنية ليس منتجا خارج التاريخ، وإنما منتج اجتماعي ثابتا ومطلقا مشروط بالوجود الاجتماعي للبشر في الدول، فهي القوة الدافعة وراء تغيير الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والفكري، وإنها تعبر بصوت عال عن سخط المجتمع، لكنها في الحقيقة تعاني من تخلي المثقفين الذين يعتبرون ضمير المجتمع.
يجب لأي تحليل سوسيولوجي كامل للحركة المدنية أن يأخذ بنظر الاعتبار، أن المصطلح نفسه ربما يثير القلق العام ليس للأنظمة الاستبدادية فحسب، بل كذلك مداه الواسع في الاستخدام الشائع لأنه من المصطلحات المشحونة بالمحتوي الثوري للتغيير، وهذا ما حدث فعلا في الدول الحديثة.
أما البحث في واقعنا العربي عن نوع من الفكرة الأفلاطونية للدولة المثالية أو المدينة الفاضلة السقراطية، أو حتى المدينة الفاضلة للفارابي، نلحظ أن الحركة المدنية تعاني من التصدع والانشقاق الجوهري الذي نتج عنه صراعات بين اقطاب الحركات المدنية نفسها، ربما يكون السبب في هذا التصدع الانتماء الديني والقومي والتكوين الديمغرافي داخل الدولة، حيث لم تكن هناك محاولات حقيقية للحركات المدنية المعاصرة بأشكالها الليبرالية لتملأ فراغا عجزت عن ملئه حركات أخرى، رغم أنها تستند إلى مشروعية تقليدية تاريخية وثقافية، لكنها مشروعية غير حية لم تستطيع أن تمارس الفعل والتأثير، وعليه فإنها انفصلت عن المجتمع سياسيا واجتماعيا وفكريا.
الأسباب الأخرى لفشل الحركات والقوى المدنية في عالمنا العربي وهي:
1. إن النظم السياسية تعامت بمعيار الولاء الفردي والإرضاء العشائري.
2. لم تتخذ النظم العربية من التعددية السياسية منهجا للمشاركة.
3. تعتبر التجربة العربية في مجال المجتمع المدني حديثة التكوين.
4. ضعف الخبرة السياسية لهذه القوى.
5. غياب مبدأ التنافس على الحكم وتداوله.
في السياق ذاته، أن الخلل الذي أصاب بنى الحركات المدنية عموما إنما يعود إلى عدة عوامل منها، سياسية بالدرجة الأولى ويرجع أسبابه إلى الدول ونظمها السياسية على وجه التحديد وأبرزها قضية الاستبداد. كذلك صعود حركات الإسلام السياسي، إضافة إلى ظهور المجتمع الطبقي، من هنا أخذت الحركات المدنية بالتراجع وأصبحت عاجزة أمام هذه القوى.
بعد ذلك لابد من تحليل منهجية الحركات المدنية في التغيير، هل هو إصلاحي، أم تطهيري؟ فتعرضنا أنه لا يوجد فارق بين المفهومين على ضوء القصور الفعلي لهذه الحركات التي لم ولن تستطيع أن تطبق أي منهما سوى التمسح بالديمقراطية. بالتالي استطاعت الايديولوجيات وتحديدا الإسلاموية وبكل جدارة أن تلحق الهزيمة بالحركات والقوى المدنية المنافسة لها، لأننا ندرك جيدا أن المؤسسة الدينية في مجتمعاتنا متضخمة لدرجة أنها تحولت إلى سلطة سياسية.
وفقا لما تقدم، يمكننا القول باختصار أن مفهوم الحركة المدنية تشكل في دائرة الصراع السياسي والديني، وقد ارتكز هذا المفهوم في سياق تطوره الاجتماعي إلى قاعدة فلسفية هي قاعدة المعتقد الليبرالي، تلك الفلسفة التي كانت ومازالت السبب في الجدل الدائر حول معالجة واقع الحركة المدنية في الخطاب العربي المعاصر.
إن التساؤل عن وظيفة الحركات المدنية في مجتمعاتنا العربية، هو تساؤل عن دورها وقيمتها العملية، ثورية كانت أم سلمية، تقدمية أم رجعية، ظاهرية أم واقعية، وهل تؤدي تلك الحركات وظيفة تحررية في التغيرات الاجتماعية والفكرية والسياسية، أم أن هذا الدور تجاوزته وتحولت إلى مؤسسات وقوى اجتماعية، من ثم أصبحت وسيلة في يد السلطة.
وباختصار فإن العوامل السابقة دعمت سلطة النخب الأقلية ومكنتها من مواجهة المجتمع هي نفسها التي عملت على إضعاف فرص نمو قوى مدنية حقيقية وقوية قادرة على استغلال فرص أزمة النظم التسلطية لإحداث نقلة في الحياة السياسية للمجتمعات. ومع غياب مثل هذه القوى يصبح من الطبيعي بل الحتمي أن يقوم النظام السياسي بدفع جزء من القوى المدنية إلى إعادة بنائه من وجهة نظر النظام ومصالحه الخاصة.
"من هنا فإن الحركة المدنية تم تحويلها إلى جماجم وهياكل عظمية منزوعة النخاع، شخصيات لاحول ولا قوة عاجزة طحنتها مشاعر العجز واللاجدوى" مقتبس
يجب لأي تحليل سوسيولوجي كامل للحركة المدنية أن يأخذ بنظر الاعتبار، أن المصطلح نفسه ربما يثير القلق العام ليس للأنظمة الاستبدادية فحسب، بل كذلك مداه الواسع في الاستخدام الشائع لأنه من المصطلحات المشحونة بالمحتوي الثوري للتغيير، وهذا ما حدث فعلا في الدول الحديثة.
أما البحث في واقعنا العربي عن نوع من الفكرة الأفلاطونية للدولة المثالية أو المدينة الفاضلة السقراطية، أو حتى المدينة الفاضلة للفارابي، نلحظ أن الحركة المدنية تعاني من التصدع والانشقاق الجوهري الذي نتج عنه صراعات بين اقطاب الحركات المدنية نفسها، ربما يكون السبب في هذا التصدع الانتماء الديني والقومي والتكوين الديمغرافي داخل الدولة، حيث لم تكن هناك محاولات حقيقية للحركات المدنية المعاصرة بأشكالها الليبرالية لتملأ فراغا عجزت عن ملئه حركات أخرى، رغم أنها تستند إلى مشروعية تقليدية تاريخية وثقافية، لكنها مشروعية غير حية لم تستطيع أن تمارس الفعل والتأثير، وعليه فإنها انفصلت عن المجتمع سياسيا واجتماعيا وفكريا.
الأسباب الأخرى لفشل الحركات والقوى المدنية في عالمنا العربي وهي:
1. إن النظم السياسية تعامت بمعيار الولاء الفردي والإرضاء العشائري.
2. لم تتخذ النظم العربية من التعددية السياسية منهجا للمشاركة.
3. تعتبر التجربة العربية في مجال المجتمع المدني حديثة التكوين.
4. ضعف الخبرة السياسية لهذه القوى.
5. غياب مبدأ التنافس على الحكم وتداوله.
في السياق ذاته، أن الخلل الذي أصاب بنى الحركات المدنية عموما إنما يعود إلى عدة عوامل منها، سياسية بالدرجة الأولى ويرجع أسبابه إلى الدول ونظمها السياسية على وجه التحديد وأبرزها قضية الاستبداد. كذلك صعود حركات الإسلام السياسي، إضافة إلى ظهور المجتمع الطبقي، من هنا أخذت الحركات المدنية بالتراجع وأصبحت عاجزة أمام هذه القوى.
بعد ذلك لابد من تحليل منهجية الحركات المدنية في التغيير، هل هو إصلاحي، أم تطهيري؟ فتعرضنا أنه لا يوجد فارق بين المفهومين على ضوء القصور الفعلي لهذه الحركات التي لم ولن تستطيع أن تطبق أي منهما سوى التمسح بالديمقراطية. بالتالي استطاعت الايديولوجيات وتحديدا الإسلاموية وبكل جدارة أن تلحق الهزيمة بالحركات والقوى المدنية المنافسة لها، لأننا ندرك جيدا أن المؤسسة الدينية في مجتمعاتنا متضخمة لدرجة أنها تحولت إلى سلطة سياسية.
وفقا لما تقدم، يمكننا القول باختصار أن مفهوم الحركة المدنية تشكل في دائرة الصراع السياسي والديني، وقد ارتكز هذا المفهوم في سياق تطوره الاجتماعي إلى قاعدة فلسفية هي قاعدة المعتقد الليبرالي، تلك الفلسفة التي كانت ومازالت السبب في الجدل الدائر حول معالجة واقع الحركة المدنية في الخطاب العربي المعاصر.
إن التساؤل عن وظيفة الحركات المدنية في مجتمعاتنا العربية، هو تساؤل عن دورها وقيمتها العملية، ثورية كانت أم سلمية، تقدمية أم رجعية، ظاهرية أم واقعية، وهل تؤدي تلك الحركات وظيفة تحررية في التغيرات الاجتماعية والفكرية والسياسية، أم أن هذا الدور تجاوزته وتحولت إلى مؤسسات وقوى اجتماعية، من ثم أصبحت وسيلة في يد السلطة.
وباختصار فإن العوامل السابقة دعمت سلطة النخب الأقلية ومكنتها من مواجهة المجتمع هي نفسها التي عملت على إضعاف فرص نمو قوى مدنية حقيقية وقوية قادرة على استغلال فرص أزمة النظم التسلطية لإحداث نقلة في الحياة السياسية للمجتمعات. ومع غياب مثل هذه القوى يصبح من الطبيعي بل الحتمي أن يقوم النظام السياسي بدفع جزء من القوى المدنية إلى إعادة بنائه من وجهة نظر النظام ومصالحه الخاصة.
"من هنا فإن الحركة المدنية تم تحويلها إلى جماجم وهياكل عظمية منزوعة النخاع، شخصيات لاحول ولا قوة عاجزة طحنتها مشاعر العجز واللاجدوى" مقتبس
0 تعليقات