مأزق القيادة السُنية في العراق؟

مشاهدات

 




بقلم: أستاذ الفكر السياسي
الدكتور أنمار نزار الدروبي



القائد من الكلمات التي تتصف بالوضوح، وفي الواقع فإن كلمة القائد في نهاية طيف معانيها في الاستعمال الشائع أن تكون مرادفا تأكيديا لكلمة الزعيم، في السياق ذاته فإننا نحتفظ في زوايا ذهننا بمعنى آخر مثل (الزعيم الروحي) وكل هذه الأنواع من القيادة أو الزعامة ذات شرعية ما، هناك شرعية القائد الكاريزمية، وربما تكون الشرعية الدينية هي أكثر تحديدا لأنها نوع من الجوهر المركزي الصلب.

فماهي نوع القيادة السُنية في العراق ومن هو الزعيم الروحي أو صاحب الكاريزما أو القائد الملهم المؤهل للقيادة؟ وهل تمتلك القيادة السُنية فن التأثير في الأشخاص، وتوجيههم بطريقة معينة، يجنى منها كسب طاعتهم، واحترامهم، وتعاونهم في سبيل الوصول إلى هدف معين؟

فى ظل التحديات والتغيرات المتسارعة والصراع بين الطبقة السياسية السُنية، مما يستدعى العمل على تطوير بل وتحديث هذه الطبقة نفسها باستمرار، ومن ثم فهي بحاجة دائمة لقائد أو زعيم، بالتالي وجب عليها العمل على البحث عن قيادة فاعلة وملهمة في الساحة السياسية وفي نفس الوقت تتمتع بكاريزما حقيقية وبشكل يساعدها على مسك زمام الأمور وتحقيق أهدافها التي تصبو إليها، إضافة إلى قدرتها على التعامل مع الظروف والتحديات المختلفة المحيطة بها.
 
باستقراء واقع القيادة السُنية في العراق منذ عام 2003 يتضح أن هناك العديد من جوانب القصور في سياسات وأسلوب القيادة، ويمكن ملاحظة أنها تعاني من مشكلات متنوعة، ومن هذه المشكلات ما يتعلق بوجود بعض أوجه الخلل والقصور المرتبطة بضعف قدرتها على تحقيق البراعة التنظيمية بها، وذلك متمثلا فى ضعفها، ولا تمتلك الأسس النظرية للقيادة الملهمة من حيث نشأتها، أبعادها، خصائصها، ممارساتها، والبراعة التنظيمية من حيث مفهومها، أبعادها، مداخلها، وطبيعة العلاقة بين القيادة الملهمة والجماهير، وقدرة القادة الملهمين على توليد المناخ الإيجابي، وذلك نتيجة ضعف الخبرة وعدم قدرتهم على التأثير في الآخرين، بيد أن القيادة أو الزعامة ليست بالضرورة أن ترتبط بقوة المنصب، بمعنى أن يكون المنصب أحد مصادر قوتها.

من هنا، فإن الطبقة السياسية السُنية لا تمتلك سمات كاريزمية جذابة قادرة على استثمار ما لديها من قدرات كافية، وليست لديها توجه استراتيجي نحو الأبداع والابتكار، كما أنها لم تترك أثرا إيجابيا ينعكس على أدائهم وولائهم لجمهورهم، وتجعلهم قادرين على تحقيق نجاحات غير عادية فى مواجهة وإدارة التغييرات المحلية والمستقبلية في بيئة العمل السياسي. مثل الثقة بالنفس، التوجه الاستراتيجي، إمكانية التغيير.

إذن هل الحل بالزعامة الشعبوية؟
 
الزعامة الشعبوية ترتبط ارتبطا وثيقا بالعفوية الجماهيرية، وتظهر الزعامة الشعبوية نتيجة فشل النخب السياسية، ذلك الفشل الذي يؤدي إلى أزمات ومشاكل سياسية واجتماعية واقتصادية. من هنا يبرز الزعيم الشعبوي صاحب الخطاب الشعبوي كمنقذ للشعب، من خلال تقديم الحلول المناسبة والناجعة والتي تتجاوب مع المزاج السياسي العام للجماهير. بالتالي يتفاعل الخطاب الشعبوي مع عفوية المزاج السياسي الجماهيري، الذي يُعبر عن غضب الجماهير ضد الطبقة السياسة الممثلة له وإدارتها. وبحسب هذا المنظور ربما يمكن أن نتحدث عن زعامة شعبوية للسُنة في المستقبل، نتيجة ما أفرزته التجارب السابقة من زعامات سُنية، تلك الزعامات التي لم يكن لها القدرة من خلال خطابها السياسي أن تتفاعل مع عفوية تقوم على مزاج سياسي جماهيري سُني غاضب كونهم فقدوا الثقة بالطبقة السياسة السُنية الليبرالية والعلمانية والاشتراكية ومنهم من كان ومازال إسلامي كما يزعمون.

الطبقة السياسية السُنية وفق مبدأ: عندما تربح الفرصة وتخسر الفكرة!

إن السلوك البشري الذي يصدر من القائد أو الزعيم هو الطريقة التي يعالج بها المشاكل والتغلب على الصعوبات وكذلك الوسائل التي يستخدمها في تلك المعالجة، بالتالي فهو ينعكس على الجماهير سواء بالسلب أو بالإيجاب.   ولكن ما يهمنا بهذا الصدد ما ذهب إليه فلاسفة الطبقة السياسة السُنية الذين بحثوا في كيفية المعالجة، حيث ذهبوا إلى نظرية مفادها (عندما تربح الفرصة وتخسر الفكرة)  الذي يقوم على أن قانون أغلب الطبقة السياسية السُنية، قانون يقوم ويسقط وفق المصالح والمنافع الشخصية، فلا توجد فضيلة ولا رذيلة بحسب رأيهم، ولا إثابة بالخير ولا عقاب بالشر، ولا نقيصة ولا ذنب، فكل شيء يعتمد على مدى استفادتهم، ولا تكون هذه الطبقة السياسية ملتزمة بأي شيء، أما مصطلحات (عودة النازحين، جرف الصخر، المناطق المحررة، حقوق أهلنا) أصبحت كلمات فارغة جوفاء لا معنى لها فقط صُدعت رؤوسنا بها.

وهنا يجب أن نقر بأنه لايمكن أن نحدد مقدما بأن الجماهير السُنية ستلتف حول قيادتها إلا ما ندر وشيء قد يكون لا يذكر. فهل يتوقع أحد من قادة السُنة أن يوم ما ستلتف الجماهير من حوله كما التفت الشعوب السوفيتية خلف قيادتها بهذه القوة بعد معركة (ستالينغراد). بل أن البعض قد توقع أن ينضم الأوكرانيون وغيرهم من الشعوب غير الروسية إلى صفوف الغزاة النازيين.

إن قوة الزعيم أو القائد السياسي ليست ذات قيمة ما لم تدخل في حركة هادفة، فعلاقات القوة على المستوى الدولة هي علاقات ما بين إرادات تستهدف من خلال مكونات قوتها تحقيق غايات محدودة. ويلاحظ أن السياسيين السُنة حتى في البيئة الدولية لا يمتلكون إمكانات القوة والمكانة المناسبة، يقابلها امتلاك القوى الأخرى إمكانات كبيرة تتفوق عنها. وهذا التباين واضح جدا، حيث لا تستوي هذه القوى موضوعيا في قدراتها ومن ثم في نوعية تأثيرها.
 
وتأسيسا لما تقدم، فإن الطبقة السياسية السُنية فقدت القدرة على السيطرة في صراع ما والتغلب على العوائق. وعند مقارنتها بقوة سياسية، وهذا يرجع إلى عناصر أساسية مثل الزعامة ونوع الاستراتيجية المستخدمة.



 

إرسال تعليق

0 تعليقات