الانسان بين الهامش والهوية

مشاهدات

 





.الساعة الخامسة والعشرون
قسطنطين جيورجيو

.بقلم اسمهان حطاب العبادي


) العالم الحديث هو عبارة عن الة هندسية جبارة انك في صميم الة جبارة مهما بذلت من مجهود وتحركت وناضلت فأنك لن تخرج منها ،ان الالة  صماء انها لاتسمع وترى بل تعمل فقط تعمل عملا  مدهشا تبلغ فيه الكمال الذي لايستطيع الانسان بلوغه ابدا فعلى المرء ان ينتظم فيها وهو مطمئن تماما ان دوره سيحين ان الالة لاتنسى كما ينسى المخلوق البشري)

قسطنطين فيرجيل جيورجو

لطالما رغبت الشعوب بالوصول والتوغل بالتطور وحين وصلت له وجدت مايرضيها وما لايرضيها،وهذا ما يقصنا عليه المؤلف في قصة هذه الرواية واكثر،حيث انها تحكي عن قصة شاب طموح وبسيط وساذج يدعى( يوهان)،كان يطمح بالسفر الى امريكا حيث يحقق حلمه في شراء ارض في قريته ويترك عمل جني التفاح ويتزوج من حبيبته ( سوزانا)،يبلغ صديقه القس غاروكا الذي يعرفه من عدة سنوات،ويدفع عربون ثلاثة الاف دينارا  كمقدمة لشراء الارض حيث وعد باكمال بقية المبلغ حين وعودته من السفر وجنيه للمال،في يوم السفر يذهب ليودع القس ومحبوبته،التي اعترضت على سفره واخبرته ان والدها قاس وعنيف وانه سيقتلها حين يسافر،وزاد تعلقها واعتراضها حين ضرب امها واسقطها ارضا،حيث اعتبرها من املاكه وخيوله،اخذها ( يوهان)، الى بيت والديه الصغير وطردتها امه فاخذها الى دار القس الذي استغرب من تركه مشروع السفر وعزوفه عنها،كان القس قدعرض عليه غرفة للسكن،وحان وقت حاجتها،في منزل القس حل ودله ( اريان) الكاتب والمثقف الذي تنبأ بخطر يحوم على العالم ويدمره. في ذات الوقت كان يعد رواية اسمها الساعة الخامسة والعشرون يروي فيها عن حرب عالمية مدمرة.
ينتقل بنا الكاتب الى مسافة عامين ويعطينا اشارات الى ان ( يوهان) تزوج سوزانا وانجبت منه طفلين،تظهر شخصية متسلطة ونافذة السلطة ترغب بزوجته سوزانا في الوقت الذي دخلت به المانيا النازية موجة اعتقالات شديدة وقتل ضد اليهود.قام( الدركي)باضافة اسم ( يوهان) كيهودي ويجب اعتقاله ومصادرة املاكه بغية الحصول على زوجته،سجن واعتقل ظلما بهوية ليست له فهو روماني ولاصلة له باليهود  ،ذاق مرارة الاعتقال وهدرت سنين عمره،ولم يصدق انتمائه احد ،بعد فترة هرب الى هنغاريا وكانت الحرب قائمة فأعتقل باعتباره رومانيا ،رافقه سوء الحظ،ليتردد مرة اخرى بالمعتقلات بعد مرور اعوام يلجأ الى المانيا وهذه  المرة بأعتباره هنغاريا،يعيش صراعا نفسيا وتتغير شخصيته لما ذاق ويلات الاعتقال والظلم بسبب اسمه واقامته .
اجاد ( الكاتب) في رواية مثلت حقبة تاريخية مهمة وحقق ما يصبو اليه الفن والادب من ابتغاء توثيق تاريخي مهم وبتفاصيل يومية صغيرة ،تعبر عن اوجاعه ومعاناته عن احداث دارت في اوربا،الالة ومعدات الحرب والصراع الايدولوجي،وانغماس الانسان بدوامة الحروب والجوع،الاعتقالات الظالمة من اجل الهوية والانتماء واللون،انكار ذات الانسان والجهل بمعاناته على حساب العالم المادي والالي.لم يكن ( يوهان وحده المعتقل ،الكل معتقل وسجين النفوذ والسلطة،غياب العدالة والحقيقة،وتغير الشخصية من ضعف الى قوة ووعي تمثلت بشخصية يوهان الذي كان ساذجا وبسيطا واصبح بمرور ايام الاعتقال،اكثر ادراكا لما يحدث.
استخدم الكاتب شخصيات بارزة منها الشخصية الدينة متمثلة بالقس وفيه اشارة الى المسيحية،والشخصية الاخرى هي اريان المثقف فهو من شخوص الرواية وهو نفسه الكاتب الذي كتب الرواية،الشخصيات كل منهم له حكاية وذاق مرارة والم السنة الحروب والضياع.
تمكن في لغة سردية متقطعة ومتداخلة من ان يسير زمن الرواية بين الماضي والحاضر،كما تجنب التوصيف والاطالة بالوصف بدل الى عمد الى اختصار الكثير بجمل قصيرة عبر فيها عن اعماق الشعور ،فقال واصفا سقوط الانسان(يسقط دون ضجة مثل سقوط معطف) فالانسان بلا قيمة فهو مجرد رقم من بين الالاف منها لايؤثر ولايقيم له وزنا،فالالة هي الافضل والانفع.


الحروب وماتخلقه من تغييرات عميقة في الفرد والمجتمع بين المعتقلات والسجون بين الجوع والمرض وبين القرية والمدينة وبين العزة والكرامة والمذلة بين الحاضر والماضي،وماتخلفه في النفوس من الالام وذكريات،دوران الانسان بين المصنع والكنيسة ، والمعسكر .هذا ا الاختلاف  والتضارب وما يخلفه من اوجاع نفسية خطيرة.
كما ان لعنوان الرواية بعدا اخر فهو ساعة اخرى تضاف الى اليوم هي اشارة الى ضخامة ووقع الخطورة.
( قسطنطين فيرجيل)١٩١٦_١٩٩٢،الاديب من اصل روماني عريق من اللاهوتين والرهبان الارثوذكس المعروفة بالتربية الصارمة والزهد والانعزال عن العالم والمجتمع،هذا التأثير الاسري اتضح من خلال مجريات روايته ووعيه السياسي لكونه عاش المرحلة القاسية للحرب ورؤيته العميقة للعالم من ابعد نقطة للواقع،واحساسه بمواضع النقمة والالم والظلم الذي حل بالعالم من جانب اكبر.تمكن من خلال احساسه وانسانيته ان يصوغ لنا باسلوب سردي منقطع بين الازمان وينقلنا نقلات احترافية بين الوقائع والاحداث،متمسكا بحس فلسفي واقعي ناضج ،واضعا بصماته في جمل مختصرة جدا ،بضع كلمات موجزة لكنها تختصر سنين واحداث.حين نقرأ الرواية لاول وهلة في فصولها الاولى ، نتوقع انها تحكي قصة اجتماعية وصراع بين والد ( سوزانا) العملاق وبين ( يوهان)،لكن القصة اكبر من ذلك واكثر   ،حيث عالم الماديات والالة ،ذات الاسلوب الحكيم نجده في روايته الثانية ( شحاذوا المعجزات)،ولتقع بين يدي ( جابريل مارسيل)،ويقول عنها ( لا اظن ان من اليسر ايجاد عمل فني اكثر تعبيرا عن الوضع المريع الذي تجد الانسانية نفسها غارقة فيه اليوم مثل الادب والفن .

إرسال تعليق

0 تعليقات