سُويْدُ السُّويداء

مشاهدات


 

علي الجنابي

المقالةُ إرتِدادٌ لقَلَمي إثرَ هُجومٍ (سُوَيديٍّ) كاسِحٍ واضحٍ وبجَلاء، على أطفالِنا من أسَر مُسلمي المَهجَر التُعَساء، ولستُ فيما هاهنا ناوٍ لأجَاملَ فيها خِلّاً هنالكَ بغمِّ الغُربةِ مغترباً، ولا صَاحباً هاهنا بهَمِّ العروبةِ مَكتئباً، ولا عَابرَ سَبيلٍ بالجنبِ مُضطرباً، أنا لن أفعلَها ولن أشَاء. ولستُ هنا عَاوٍ بخِطابٍ على مملكةِ (السُّوَيدِ) بِذمٍّ وهجاء، بل هاوٍ لأنظرَ لهذا الخَطبِ ببَصَرٍ واعٍ، وبِقَلبٍ راعٍ لجوهرهِ وبصفاء، وألّا يَنُطَّ قلمي بمقالٍ خاوٍ، بل يَخُطُّ ل (شَرطةِ السُّويدِ) تقديراً عَالٍ وثَناء، لتفَانيهمُ بِحفظِ أمانِ بَلَدِهم من (مُستودعاتِ رعبٍ موقوتةٍ شعواء)!
أجل، هي مستودعاتُ موقوتةُ وغثاء، وَوَلُودةٌ ومُخيفَةٌ ومُرعبةٌ بوجاء، و(هكذا هو ظَنُّ حُكومةُ السُوَيد)، وهكذا يكونُ الذَّكاء. إذ تَدارَسَ أولو الحَلِّ والعَقد السويديينَ بينهمُ أمرَهم عن مُهاجرينَ مُسلمين خاصةً، وبفَطنَةٍ وبِدهاء، وعن حالِ صبيةٍ في أسرٍ مُسلمة (ولو بالهَوية) وتَفَرَّسوهم بنقاء، ومآلِ أولئكمُ الصبيةِ بعدَ بضعِ سنينَ في أزقةِ مدنِهمُ وفي الأنحاء. صبيةٌ مُسلِمةٌ تعيشُ اليومَ برغدٍ على ترابِ بلدهم وبرَخاء. لكنَّها ستَنقلِبُ بعدَ حينٍ قريبٍ الى طعناتٍ في ظَّهر مواطني السويدَ من رجالٍ ونساء، لذلكَ أمرَ اهلُ الحلِّ والعقدِ بِما يلي وبلا إستحياء: 1. (وأدِ) كلِّ إنتشارٍ للإسلامِ في قعرِ دارهم رُبَما سينمو متسارعاً بنماء، 2. (وأدِ)كلّ بذرةٍ ل(إرهاب) في مِهدها وأدَاً عَلناً دونَ خَفاء، وذلكَ بِسَلخِ كلَّ فتىً مُريبٍ من بينِ أحضانِ أبويهِ بسلامٍ، أو قسراً بعدَ عَناء، بُغيةَ تربيةِ الفتى تربيةً سويديةً (بيروقراطيةً أسُّها، وديمقراطيةً رأسُها، وليِّنةٍ وسَمحاء).
ولعمري إنَّ ذلكَ حقٌّ لهمُ في بلدِهمْ فيماهُمُ فيهِ يُفكّرونَ بإسترخاء، ومِمَّا همُ منهُ يَتوجَسُونَ من قادمِ سنينَ بإتِّقاء، ولا يَحقُّ لمنصفٍ منَّا أن يواسيَ تلكَ الأسرِ المنكوبةِ ببناتِها والأبناء، فيكتبَ بتَعاطفٍ أجوفٍ قطعةً عواءٍ من رثَاء، ولا حقَّ لمُهاجرٍ هنالكَ أن يتَباكى بدمعٍ وبلطمٍ وبعَزاء، أو أن يَعبسَ بتَجَهُّمٍ لأجراءاتِهم بإستِياء، أو أن يتَشاكى فيستغيثَ بنداءٍ على سَواء، لأنَّ شَرطيَّ السُويد سيَردَّ عليهِ موبِّخاً وبجَفاء:   
[قد أفضَيتَ لنا -يا لاجئ- بأنَّ بلدَانكم بلادَ العُربِ ضرّاء نَكراء غبراء عرجاء، ورعناء، فزَجَرتَ عيشَها متأفِّفاً بازدراء، ومِمَّا فيها من جهلٍ وظُلماتٍ وإبتلاء، ومن صهلٍ بظُلمٍ وبَلاء، لتعتكفَ في زيزفونِ إسكندنافيٍّ وما حَوى من بَهاء، وما ضَوى من ماءٍ و(نتٍّ) وكُهرباء، وما زَوى من خُضرةٍ نضرةٍ ومن هناء. وقد أعلَمتَنا أن السويدَ هي لقلبِكَ (السويداءُ)، وإرتضيتَ أن تُفارقَ لأجلِها طوعاً لمَسَاتِ الطُّهر الى حيث (البِغاء)، فهَجرتَ همَساتِ “حَجي بُرهان” ورَسماتِ هلالِ “رمضان” والبَهاء، لتلاحقَ نَسَماتِ ألواحِ تزلّجٍ على ثلوجٍ في شِتاء، ولترافقَ بَسَماتِ دلوعةٍ ذاتِ عيونٍ زرقاء، وتواثقَ جلساتِ سَمَرٍ شَقراء حينَ المَساء، وتعانقَ كأساً في ليالٍ حَمراء. وإذاً يا (لاجئ)، فأتلِفْ وتآلفْ مع قانونِنا برِضاء، وعِشْ معنا عيشَ الخُلطاء. ولكأنّي بكَ لم تعلم أنّ دُهورَنا على مداها، وأحقابَنا على صداها، وأعَقابَنا على هُداها كانت كلُّها ضِدّاً ونِدّاً لما وَصَّى به رُسُلٌ وأنبياء؟ وإذاً فالمَنطقُ يقولُ؛
( لا حقَّ لأحدٍ في ديارِ قومٍ إن كانَ فيها من الغُرباء، أن يعترضَ سبلَ عيشٍ إرتضَوْهُ، وهو فيهمُ لاجئٌ من النُّزلاء). ونحنُ -يا حافيَ- ما خدعناكَ بعفَّةِ عيشِنا، ونحنُ -يا لافيَ- ما صدعناكَ بضِفَّةِ طَيشِنا، وما قلنا لكَ بأنَّنا تقاةٌ وأولياء. هو ذا العيشُ عيشُنا وكما ابتغيتَ أنتَ مُفصّلاً لعيشِ السُّعداء، وعليكَ أن تنسَى وذريتُك قانونَاً عندكمُ مُنزَلاً من السماء؛ {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ} عن أهليهم وعن عهدِهم والوفاء؟ ودعْنا نُرَبّي لكَ (وغدانَكَ) كما نريدُ نحنُ وكما نَشاء، وبفكرِنا نحنُ وبذِكرِنا، لا بِفكرِ وذِكرِ مُحَمَّدٍ بنِ عَبدِالله (صلى الله عليه وسلم) في الصَّحراء، وسوفَ نُعلِّمُهم حينَ الشُّروقِ بلا مَللٍ، وحينَ الغروبِ بلا كَللٍ حُبَّ الحياةِ، وسنُلّقِنُهم معانيَ (التحرّرِ) والولاء، ولا خيارَ لكَ أنتَ إلا أن تَمكُثَ سَرِيَّاً بأنينِكَ في دروبِنا والبقاء، ولا ضيرَ أن تبعثَ لعُربانِكَ بزُخرفِ صورٍ توحي بعيشِ الأمراء، بينما أنتَ هاهنا؛ مَجمَعٌ من أشلاء، ومَدمعٌ في هَباء، ومَقطعٌ بُؤسٍ من فيلم البُؤساء. و...
{ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ اللّاجئُ المُتَحَضِّرُ الحَكيم} وذو كرامةٍ وخُيلاء.
قد كفيتَ عنّي ووفيتَ أيُّها الشَّرطيُّ ذو القبعةِ الصفراء.
وذاكَ -لعَمري- هوَ الشَّقاءُ في بطنِ الشقاء، وهو العَواءُ في وطن الغُثاء. وذلكَ هو لنا نحنُ العَربِ هاهنا، وإخواننا المُغتربينَ منّا هناك على سواء، أسىً وأسفٌ وخسرانٌ كبيرٌ مبين، وحقيقٌ على كلينا الوَجعُ والبُكاء.
ألا ليتَهم فكَّروا وكَرُّوا عَودَاً الى أحضانِ الضاد وكَيْفِهِ والسَّناء، على مافيهِ من ظلمٍ وهضمٍ ومن غوغاء.
ألا ليتهم فَرُّوا ونَفَروا من قَعرِ الوباء وزَيْفِهِ والهَراء، ونهَضوا فنفَضوا عنهمُ لباسَ كلَّ عيبٍ وإبتِلاء.
ألا ليتَ ديارَ قومي هاهنا تعلمُ عن أنينِ كلِّ غريبِ دارٍ بصمتٍ وبخفاء، ودون شكوىً منهُ ولا نِداء ولا جدوىً من إستياء، ولو أنَّ قومي علموا لما هَجَرَ مواطنٌ موطنَهُ، لا علماؤه منهم ولا الجُهلاء.
(وجهةُ نظرٍ شخصيةٍ، وسطورها مردودةٌ على كاتبِها بلا ضوضاء، وقلبيَ عن قَلَمِي بعيدٌ وهو منه بَرَاء).

إرسال تعليق

0 تعليقات