كليات الطب و ( الطب البديل )

مشاهدات


 

بسام كريم المياحي

بلاشك أن العدالة واحترام القانون إضافة إلى التعليم والثقافة الفكرية تعكس رقي الأمم والمجتمعات، سيما أن  الانطباع الأول عن التعليم هو تحسين أوضاع البشر ومساواتهم ورقي البلدان وازدهارها حتى أصبحت نظرية التعليم العقيدة الاكثر رسوخا في نهضة الأمم وازدهار الديمقراطية .
لكن ما نجده اليوم هو العكس تماماً.
ولعل السؤال الأكثر خطورة في الوقت الراهن هو : هل فات الاوان لإنقاذ ما تبقى من الأجيال الحالية للحصول على تعليم نافع ؟
مايحصل اليوم هو أن التعليم يفسد الأجيال ولا يصلحها ويخرج سنوياً جيوش من انصاف المتعلمين الذين لايعرفون سوى العناوين والسرد والفهارس والديباجات والكلام الذي لا يجد له تطبيق في الحياة العامة .
في قصة الطالبة س والتي تخرجت من الإعدادية بمعدل ٩٦%، وقبلها بسنوات الطالب ص بنفس الحالة. الطالبة س كانت  تريد أن تدخل الطب لكن معدلها لا يؤهلها وسط المعدلات العالية والعرض والطلب مما اضطر والدها أن يبحث لها عن بديل وهو كليات الطب الأهلية ونظرا لصعوبة ظروفه المادية حاول إيجاد واسطة لقبول ابنته المحبطة والمكتئبة في احدى كليات ( الطب البديل ) بأجور مخفضة حيث بلغت أجور السنة الدراسية الواحدة ١٢ مليون دينار في كلية طب تابعة لأحدى مايسمى ( المقدسات الدينية) .. وهو رقم خيالي بالنسبة لغالبية المجتمع العراقي وخاصة الوسط والجنوب مما جعل الاب المسكين يتوسل ويبذل ماء وجهه دون جدوى الانتظار خصوصاً عندما يرى باقي أبناءه الذين تخرجوا من كليات الهندسة والتربية منذ سنوات بدون عمل يوازي مؤهلهما  الدراسي .
الطالب ص قبل بالهندسة ولم يلجأ أبويه إلى (الطب البديل) وتخرج ويعمل في الوقت الحاضر في مقهى شأنه شأن أغلب الشباب العاطل عن العمل .
إ ن مشكلة التعليم لا تكمن هنا بل في مفاصل اكبر وأهم من ذلك فعلى سبيل المثال في احد المدارس الحكومية يحصل أحد المدرسين على شهادة الماجستير في علوم القران من إحدى دول الجوار نتيجة الامتيازات السياسية الحاصل عليها في ظل النظام السياسي الحالي .
و عندما يكلف بتدريس اللغة العربية والتي هي في صلب اختصاصه يرفض ويتهرب ويتضح فيما بعد بأنه غير قادر على تدريس اللغة العربية لمرحلة الأول المتوسط .
ومن أخطر الامثلة التي عشتها وشاهدتها شخصيا  هي حصول أحد الأشخاص الذين اعرفهم على شهادة الدكتوراه في طرائق التدريس عن بواسطة ما يسمى الاضطهاد السياسي وقوانينه المشرعة بعد الاحتلال  وتعيينه في أحد الجامعات المهمة في البلد عن نفس الطريق والمشكلة لا تكمن هنا بل بهذا الشخص نفسه حيث ومن خلال معرفتي له شخصيا واعترافاته وأمام الاصدقاء والزملاء أنه أمضى حياته الدراسية كلها بالغش ولم ينجح في مادة في دراسته الا بالغش وهو اليوم تدريسي في أهم جامعات بغداد الحكومية متبجحا وفخورا أنه حصل على مالم يحصل عليه أقرانه وزملائه من المتميزين والاذكياء .
يعتقد هيربيرت سبنسر (( أن بعض أنواع التعليم لا تؤثر في اخلاق وسعادة الإنسان ولا يغير غرائزه واهوائه الوراثية .. وعندما يطبق بشكل سيء فإنه يعطي نتائج سلبية كبيرة )).
أن التعليم الذي يحشون به الأدمغة بالكلام والنصوص والمفردات والارقام والخطب وغيرها من السرديات دون أن تكون لها فائدة مهنية وأخلاقية وعلمية حقيقية تنفعه في حياته اليومية وتنمي كل أو أغلب قدراته الفنية والتشغيلية وتكون في الجانب الصحيح والمهم من حياته العملية والعلمية وتحوله إلى انسان منتج في المجتمع في الجانب الذي يهواه ويرغب به فإنه على العكس سينقلب على الجميع ويكون آلة يسهل تجنيدها في فوضى تدميرية تستهدف رأس النظام .
أن نظام التعليم أصبح ينتج من أسفل السلم الاجتماعي إلى اعلاه جيوشا من الشباب الناقم والمستعدين دائماً إلى التمرد .
وتضع في أعلى السلم الاجتماعي طبقة من الروتينيين عديمي الفائدة وقليلي الثقة بالنفس والمشككين في الاخر ومخربين فاسدين وانتهازيين كل همهم الإثراء على حساب الصالح العام ..
وترمي كل الأخطاء في سياسة الدولة والحكومة مطالبة إياها بالمزيد من الاجراءات والقوانين والتي سترتد عليها وتراكم المشاكل والأخطاء دون حلول .
أن ترك العامل لمصنعه والفلاح لحقله والتاجر لتجارته ومحاولة الحاق ابنائهم للحصول على شهادة تمكنه من الفوز بوظيفة حكومية هو حق من حقوقهم ولكنه في نفس الوقت هو تدمير لهم ووضع نهاية سيئة لأحلام زرعت بداخلهم ربما ما كانوا ليحلموا بها لو أنهم زاوجوا بين مهنة الآباء والشهادة الجامعية ليستطيع أن ينمي مهنة أبيه لذاته في حال لم يحصل على وظيفة حكومية وبنفس الوقت استفاد في توظيف ما درسه من علوم في حياته المهنية  التشغيلية .
أن الحصول على الشهادات الجامعية بهذه الإعداد الكبيرة ووجود هكذا اعداد من الجامعات والمعاهد والكليات الأهلية منها والحكومية التي تمنح الشهادات الأولية والعليا ناهيك عن شهادات الخارج والكليات الوهمية والغير معترف بها والدراسة عن بعد وفضائح التعليم الإلكتروني فإنها تخرج أعداد كبيرة جداً من الشباب الذين يحتقرون العمل المهني في المصنع أو الحقل أو الحرف البسيطة والبناء ويتطلعون للحصول على وظيفة حكومية بكل السبل .
أن هؤلاء الشباب بأعدادهم الكبيرة والناقمين مستعدين لخوض كل الثورات أياً تكن أهدافها وقادتها مالم يتم معالجة الأمور معالجة جذرية وسريعة .
أن اكتساب الشهادات والمعارف والعلوم التي لا يمكن الأفادة منها أو استخدامها فإنها ستتحول إلى صناعة الإنسان المتمرد الثائر المتعلم .

إرسال تعليق

0 تعليقات