في بيتنا مكتبة

مشاهدات

 




 
رند علي الأسود / العراق / بغداد


يقول بورخيس (هناك من لايستطيع تخيل العالم بلا طيور، وهناك من لايستطيع تخيل العالم بلا ماء، أما بالنسبة إلي، فأنا غير قادر على تخيل العالم بلا كتب)

لم يكن في بيتنا مكتبة، بل 5 مكتبات، مكتبتان للشعر وكتب الأدب، مكتبة لكتب المجمع العلمي العراقي، مكتبة للروايات وكتب التأريخ، ومكتبة لأسطوانات الموسيقى.

ولدتُ في كنف عائلة تهتم بالقراءة، فمنذ طفولتي ترددت في منزلنا اسماء الجواهري والسياب ونازك الملائكة، وعبد المحسن الكاظمي ومقاطع من اشعارهم.
كذلك عرفتُ شكسبير ومسرحياته وإحسان عبد القدوس ونجيب محفوظ ويوسف السباعي وغيرهم.
كانت جدتي مولعة بقراءة الادب العربي والشعر والمسرحيات وكانت دائماً ترددُ مقطع من مسرحية كيلوباترا لأحمد شوقي مازلت أحفظه عن ظهر قلب

 (انطونيو: دعونا نشربُ الخمرا على حب كليوباترا..
كليوباترا: على حبك أنطونيو على الجيش على مصرا
أحد الجنود: على روما
كليوباترا: دعوا روما ولاتلقوا لها ذكرا فما كان انطونيو منها وإن كانَ إبنها البكرا ولكن تحتَ أعلامي يقودُ البر والبحرا)..

 في ذلك الوقت لم أكن أقرأ غير قصص الأطفال المتعارف عليها لكن رحلتي الحقيقية مع القراءة بدأت عندما بلغت الـ 16 عام في سنة 2007 في قمة الحرب الطائفية والفوضى التي كانت تمر فيها البلاد ، كانت جنتي هي  (المكتبة ) في مدرستي ( إعدادية الأعظمية للبنات) ، هذه المدرسة الرائعة التي تحتوي على مكتبة ضخمة فيها عناوين كثيرة من الكتب والروايات ، كنتُ انتظر موعد ( الإستراحة)  حتى اهرب إلى المكتبة،  لكن للأسف لم تكن الإستراحة سوى ١٠ دقائق كانت كافية بالنسبة لي للبحث عن كتاب وتسجيل أسمي وصفي وشعبتي لدى أمينة المكتبة الطيبة التي لم يدخل غيري أنا وهي إلى المكتبة !
في تلك الفترة العميقة المليئة بالتحديات كنتُ أسافر في خيالي مع الكتب، تمكنتُ من الهروب من الواقع المأساوي بواسطة الكتب، فقرأت رواية (في بيتنا رجل) لإحسان عبد القدوس التي كانت ظروفها شبيهه إلى حد ما مع الظروف التي يمر فيها البلد في وقتها. كنا جميعاً مثل (محي زاهر) (أحد أبطال الرواية) نخاف الكلام اي كلمة ممكن ان تصدر من اي أحد قد يذهب هو ضحيتها أو أحد أفراد عائلته. واستمرت بعدها رحلتي مع الكتب، لكن هذه المرة الكتب الموجودة في منزلنا، لم أكن مياله الى الشعر مثل جدتي، لكنني كنت أعشق كتب التاريخ والروايات ووجدتُ ضالتي في مكتبة جدي في الطابق الثاني من المنزل هناك تعرفتُ على أوكتافيا خليلة نيرون ملك روما وحارقها
كنتُ مولعة بشخصية أوكتافيا الجميلة الشريرة أجمل نساء الكون وأحقرها! اوكتافيا التي دفعت نيرون إلى إعدام والدته وزوجته الأولى فعندما جاء الجلاد لتنفيذ الحكم بالوالدة قالت له: (اضرب البطن التي حملت هذا الولد).. بعدها انشغلت بالجامعة واختصاصي الذي أخترته بناءً على ولعي بالكتب (قسم التاريخ)، وفور تخرجي قرأت ٣ كتب من أهم الكتب التي قرأتها في حياتي (رحلة السلطان سليمان في العراق لـ مطراقي زادة و5000 عام من الإنوثة العراقية لـ سليم مطر، هذا الكتاب الذي يبدأ من اسطورة عشتار وصولاً إلى سيرة زها حديد، هذا الكتاب الذي تعلمت منه ان تاريخ النساء القويات بدأَ مع بداية تاريخ العراق.

إما عن (كاهنات معبد أور) للقديرة (رسمية محيبس) الرواية التي لا تنسى، فأي قارئ لها يشعر بأنه امام نهر الغراف يشمُ رائحة القرى والجمال والحياة الهادئة الصافية الخالية من الهموم.

كذلك قرأتُ لعلي الوردي، وأعجبتُ بشخصية المس بيل، وأكملتُ مسرحية (هاملت) في ليلة طويلة ماطرة مازلت أذكرها، وبعدها تعرفت على الأخوات برونتي وتحديداً رواية (جين إير) التي نصحني بها أحد الأصدقاء، وتعتبر من أهم القراآت في حياتي، فأهم ما يميز هذه الرواية إن البطلة لم تكن جميلة! نعم تخيل عزيزي القارئ في أربعينيات القرن التاسع عشر تُكتب رواية بطلتها (ليست جميلة) ومع هذا تنجح!
فمن المعروف ان بطلات روايات ذلك الزمان يتمتعن بجمالٍ أخاذ فعندما يصف لك تولستوي او ديكنز إحدى بطلات رواياته يصورها لك على هيئة ملاك، آية من آيات الجمال والكمال، وفجأة جاءت شارلوت لتصنع لنا شخصية ليست جميلة تحارب للحصول على ابسط حقوقها في هذه الحياة، لكن الحياة تكرمها بعد طول عناء بزوج تتمناه أجمل الجميلات، رجل خطفت قلبه بروحها وحنانها ومثابرتها..

هذه الرواية مازالت لها بصمة في حياتي، لإن بطلتها رمز للإنسانة الجادة المثابرة خصوصاً ونحن الآن نعيشُ في عصر البحث عن الجمال فقط.. واستمرت رحلتي مع الكتب إلى ان أسعدني الحظ بالعمل في الجنة!
هناك في شارع المتنبي قرأت لديكنز وروسو واستيفان زفايغ وتولستوي ودستويفسكي واوسكار وايلد وغيرهم. وزادَ عدد المكتبات في بيتنا فأصبحوا 6 مكتبات، فكما يقول شوبنهر: (نحن نتذكر حياتنا أقل بقليل مما نتذكر رواية قرأناها ذات مرة).
























إرسال تعليق

0 تعليقات