اضاءة عن كتاب ماوراء الاوهام للكاتب ايريش فروم وترجمة صلاح حاتم

مشاهدات




اسمهان حطاب


تشترك نظريات ماركس وفرويد بارضية مشتركة ، نما عليها تفكيرهما.تتجلى في ثلاث جمل قصيرة وجامعة،(لاشيء  انساني غريب عني،على المرء ان يشك في كل شيء،ستحرركم الحقيقة).

عد (ماركس)، مانراه من رأي في  انفسنا والاخرين وهما خالصا، وافكارنا الشخصية وقف على الافكار التي يطورها المجتمع القائم، وتتحدد هذه الافكار بالبنية الخاصة للمجتمع وبطريقة علمه ووظيفته. الموقف الحذر من الايدولوجيات والافكار والمثل العليا، كلها هو مايميز ( ماركس)، وفي اعتقاده كثيرا مايساء استعمال مفردات،الحرية، الحقيقة،العدالة.

اما ( فرويد) فقد تبنى الموقف الاساسي نفسه( فن الشك)، حيث تجاربه المتعلقة بالتنويم المغناطيسي،التي اظهرت الى اي مدى يخال انسان ما، الاشياء كواقع وحقيقة،وهي لاتطابق في الظاهر الواقع.

اراد ماركس ان يحرر البشر من قيود التبعية والاغتراب والاستعباد من طريق الاقتصاد،اراد ان يكسب الاكثرية لأفكاره ، حيث توجه الى الواقعية والحقيقة  في اغلب خطاباته، ( سلاح الحقيقة)، الذي استخدمه هو ذاته استخدمه ( فرويد)، وهو ان الانسان يعيش في اوهام تهون الم الحياة الواقعية.حين يتخلص الانسان من اوهامه يعي نفسه،ويستشعر قوته وطاقته ويبدل الواقع ويستغني عن الاوهام،من خلال الاحتكاك والاتصال بالواقع.اعتقد ماركس ان اهم الاسلحة هو الحقيقة، وكشف ماوراء الاوهام،هي نداء عاطفي للوصول الى اهداف سياسية معينة.

نادى ( ماركس)،المطالبة بالتخلي عن الاوهام كما نادى ( فرويد)، كلاهما اراد ان يحرر الانسان من قيود اوهامه لكي يزود بالامكانية،ليصحو ويتنفس تصرف انسان حر.

اشتركا كذلك ( بالنزعة الانسانية)، حيث ان كل  الناس عندهم نفس الدوافع اللاشعورية.

الشك وسلطان الحقيقة والمذهب الانساني هي مبادئء رئيسة ودوافع لمؤلفات ماركس وفرويد. 

الارضية المشتركة التي انبثقت منها افكار ماركس وفرويد هي تصورات عن المذهب الانساني والانسانية ،تعود اصولها الى التقليد اليوناني والروماني واليهودي والمسيحي.وجدت مدخلا لها مع عصر النهضة الى التاريخ الاوربي،تطورت تطورا كاملا في القرن الثامن عشر والتاسع عشر.كان المثل الاعلى الانساني لعصر النهضة، هو تطور الانسان الكلي الذي رآه المرء اعلى ذرى التطور الطبيعي.

دافع ( فرويد)، عن حقوق الغرائز الطبيعية امام قوى العرف الاجتماعي كجزء من تقليد المذهب الانساني،ومثله الاعلى هو ان العقل يجب ان يتحكم بهذه الغرائز ويهذبها ويسمو بها.اضر برؤيا ( فرويد) مذهبه في الحياة ،هذا المذهب المادي الديناميكي الذي لم تفسر فيه حاجات الانسان الا تفسيرا جنسيا.

كانت رؤيا( ماركس)، اوسع حيث استطاع ان يتوصل الى رؤيا الانسان غير المشوه.وامكانيات تطوره في مجتمع انساني.اما فرويد فقد كان مصلحا تحرريا،بينما كان ماركس ثوريا متطرفا،اشتركا في صفة الارادة المطلقة لتحرير الانسان، وايمانهما بالحقيقة اداة للتحرير،والشرط في ذلك هو قدرة الانسان على ان يحطم قيود الوهم.

.

يفهم ( فرويد) طبيعة تطور الانسان،ويعتبر ان القوة الاساسية المحركة،هي الطاقة الجنسية( اللبيدو)، في حين عد ( ماركس)، فهم تطور الانسان في التاريخ، الذي يتحدد في مجراه بتناقضات دائمة.فهي علاقة الانسان بالطبيعة كليا،في اثناء التطور يستقل عنها اكثر تدريجيا،اذا سيطر على الطبيعة يصبح مستقلا عنها.عن طريق العمل فيملك زمام الطبيعة ويتحكم بها.

مالقوى التي تحث الانسان ليسلك او يتصرف بطريقة معينة؟ ومالدوافع التي تدفع؟ كان ( ماركس)،(وفرويد)،بعيدان عن بعضهما في الاجابة، وكأنهما متناقضان.

يرى ( فرويد)، ان الانسان تحثه وتدفعه تناقضات بين طلبه للذة الجنسية وتطلعه الى ان يبقى حيأ ويتغلب على مصاعب حياته ومحيطه الخارجي،الانسان يكون مدفوعا بسبب الرغبة بالاشباع الجنسي،دافع الحياة ودافع الموت قوتين تتصارعان ابدا في اعماقه.

اما ( ماركس) يرى ضرورة الاشباع المادي وضرورة اشباع هذه الحاجة،لم يهتم بالعلاقة السببية بين المادة والروح،كان همه ان يفهم كل الظواهر على انها نتيجة لعمل كائنات انسانية واقعية حقيقية.فهو يشترط بدراسة الانسانالحقيقي الواقعي كما نجده ونلتقيه .

الصحة النفسية عند ( فرويد)،( ماركس)

 عند ( فرويد) رغبات الطفل  والمطالب اذا لم يفلح ويتمكن من ان يتغلب على رغباته وميوله الطفولية وان يطور اتجاها تناسليا ناضجا،ويمثل النظام العصابي حلا وسطا بين حاجات الطفل الصغير واليافع،بينما ( ماركس)، تكلم على صورة للتشوه النفسي التي هي في نظره تعبير اساسي عن المرضي النفسي،تطمح الاشتراكية الى التغلب عليها.

مفهوم الاغتراب عند ماركس،هو ان العالم الطبيعة والاشياء والناس الاخرين والانسان نفسه بات غريبا عن الانسان فهو لايرى نفسه  ذاتا لافعاله واعماله الخاصة، ولاشخصا يفكر ويشعر ويحب ، بل يرى نفسه فقط في الاشياء التي صنعها واوجدها موضوعا للمظاهر السطحية لقواه وقدراته،ولا اتصال له بذاته الا بقدر مايسلم نفسه للاشياء التي انتجها هو.

في حين اهتم فرويد بعلم المرض الفردي وتكلم عن العصاب الاجتماعي ورغم اهتمامه بامراض العصاب الاجتماعي ، ظهر فرق بينه وبين ( ماركس)، الانسان عند ماركس يصوغه المجتمع، بحيث ان الظواهر المرضية يكون مردها الى صفات خاصة للتنظيم الاجتماعي، اما فرويد فيعتقد ان مايصنع الانسان ويصوغه في المقام الاول هو مايلقاه في المجموعة الاسروية، هو ينظر الى المجتمعات المختلفة على اساس كمية الكبت التي تطلبها ، وليس من حيث التفكير والاحساس لاعضاء المجتمع المذكور.

كان( فرويد)، لديه فكرا متطرفا، بالمعنى الاساسي للكلمة، اي جذريا.وكان( ماركس)، يرى ان الانسان هو الجذر فقد نفذ الى طبيعة الانسان وكنهه،وكان التحليل النفسي الفرويدي فكرا قائما على النقد.وقد وقف موقف الناقد من الافكار المتعلقة بالتحليل النفسي التي سادت انذاك،وفرويد مارس النقد الدقيق الصارم، وهاجم كثير من قيم العصر الفكتوري واديولوجياته، وانتقد المفهوم القائل بأن الحياة الجنسية ليست موضوع عقلاني علمي، كما قاوم فرويد بعناد نفاق الاخلاق الفكتورية وعارض المفهوم العاطفي عن ( طهارة الطفل)، و( براءته)، كان مفهومه تحدي للافكار السائدة لكنه لم يتجاوز بنقده في بعض نواحي المجتمع النظام الاجتماعي.

خيار الانسان،بين الموت والحياة،في كل مايقوم به،هو حر بها بدرجة محددة،هناك ظروف مناسبة وظروف غير مناسبة لاحصر لها تؤثر في مزاجه النفسي وظروف المجتمع الخاصة التي ولد فيها واسرته والاصدقاء،مهمته ان يوسع نطاق حريته ويسعى من اجل شروط تؤدي للموت او الحياة،ولااعني بذلك الحالة البيولوجية،بل حالة الكينونة التي تتجلى فيها العلاقة بالعالم،فالحياة تغيرا مستمرا وولادة دائمة،والموت يعني التحجر ووقف النمو،كما هناك طرق للخير واختياره،الاول هو طريق اداء الواجب والخضوع للاوامر الاخلاقية،بعضها قد فرضت من الحكام واولو القوة والسلطان،الذين فرضوها كأوامر،والامكانية الثانية هي ان يستمرىء فعل الخير والحق وينمو الاحساس فيه حتى يثلج صدر انسان اخر،احساس حيوي متزايد يتقوى به.

.

يناقش هذا الكتاب الفرق بين اراء ماركس وفرويد حول امراض النفس مهما كانت  مختصرة، والنظر الى تطور الانسان في المجتمع بدءا من الانسان البدائي الى انسان العصور الوسطى ثم المغترب في المجتمع الصناعي، كذلك الجنس البشري لكي يصبح على نحو ناضج ومتكامل عليه ان يغالب الطبيعة والمجتمع ويسيطر عليهما.

يجد ( ايريش فروم)، ان نمو  الانسان عملية ولادة دائمة ويقظة متجددة على الدوام،ونحن مابين اليقظة  والنوم لانستيقظ الا بقدر مانحن مضطرون الى ان نباشر بأعمالنا، وهذه اليقظة ليست على المستوى العالي بحيث نعطيها حقها،وان قادة الانسانية العظماء بشر ايقظوا الاخرين من غفوتهم،في حين اعداء الانسانية هم الذين خدروا الاخرين، والعقل لايستطيع ان يواصل معرفته اذا لم يأمل الانسان ويؤمن.وضرورة تخلي الانسان عن اوهامه التي تستعبده وتشله.


إرسال تعليق

0 تعليقات