هل نجح الرئيس بوتين في إرساء دعائم نظام دولة عظمى خارج حدود روسيا الاتحادية؟

مشاهدات

 








بقلم: الكاتب والباحث السياسي
الدكتور أنمار نزار الدروبي



الحديث يتعلق بالسجال والحدث التاريخي الغير مسبوق ليوم الاثنين 21/2/2022 عندما أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اعتراف بلاده باستقلال المنطقتين الانفصاليتين في أوكرانيا، دونيتسك ولوغانسك، ووقع على مرسومين باعتراف روسيا بالجمهوريتين، طالبا من البرلمان الروسي الاعتراف الفوري بهذا القرار. وتجدر الإشارة إلى أن هذه الجمهوريتين اصلا يتحدثون الروسية وهما اصلا كانتا تابعة للاتحاد السوفيتي السابق. الرئيس بوتين ليس سكرتير الحزب الشيوعي وكونه رئيس الاتحاد الروسي فالأمر مختلف عن الاتحاد السوفيتي، وليس هو القيصر الذي تمنحه الكنيسة الروسيّة حق إلهيّا، وهو لا يستحق التاج المرصّع بطلاسم الثورة البلشفيّة المُعبّر عن ديكتاتوريّة البروليتاريا في العقيدة اللينيّة الماركسيّة. لسنا بمعرض الكلام عن شخصيّة الرجل بقدر ما نعني وزن الرئاسة بمعيار النظام الذي تمثله، وكيف نقيس مسافة الهيمنة في عقل الرئيس بوتين، بالنتيجة فهو درس تاريخي اعطاه بوتين للعالم منذ ايام حكم ستالين.
ما نتحدث عنه ليس ممارسة أكاديمية بقدر ما هو تقدير موقف استراتيجي للأحداث:
فهل يمكن القول إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وجد اللحظة مواتية الآن لمراجعة وتعديل آثار الحرب الباردة وفق حساباته، وهل هناك دول ستعترف بالجمهوريتين دونيتسك ولوغانسك؟
(ممكن جدا الدول الحليفة لروسيا أن تعترف بانفصال دونيتسك ولوغانسك، على سبيل المثال لا الحصر، جمهورية بلاروسيا، سوريا، وأيضا إيران).
بعد انتهاء الحرب الباردة لم تكن روسيا راضية عن نتائج هذه الحرب، لأن العالم نظر إلى روسيا بأنها الكتلة الخاسرة، وإن روسيا قبلت هذه الهزيمة على مضض، ذلك لأن روسيا لم تكن لديها أدوات لتغيير ذلك الوضع، إضافة إلى أن الروس فشلوا أو رفضوا فكرة الاندماج مع الغرب بشروط الغرب أو بشروطهم. لكن في الوقت نفسه بعد انتهاء الحرب الباردة أصبحت روسيا عضوا في (منظمة مجلس أوروبا) وهو الإطار السياسي الذي يضم دول قارة أوروبا، وكذلك أصبحت عضوا في الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا، لكنها جمدت عضويتها بعد ذلك. وخلال فترة حكم بوتين لروسيا منذ عام 1999-2000 لحد الآن هناك أربع موجات من موجات تمدد حلف النيتو في شرق أوروبا، ابتداء من بولندا والجيك والمجر ثم بعد ذلك عام 2004، 2009، 2017، 2020.     وهذا ما أكد عليه الرئيس بوتين وبحسب تصريحاته (أننا خُدعنا وأن الغرب قد خدعنا والناتو خدعنا وتوسع في أوروبا الشرقية خمس مرات في السنوات الماضية). لحد عصر قريب كان لبوتين شعورا أنه ليس لديه من الأدوات والنفوذ يمكنه بها أن يوقف هذا المد، بمعنى أن يمنع هذا الاندماج. أما اليوم فإن سلوك بوتين وحركته يدل على أنه لديه من الأدوات والنفوذ ما يمكنه وقف هذا المد، وكل ما يرغب فيه إيصال رسالة قوية للناتو مفادها، أن الأمور لم تعد كما كانت عليه في السابق وكما يلي:
1. كان هناك تفسير واحد حول موضوع انتهاء الحرب، ألا وهو انتصار الولايات المتحدة الأمريكية وخسارة الاتحاد السوفيتي السابق. لكن اليوم روسيا تقول إنها لم تخسر الحرب الباردة، وتؤكد على أنها لم تهزم في الحرب الباردة، وإنما نهاية الحرب الباردة في هذا الشكل كانت نتيجة اتفاقات بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية، ومن وجهة نظر الروس أن أمريكا أخلت بهذا الاتفاق، بمعنى أن تفكيك الاتحاد السوفيتي وحصول الكتلة الشرقية على استقلالها كان بإرادة سوفيتية، وإن الولايات المتحدة الأمريكية قدمت وعود للروس وتحديدا بعد أن تتوحد ألمانيا سوف لن يتوسع حلف شمال الاطلنطي ولو بوصة واحدة، وهذا ما قاله جيمس بيكر لكنه ليس مكتوبا على الورق. لكن بعد ذلك استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية منطق القوة والمنتصر.
2. عام 2018 قدم بوتين أمام البرلمان الروسي وعلى شاشة كبيرة عرض مجموعة من الأسلحة الجديدة وقال وقتها" أرجو أن يسمعنا أحدا" لكن لم يسمعه أحدا.
3. في ربيع 2021 عمل بوتين حشد أقل بكثير مما نراه اليوم، حيث قام بتدريبات ومناورات على الحدود الأوكرانية، فأرغم بوتين الولايات المتحدة على عقد قمة بينهما، وفعلا تلقى بوتين دعوة من الرئيس الأمريكي بايدن، وفي 16 يوليو عقدت قمة بايدن_ بوتين في جنيف. واتفق الطرفان في هذه القمة على تشكيل مجموعات عمل تناقش الاستقرار الاستراتيجي وخفض التوترات. لكن كل الذي عمله بايدن هو موافقته في 5 فبراير على مد العمل في معاهدة القوات النووية المتوسطة المدى (INF) وأهمل كل مجموعات العمل التي تشكلت بعد القمة وإلى الآن.
4. هناك قناعة لدى الروس والصين وإيران كلاعب صغير بأن القوة الأمريكية في حالة تراجع، وإن التزام الولايات المتحدة الأمريكية بحلفائها في الخارج ضعف بشكل كبير جدا.
الجدير بالذكر، هو حجم وكثافة الاتصالات سواء على المستوى الثنائي بين الطرفين، وباقي الأطراف الأخرى، وكذلك الاتصالات المتعددة في إطار منظمة الأمن والتعاون الأوروبية، أو بين مجلس روسيا والناتو. بيد أن كل هذه الجهود لم تسفر عن شيء ملموس، وهذا معناه أن الثقة بين روسيا والولايات المتحدة تقريبا معدومة، وأيضا أن أمام روسيا وقت طويل جدا لكي تحصل على ما تريد، خاصة وأن بوتين لا يثق بالضمانات والاتفاقيات المكتوبة. وهذا ما أكدته استراتيجية الأمن القومي الروسي التي اعتمدت قبل ما يقارب أكثر من أربعة شهور وهو تفعيل البناء الداخلي لروسيا، لأن الداخل الروسي هو الذي يحكم المسألة.
وتأسيسا لما تقدم، هناك تحول استراتيجي حصل اليوم وهو مسألة الحوار بين روسيا والناتو حول قضية الدنباس واوكرانيا، بمعنى قد انتهى الحوار وسينتقل إلى مناقشة المطالب التي قدمها بوتين إلى النيتو وواشنطن، ولم يعد هناك أي نقاش حول اتفاقية مينسك، لأن روسيا منذ ثماني سنوات تطلب تنفيذ هذه الاتفاقية بينما الغرب يدعم السلطات الانفصالية أو ما يطلق عليهم  الروس السلطات الانقلابية من أجل الهروب من تنفيذ هذه الاتفاقية، حيث قام الانفصاليون بقصف المواطنين الروس مما ادى إلى لجوء 700 ألف مواطن من تلك المنطقة إلى الأراضي الروسية. إذن نحن أمام مرحلة جديدة، لاسيما أن أبرز المطالب التي قدمها الروس للناتو وللأمريكان وهي كما يلي:
1. وقف تمدد النيتو إلى الحدود الشرقية الأوربية اي إلى الحدود الروسية.
2. الالتزام إلى ما قبل عام 1997 حيث لم يكون النيتو لا في دول أوربا الشرقية ولا في دول الاتحاد السوفيتي السابق كدول البلطيق مثل استونيا ولاتيفيا وحاليا في أوكرانيا وجورجيا.
3. وقف نشر الصواريخ الاستراتيجية والطائرات الاستراتيجية وإلغاء القواعد الأمريكية المتواجدة دول أوربا الشرقية خاصة رومانيا وبولندا.
هذه هي المطالب الروسية التي يعتبرها بوتين إنها ستحقق السلام والأمن في أوروبا وفي كل العالم.

س/ هل مازالت الحرب على الأبواب ام أن الأمر قد أنتهى؟
ج/ إعلان بوتين انفصال لوغانسك ودونتسك هو في جوهره تحذير واضح من روسيا في حالة عدم التزام أوروبا والولايات المتحدة الامريكية بالمطالب الروسية سيلجأ الرئيس بوتين إلى الرد على ما تقوم به هذه المجموعات الانفصالية حيث قال بوتين في خطابة" أننا سنرد على كل افعالهم" اي بمعنى ليس فقط سيكون الرد عسكريا وإنما تقنية عسكرية في البداية وهذا ما أشار إليه بوتين في خطابه عدة مرات، أما إذا ذهبت الأمور أكثر تصعيدا سيكون الرد عسكريا.
ما هو التكتيك الروسي لإعلان استقلال المنطقتين الانفصاليتين في أوكرانيا، دونيتسك ولوغانسك البعيد عن الاستراتيجية؟
1. الاعتراف الغربي بأن روسيا ليست دولة أو لاعب كغيره من الدول الأخرى، ولكن روسيا من الدول الكبرى في العالم.
2. تسعى روسيا أخذ تعهد بأن أوكرانيا لن تنضم إلى حالة الناتو.
3. في حالة تحرك قوات حلف الناتو في شرق أوروبا يجب أن يوافق الروس على هذه التحركات.
 4. بوتين يرفض وبشدة قاعدة الصواريخ الأمريكية في بولندا.
5. واضح جدا ان بوتين لا يحارب لكنه لديه ردع، مع العرض أن بوتين قد أشار في خطاب سابق أن أوكرانيا ممكن أن تصنع سلاح نووي وهذا معناه أن بوتين يلمح إلى إمكانية تدمير أوكرانيا، في السياق ذاته لا نستبعد أن تقوم روسيا بخيار العمل العسكري المحدود، وهذه هي الجائزة الكبرى للروس، لإيصال رسالة للعالم بأن الولايات المتحدة الأمريكية كقوة عظمى قد انكسرت.
س/ ما هو رد الفعل الأمريكي والاوروبي؟
إن التلويح بالعقوبات على روسيا والتي قد لا تؤثر سلبا بشكل كبير على روسيا بحسب تصريحات الكرملين بأنهم اتخذوا كافة التدابير والاحتياطات اللازمة من الإنتاج الوطني لمواجهة الأزمة. لكن ممكن أمريكا أن تمنع روسيا من نظام الدولار التي تهيمن عليه الولايات المتحدة الأمريكية. ثم أن الوضع معقد بالنسبة لأوروبا لأن أوروبا تستهلك من الغاز سنويا ما يقارب 550 مليار متر مكعب، 200 مليار من الغاز يأتي من روسيا.
لكن الخطير جدا وهو، من المحتمل أن تدفع أوروبا القيادة الاوكرانية لممارسة المزيد من الأفعال الاستفزازية او التحرش بالقوات الروسية المتواجدة على الحدود علها تدخل في مواجهة عسكرية معها وهذا هو هدفا استراتيجيا للأوروبيين وللأمريكان، لكن روسيا لن تنجر إلى هذا المستوى، وإذا ما حصل هذا سيكون الرد الروسي على بلدان أوروبا الشرقية التي تمتلك قواعد أمريكية مثل بولندا ورومانيا.
أما فيما يخص العراق وموقفه من هذا الحدث الكبير، فهل سيؤيد العراق ام سيكون ضد الروس ام ماذا هو موقفه. لأن روسيا اليوم تنظر إلى علاقتها مع العالم بعد هذه الاحداث. هذه الأسئلة أمام أنظار الحكومة العراقية التي بالتأكيد يجب أن يكون تمتلك الإجابات الواضحة عليهما، لأنه لا توجد إدارة أو حكومة في العالم اليوم ستنتظر كثيرا لكي تحدد موقفها من هذه الأزمة. إذن العراق ليس بعيدا سياسيا عن دونيتسك ولوغانسك، لأن العالم كله في حركة تفاعل مع ما يحدث وسيحدث لأن ما حدث يوم أمس علامة فارقة في مسألة التفاعلات وتوازن القوى في العالم وفي تاريخ العلاقات الدولية.


















إرسال تعليق

0 تعليقات