"سيد القوم"!!؟

مشاهدات

 




الدكتورة سحر أحمد علي
سوريا / اللاذقية


ماأشبهنا اليوم بما يسرده آباؤنا من حكايات لها مالها من أبعاد إجتماعية وأخلاقية حتى ممن يكبرنا سنا ومعرفة بكثير!!
بعضنا ينسى الأهم ويهتم بالمهم حسب ظنه..
كم من القضايا سببها ملاسنة أدت إلى سوء فهم ما أو تعال ما!!
وكم من مهاترات أدت إلى حقد دفين إزاء عنجهية وتكبر وتسلط!
فالمتعلم المتواضع الطيب هو الذي يتغابى او يتغاضى عن النقائض ليتجاوز مشكلة كبيرة ستحدث، فيتجاهل الموقف النقيض لئلا يزيد ويتفاقم، وفي ذلك تقول الحكمة: [ليس الغبي بسيد في قومه، لكن سيد قومه المتغابي]!!
       **
جلس بين مجموعة من طالبي المعرفة يحاضر بالأخلاق والحياة ..
إنسان عارف بالرغم من ثقافته المتواضعة المستنبطة من مراجع كتابية موثقة بأقوال الآباء والأجداد..
من بين هذا الجمع كان هناك شخص مجاز باللغة العربية يحضره لأول مرة!..
وكلما استحضر هذا العارف موعظة أو حكمة تؤكد العظة من روايته كان هذا المجاز يقاطعه في الحديث فيصحح ويقوم له كلماته بالحروف والتشكيل؟!
مما أحرجه إحراجا كبيرا أمام جموعه!.فهو يسعى قاصدا الفكرة والحكمة منها دون الانتباه لثغرات لغوية لفظية.. فينظر إليه نظرة ازدراء وغرابة في كل مرة يقاطع حديثه فيها ليتجاوز الأمر ويسكت هذا المجاز برجاحة عقله، ولكن عبثا!! فإما هذا المجاز لم يفهم نظراته أو إنه كان يظنها نظرات الإعجاب والذهول بقدرته العلمية!!
واستمر الحال وفي كل عثرة لفظية أو نحوية عفوية من هذا العارف كان يقابلها هذا المجاز بأعلى صوته فيصححها أمام الملء من الجموع!!..مما زاد من إثارة هذا العارف الطيب وازداد الطين بلة وأصبح يتجاهلها متسارعا لإنهاء الدرس ومع انتهاء الدرس وانصراف الجموع - نادى الحكيم العارف للشخص المجاز الذي لم يكن يعرفه سابقا..
أخذه جانبا وسأله يابني: هل كان حضورك اليوم لطلب العلم؟!..
أجابه المجاز: بالتأكيد سيدي ..
وهنا سأله الحكيم العارف: ماهو تحصيلك العلمي؟!
فأجابه المجاز: أنا مجاز في اللغة العربية أستاذي..
حينها أدرك الحكيم أنه لاملامة عليه فقال له: نعم نعم هنيئا لك يابني دراستك وعلمك ولكن لي عتب كبير على من منحك هذه الشهادة الجامعية لأنه ينقصها علم أبلغ أهمية منها!!
رد الأستاذ المجاز مستغربا قائلا: سيدي هل كلامك موجه لي؟ أنا في حيرة من عتبك الشديد هذا؟
أجابه العارف الطيب البسيط نعم إنني أخصك به تحديدا!؟
فأجابه المجاز في بدهشة: سيدي أنا أثق بك وبفكرك لكن الفضول يثير سؤالي ماهو العلم الذي ينقص تحصيلي العلمي؟؟؟
هز العارف البسيط رأسه قائلا: يابني سأكون معك بمنتهى الشفافية فإنك وكل من قصدني للاستفادة من دروس الحكمة والمواعظ بمثابة أولادي.. مارأيته منك اليوم أمام طلبتي أثار سخطي لكنني تمالكت نفسي حتى آخر نفس من صبري.. ياولدي" لاتوبخ مستهزئا لئلا يبغضك وبخ حكيما فيحبك"..أم (8.9) فمن حسن حظك أنك أخطأت أمام حكيم!! هاأنا أحببتك مستهزئا عفويا فلربما ياولدي قد غفلت عن آداب مجلسنا هذا بتسرعك لتظهر اجتهادك اللغوي وعملت على ما قال حكيم الحكماء سليمان الحكيم فمن 'يحب التأديب يحب المعرفة ومن يبغض التوبيخ فهو بليد' فأنت ياولدي تعلمت وتعبت وحصلت... نعم،  لكنك لاتدرك الخبرة والعلم الذي هو أهم بل الذي هو أعظم علم، إنه علم المعرفة واللباقة والأناقة السلوكية!!
وقد بدأتها معك بأنني لم أحرجك أمام الجمع.. وهاأنا أصارحك هفوتك هذه بيني وبينك..
أنت ياولدي تنقصك الشهادة المثلى ألا وهي شهادة علم السلوك؟!!
       **

إرسال تعليق

0 تعليقات