كتابة الدستور في فكر الفقيه المقدس الغريفي

مشاهدات




بقلم / ابراهيم الدهش 


يعد كتابة الدستور من الموضوعات المهمة والخطيرة على صعيد الدول والشعوب ؛ لكونه الركيزة الأساس التي تعتمد عليها جميع السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية في أصل مشروعية عملهم وبيان حدودها فضلاً عن أثرها في تنظيم العلاقات الداخلية والخارجية للبلد. 

ولهذا فقد انبرى سماحة آية الله الفقيه السيد أبو الحسن حميد المقدس الغريفي دام ظله للتأكيد على ضرورة كتابة الدستور بصورة سليمة وأدوات معرفية صحيحة اعتمادا على متخصصين من فقهاء الشريعة وعلماء القانون وباحثين في الشؤون والعلاقات السياسية وتلحظ ذلك بوضوح من خلال كتبه وبياناته وأحاديثه ومحاظراته العامة حيث اولى هذه المسألة حيزاً كبيراً من منجزه المعرفي؛ وذلك لإحساسه بأوجاع بلده ومجتمعه وما وصل اليه من منعطف سياسي خطير نتيجة للسياسات والأخطاء المتراكمة عبر الحكومات المتعاقبة في العصر الحديث من الملكية فالجمهورية في صورها المختلفة سواء الاستبدادية أم الديمقراطية ، حتى ألقت بظلالها على عموم الشعب العراقي فانتجت ظواهر سلبية على المستوى الثقافي والاجتماعي والاقتصادي وحولت البلد من كونه صاحب أقدم مشروع قانوني في العالم ومن اغناها في موارده الاقتصادية واعلاها ثقافة ومعرفة ودراية الى بلد يسوده الفقر والحرمان والجهل ونقصان الوعي عند كثير من ابناءه. 

ومن هنا تصدى سماحته للمشهد السياسي بعد 2003م كناقد وموجه ومرشد لدرء الفتن وحل الاشكاليات وابراء الذمة  وتصحيحا للقرارات الخاطئة التي تمس الشعب العراقي وتعيق عجلة البناء والتقدم  ،، فقد كتب سماحته فيما يتعلق بالدستور كتابه الشهير (حكومة الفقهاء ودستور الأمة) بعد 2003م كمحاولة لتصحيح الاخطاء التشريعية والتراكمات السياسية الموروثة من الانظمة السابقة ووضع خارطة طريق للحكومات اللاحقة.

 وقبل الخوض في تفاصيل كتابة الدستور عند سماحته كمشروع مدون  ، لابد لنا إطلالة سريعة على مفهوم الدستور ومعناه في الاصطلاح القانوني والسياسي  ، وعندما رجعنا الى المصادر والمراجع المختصة وجدنا تعريفات كثيرة تختلف من حيث الايجاز والتفصيل والاطلاق والتقييد تبعا لطبيعة النظام القائم في الدول ونمط التفكير السائد والظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تتعلق بالبلد وترتبط بمقدراته فهو (القانون الاعلى الذي يرسم القواعد الرئيسة لطبيعة النظام في الدولة الواحدة بما يحدد الحقوق والواجبات على السلطة والشعب).

ولاجل كتابة اي دستور في اي بلد لابد من الإحاطة بالتشريعات السابقة ومعرفة مواطن الضعف والخلل فيها لتفاديها واختيار الأنسب للبلاد بما يتلائم مع توجهات الشعب كما لابد من صياغته باسلوب بلاغي يراعى فيه الايجاز والاختصار مع عدم الاخلال بالمادة القانونية وطبيعة عرضها.

ومن هنا فقد ذكر سماحته حينها (42) نقطة تعد خطوط عامة لكتابة الدستور يحفظ بموجبها المصلحة العامة من خلال منهجية عمل تتفاعل معها كل القوى والأديان والقوميات والاقليات الموجودة واقعا على ارض الرافدين.

واهمها ضرورة الحفاظ على وحدة اراضي العراق والحفاظ على سيادته واستقلاله، وان يكون الاسلام هو دين الدولة الرسمي والشريعة هي المصدر الأساس للتشريع مع احترام الاقليات من ارباب الشرائع السماوية بارجاعهم الى كتبهم ومعتقداتهم، مع منع تولي مزدوجي الجنسية المناصب العليا في البلاد فضلا عن ضرورة تمتع أرباب المناصب العليا بكفاءة وقدرة تؤهلهم لتولي هذه المناصب ، وضرورة مراعاة حقوق الإنسان بما فيها حرية الرأي والصحافة والطباعة بشرط عدم التعدي على مبادئ الإسلام والحقوق الشخصية للأفراد والجماعات، وحصر السلاح بيد الدولة وحظر انشاء مليشيات مسلحة عرفية لأن هذا الأمر في ظرف الاستقلال يكون بعيدا عن التحضر والمدنية والسلامة، والاهتمام بجانب المرأة وتوظيف طاقاتها بصورة عادلة وسليمة ..... ونحو ذلك مما يضمن توفير حياة عادلة وسليمة للشعب العراقي تسودها السعادة والطمأنينة والاستقرار.

الا ان التسرع وعدم وجود ضوابط ومعايير حقيقية في الكتابة فضلا عن انعدام التخصص وغلبة الهوى والمصالح الشخصية للاحزاب والتنظيمات السياسية وعدم اطلاع الشعب بمختلف فئاته على جميع مواد الدستور ادى الى كتابة دستور فيه الكثير من المعوقات والأزمات التي تضر ولا تنفع في حل النزاعات بل اصبح بين حين وآخر مادة للنزاع والخلاف في طبيعة تفسيره والاختلاف في شرح مضامينه، مما ادى بالنخب المثقفة والعلماء والمختصين الى الدعوة الى تعديل مواده وإلغاء بعضها التي تشكل قنابل موقوتة تهدد السلم الاهلي والمجتمعي للبلاد. 

ولذا كان سماحة السيد المقدس الغريفي دام ظله في الصدارة حيث يؤكد باستمرار على ذلك، وكان آخر ما صرح به في بيان له صدر في 17/ 10 / 2017م عند اجراء استفتاء الانفصال لاقليم شمال العراق قائلا : (رؤيتنا الواضحة والثابتة منذ بداية كتابة الدستور وإلى يومنا الحاضر نجد هناك موادا دستورية كثيرة تحتاج إلى التعديل ومن أهمها هي التي تشكل اليوم أزمة خانقة قد تجر البلد  إلى حروب داخلية يجب معالجتها هي فيما يخص النظام الفدرالي ، وأيضا ما يتعلق بالمادة (140) التي تخص ما يسمى بالمناطق المتنازع عليها التي تعد مصدرا أساسيا لإثارة الأزمات والنزاعات والصراعات على كافة الصعد السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها والتي صار العراق بسببها يعاني ويخسر كثيرا من البشر والحجر، ومن تداعيات ذلك هو ما حصل اليوم من خرق الدستور والتجاوز على ارادة الشعب العراقي من خلال استفتاء الكرد ودعوتهم الصريحة للإنفصال واحتلال محافظة كركوك وكثير من المناطق وضمها بقوة السلاح إلى إقليم شمال العراق) اذ ان بعض المواد الدستورية هي السبب في تمكين الكرد العراقيين من إجراء استفتاء لأجل الانفصال التام من العراق ولذا بين سماحته الاسباب الداعية الى ضرورة التعديل بقوله : (ضرورة قطع مادة النزاع في الدستور العراقي كخطوة في طريق الإصلاح ودرء الفساد ، لأن أهم ما يحتاجه البلد هو تثبيت مواد دستورية تساهم في إيجاد الإستقرار والأمن والأمان والسلام وتسد باب الذرائع التي يستفيد منها الانفصاليون ومرتزقتهم ومن لا يؤمن بوحدة الأرض للشعب العراقي) فالكرد مواطنون عراقيون لابد من توفير جميع حقوقهم كما ينبغي عليهم اداء الواجبات والتكاليف اتجاه الوطن غاية ما في الأمر اننا نرفض النزعة الانفصالية عند جماعة منهم. 

ومن هذا المنطلق لابد للبرلمان العراقي من ضرورة الاتفاق على تعديل بعض المواد الدستورية وفق السياقات القانونية بما يحفظ سلامة البلد وسعادة والمواطن.

إرسال تعليق

0 تعليقات