الحرية الشخصية والقوانين الوضعية

مشاهدات



                                                                        

علي العوادي



لا يختلف اثنان في أن الحياة البشرية بلا قانون يسيُّرها في المسار الصحيح ستتحول إلى شريعة غاب ، بل إن شريعة الغاب ستكون أفضل في بعض القياسات ، لأننا نرى أحيانا أن الفرائس من الغزلان والحمير الوحشية ترعى وبأمان بالقرب من الأسود التي استلقت على العشب بعد أن سدت حاجتها (أي الأسود) من الطعام ولا تفكر في جمعه وادخاره للأيام المقبلة لأنها خلقت بشهوة وبدون عقل .أما الإنسان فقد خلقه الله تعالى بعقل وشهوة ، فان غلب عقله شهوته كان أفضل من الملائكة ،وان غلبت شهوته عقله كان أدنى مرتبة من الحيوان ، فعقل الإنسان هو الذي يسير قواه لتحقيق ما تدفعه إليه غرائزه ،وهنا تكمن الخطورة فلو استغل الإنسان تلك القوة الجبارة  -أي العقل- في غير ما أمره الله تعالى فانه سيتحول إلى أداة شر قد تكون سببا في هلاك الحرث والنسل ، لذلك فان القوانين الإلهية ابتدأت منذ أن خلق الله جل وعلا آدم وحواء واسكنهما الجنة ،وقال لهما :(ولا تقربا من هذه الشجرة فتكونا من الظالمين ).ذلك يعني أن الحياة في الجنة لها قوانينها والأكل من تلك الشجرة خروج على تلك القوانين فكانت النتيجة أن أصبحت الأرض مستقرا لآدم وحواء عليهما السلام  .وتوالت القوانين الإلهية على البشر عن طريق أنبياء الله ورسله لتجعل من الإنسان مؤهلا فعلا لان يكون خليفة لله في أرضه .وبالطبع لا تخلو دولة من دول العالم من قوانين تسير حياة مجتمعاتها ، ولكن قد يكون هناك تباطؤ في تشريع القوانين للمتغيرات الحياتية ، أو قصور في تفعيل القوانين الموجودة ، الأمر الذي يؤدي إلى فهم خاطئ لمفهوم الحرية الشخصية لدى البعض ، وعندها تتولد حالة من الفوضى وتتغير الثوابت فيصبح من يستخدم حزام الأمان عند السياقة (بطران) !!.ولأننا ومع الأسف نعيش مثل هذه الأوضاع ،لذا فان حالة من (الانبهار)قد تصيب معظم العراقيين الذين يسافرون إلى البلدان الأخرى لما يرونه من تطور كبير قد شهدته تلك البلدان وفي كافة مجالات الحياة ولما يرونه من التزام مواطني تلك الدول بأنظمة الحياة العصرية .وبالتأكيد لم يأتي ذلك التطور أو الالتزام بالأنظمة من فراغ، بل هو حصيلة جهود مضنية بذلتها تلك الشعوب ،وهو حصيلة تطبيق أنظمة وقوانين تم تشريعها منذ عقود خلت ، وعلى سبيل المثال وتعزيزا لتلك القوانين شرعت الحكومة البريطانية قانونا جديدا بفرض غرامة مالية على من يبصق في الشارع أو الأماكن العامة ! أما في كوريا الجنوبية فان هناك أشخاص (عملهم )هو التجوال في الشوارع والطرقات الخارجية على الأغلب لرصد المخالفات وتوثيقها (فيدويا)ثم تسليمها إلى الجهات المختصة لكي يأخذ المخالف جزاءه ويحصل القائم بهذه المهمة على مكافأة !.من هذا نستنتج أن الأخطاء والمخالفات في سلوك بعض الأفراد موجودة في كل دول العالم ، ولكن الفرق فيما بيننا وبين تلك البلدان هو أنهم شرعوا القوانين وفعلوها ومع مرور الزمن (تقولبت) شعوبهم على تلك القوانين والأنظمة فأصبحت جزءا من عاداتهم وطباعهم . أما نحن فنحتاج إلى إحداث تغيرات جذرية في إعادة توجيه سلوك الفرد تبدأ من الأسرة لتشمل كافة المؤسسات وبما يضمن للجميع أن حريتهم الشخصية مكفولة ،ولكنها تنتهي مع بداية حرية الآخرين.

إرسال تعليق

0 تعليقات