التعددية الثقافية والمذهبية ومشكلة قبول الآخر المختلف

مشاهدات





حسن راسم محمد


قال تعالى:((ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين))



العقل الضيق يقود دائما إلى التعصب

آرسطو




لم تكن هذه المصطلحات منتشرة في الامم والحضارات بشكل سلمي او تم التعامل معها بشكل طبيعي او إن هذه الاشياء هي فطرية يجب الاندماج والتعايش معها بأنسيابية تامة بل على العكس كانت نيران الفرقة والاختلاف تحرق كل الامم التي يشكل مجتمعها النسيج الاجتماعي المنوع من الاطياف والاديان والقوميات المختلفة عن الآخر حيث أدى هذا الاختلاف الى جر الامم والشعوب الى الويلات والمنغصات والآلام والاقتتال فيما بينهم حيث أن كل طرف من هذه الاطراف يرى نفسه هو على الحق والصواب وهو الذي يجب ان يتبع او الذي يستلم زمام الشعوب الدينية منها والاجتماعية وهو الذي  يجب ان يسود منهجه ومعتقده على كل المناهج والمعتقدات الآخرى، رافضا التعايش السلمي أو العيش في ظل خيمة الوطن التي يستظل بها أهلها جميعا دون تمييز طائفة عن أخرى ضد موجات الخطر التي تهددهم وتهدد كيانهم الوطني والثقافي والحضاري،

وهذه هي حقيقة النزعة التعددية التي كانت منتشرة بين الامم والحضارات قبل شيوع مبدأ التعدد (الثقافي،المذهبي، وقبول الآخر) والتي شكلت طفرة نوعية في ازدهار الامم والشعوب واثمرت قبول النزعة المتعددة في تغذية المجتمعات بالافكار النيرة والبنائة التي تصب في خدمة جميع الناس،

حيث أن اغلب الحضارات والشعوب والأمم سواء في الماضي او في الوقت الحاضر تتميز بتعدد الثقافات والديانات والأفكار والمذاهب  سواء كان هذا التميز في المستويات الدينية او السياسية او الاجتماعية وهنا لا بد ان نتكلم عن دور التعددية من منظور الايجاب ودورها في إرساء قواعد السلام والامان في كل الاوطان والافهام،

 لم تكن النظرة الى التعددية في البلدان التي توائمت مع الاختلاف على انها رفض الآخر وإقصائه وتهميشه وإبعاده ونفيه او تحجيمه في تولي إلادوار المختلفة في مقامات منوعة، 

وهنا سنتكلم عن التعددية الثقافية اولا ومن ثم الاختلاف المذهبي الذي يعم جميع البلدان الغربية والاسلامية على حد سواء ومن ثم قبول الآخر المختلف"


التعددية الثقافية

"ان كلمة التعددية هي كلمة شمولية ومنوعة تعط كل الناس حيزا ومكانا في بلدان التعددية ولا تحاول ان تختزل السلطة او الرأي لدين معين او لمذهب مختلف،فعندما نقرأ التاريخ الاسلامي او الغربي نجد بأن هناك أديان ومذاهب مختلفة متعايشة ومنسجمة في واقع الحياة الاجتماعية ولم تتنافر او تتطارد فيما بينها لإثبات الهوية الشخصية للدين او المذهب على الاخر المختلف،بل شكل هذا الاختلاف حضارة متقدمة وأمة قوية متماسكة يسودها الامان والاستقرار السياسي والثقافي وان كانت مختلفة عن الآخر بالرأي او الفكر او الثقافة، وعندما نبحث في التاريخ نستنتج بأن يوجد هناك تلاقح وتفاهم في موضوع التبادل الثقافي والمعرفي بين الشعوب وبشتى المعارف والعلوم والتي قوت من الاواصر والتماسك بين هذه الامم والحضارات، ونجد ايضا بأن الحضارة الاسلامية كانت في تقدم مستمر باحتواء الآخر المختلف حيث جاءت بكل معاني الازدهار والتحرر من الافكار التي تجعل الفرد او الامة منغلقة على نفسها رافضة التأقلم الثقافي والفكري الذي يصب في خدمة الامة جميعا، بل كانت مفتوحة على الآخرين مستلهمة منهم الثقافات العلمية التي من شأنها ان تعزز من الرقي العلمي والمعرفي والتطور الفكري الذي يصبان في خدمة الناس من دون تمييز او تفريق ممنهج،

ولو نشاهد الآن وفي وقتنا الحاضر نجد بأن أغلب الشعوب مكونة من قوميات معينة ومن ديانات مختلفة فعندما نذهب الى الهند نجد فيها من التنوع الكبير الذي يصل الى اعداد كبيرة من الفئات المنقسمة في الانتماء او التوجيه وكذالك الى الصين او الى امريكا او افريقيا او اليابان وغيرها من الشعوب التي كانت هذه المكونات المتعددة ثقافيا وفكريا ودينيا هي المكونة لشعوبهم ونمو حضارتهم وازدهار معارفهم"


الاختلاف المذهبي

"هناك عدت مذاهب دينية مختلفة الرؤى ومختلفت الايديولوجيات والتعاليم تمارس طقوسها وشعاراتها بما لا يفعله الآخر ولكن لابد ان نتطرق الى عدت اسئلة منطقية ومن نظرة واقعية هل هذا الاختلاف والتعدد كون بعض الامم ?? وكيف تعاملت بعض البلدان مع هذا الاختلاف?? وكيف تعايش وانصهر الافراد فيما بينهم في مجتمع موحد يجمعهم جميعا بدون تفريق او تمييز ??

لو نقرأ سيرة الاوطان والشعوب ذات الاطياف المتعددة والمذاهب المختلفة والتي كان لها حذوة ونصيب في التقدم والازدهار نجد بأن عقول مواطنيها كانت تتمتع بدرجة عالية من قبول الاختلاف الذي وجد منذ قرون ماقبل الاسلام،

إن هذه النفوس والعقول المباركة أعطت الحرية للآخر بأن يمارس طقوسه وعاداته بما يراه هو صحيحا من تعاليم مذهبه الذي يعتنقه من دون اضطهاده او تخويفه او محاولة ترويعه بكل الوسائل المحرمة شرعيا وأخلاقيا،

حيث تعايش هولاء الناس بسلام وأمان نتيجة النضج الفكري وانفتاحهم على الآخر وإحترامه على أنه أنسان اولا ومن ثم أخ في الوطن فلا ينظر له نظرة إزدراء او نظرة إحتقار او تقليل من شأنه حتى لو كان مختلفا كليا، ان كل هذه الامور والعوامل الايجابية اثمرت لنا انشاء اوطان آمنة وسليمة من الارهاب او العنف،

 وهذه الشعوب التي عايشت هذا الاختلاف أفرزت لنا أجيال تؤمن بالتعايش السلمي الذي من شأنه ان يحذو بالشعوب نحو طريق النمو الحضاري والتطور الثقافي الذي تكون ثماره جلية وواضحة في الواقع الذي تعيشه هذه الشعوب،مبتعدة عن التقاتل والتناحر المذهبي والذي يؤدي الى هلاك الانسان والاوطان"


قبول الآخر

"لابد لكل الافراد وكل الشعوب ان تتقبل فكرة قبول الآخر المختلف وذالك من خلال زرع هذه الافكار في عقولهم اولا ومن ثم تطمئن بها نفوسهم ثانيا، وفي وضع القوانين التي تنظم الحياة الاجتماعية والسياسية من خلال دمج الآخر المختلف في جميع مفاصل الحياة وذالك لك لا يشعر بالغبن او الظلم من الآخر المختلف،

فإن مسألة التكيف مع المختلف وإعطائه فسحة ومجال في الانتماء او الاعتقاد من شأنه ان يخلق مساحة كبيرة من الامن والاطمئنان والاستقرار في هذه الاوطان، وأن رفض الآخر او عدم تقبله من شأنه ان يخلق جوا مظلما مليئا بكل معاني الإرهاب الاجتماعي والتناحر العقائدي بين ابناء هذه الشعوب وسيجرهم الى بحورا من الدماء وأستنزاف الطاقات العقلية او الخدمية،وكذالك سيجر مبدأ رفض الآخر الى ترسيخ وتغذية الاجيال بالأفكار التي ستفتك بهم في المستقبل الذي سيلقوه، وهذا مانراه اليوم واضحا وجليا في البلدان التي رفضت قبول الآخر كيف وصلت الى مرحلة مؤلمة والى مرحلة عصيبة من الاحتقان الطائفي وسفك الدماء وتخلف في المسيرة الحضارية والمواكبة التقدمية وفي جميع المستويات، وأصبحوا في نهاية القطار المتهالك الذي سينحرف عن سكته في يوم من الايام ثم ينقلب فيدمر ما فيه من خير او شر،


وهنا احب ان اوضح مسألة عن بلد العراق الذي يكونه عدد من الاديان والقوميات والمذاهب منذ نشأته والى يومنا هذا لابد ان تنتشر وبقوة ثقافة قبول الآخر وذالك من خلال اقامة المحاضرات الوطنية النزيهة التي توع الناس جميعا على ضرورو احترام وتقدير كل الاديان والمذاهب المختلفة وان يأخذوا الحرية في بلدهم العراق الذي عاشوا فيه منذ فجر السلالات والحضارات،

وأن يتم توعية الناس حول المخاطر الكبيرة التي ستلحق بفكرة فرض العقائد على الآخرين بالإكراه او الاجبار وما سيؤول اليه هذا التصرف من ازدياد الحقد والبغضاء في نفوس ابناء البلد الواحد الذي يجمعهم التاريخ ويجمعهم الموروث الثقافي والارض الواحدة،حيث يجب تغذية الناشئة والشباب حول هذه الافكار التي من شأنها ان تجعل هذا البلد ينعم بالاستقرار والامن والازدهار والذي اصبح حلما لدى جميع أطيافه"

إرسال تعليق

0 تعليقات