سعد الدغمان
الملاحظ في الوقت الحالي أن تأثير الكلمة المكتوبة في ظل ما خلفه الإعلام المرئي ووسائل التواصل بدء بالانحسار بشكل لافت ، وهو المشهد الذي طغت عليه تأثيرات الإعلام المرئي أو ( الإعلام الرقمي) بتقنياته الحديثة ، وفي ضوء ذلك باتت وسائل الإعلام القديم أو التقليدي تشهد تراجعاً ملحوظاً ولافتاً للانتباه ، يصفه البعض بالتراجع أمام ما يطرحه الإعلام الرقمي من مستوى متقدم يعتمد الصورة كقوة تأثير لا تضاهيها الكلمة أبداً.
و كميزة جديدة تحسب للإعلام الرقمي أيضا ، فاق بها التقليدي تمثلت بإمكان أي شخص أن يمارس العمل الإعلامي بشكل مباشر عبر وسائل التقنية الحديثة التي تمثلها وسائل الاتصال المتطورة بالقياس لمحدودية ما يتميز به الإعلام التقليدي ، ومن هنا ذهب العديد من المطلعين إلى وجهة نظر تقول بتلاشي الإعلام القديم ( التقليدي) أو المقروء من ساحة العمل الإعلام ، تاركاً إياها للإعلام الرقمي الذي فرض نفسه على الواقع الإعلامي العالمي بشكل كاسح.
استشراف المستقبل
وهنا لابد لحقل الإعلام الوطني بوسائله المختلفة أن يتنبه إلى هذه الحالة ، ويسعى إلى التحول الرقمي تزامناً مع التطورات الحاصلة في مجال الإعلام في العالم ، استشرافا منه للمستقبل وليكون سباقا في هذا التحول خدمة للقارئ أولاً ، وحفاظاً على المصداقية والموضوعية التي تعمل عليها وسائل الإعلام الوطنية ، التي تتبع المنظور الحديث للإعلام ونظم استشرف المستقبل ، وتبادر إلى مواكبته ، وتطبق معطيات النجاح فيه.
وعلى الرغم من ذلك فأن تعميم عملية التحول على كل مساحة العالم فكرة ليست دقيقة ، فقد يكون هناك اختلاف في الرؤى والإمكانات من بلد إلى أخر ، كما ويختلف مستوى الوعي الفكري أيضا وثقافة القارىء ، إلا أن انتشار الإعلام الرقمي ونمو قطاعاته بات من المسلم به ، ومن الضروريات التي تفرض نفسها كواقع لابد أن يتماشى معه العالم في قطاع الإعلام ، وإلا يعد التوقف عند مستويات الإعلام القديم تخلفاً عن مسايرة مجريات التقدم والتكنولوجيا التي انتشرت في كل الأرجاء. لكن والحال الآني لابد من الإبقاء على الإعلام التقليدي في الوقت الحالي حتى نعلم أسس التحول إلى الإعلام الرقمي ، وطرق الاستفادة منها ومن التقنيات التي يتعامل بها بصورة تامة.
فعلى الرغم من مرور سنوات على الطفرة التكنولوجيا التي نعيشها وما نقلته لنا من سبل الإعلام التفاعلي والرقمي ، لازلنا نجهل مصير ما ينتجه الإعلام القديم من صحف ومجلات وكتيبات ومواد مطبوعة ، ونأمل أن تظهر صيغ جديدة وأفكار يستمر معها الكتاب المطبوع والصحيفة التي مثلت حقبة ليست بالقصيرة من تاريخ الثقافة والعلوم ، وأرخت للحضارات ودونت ثقافات العالم ونقلتها.
الاتجاه نحو الرقمية
من جانب أخر ، لابد من أن لفت إلى أن الإعلام القديم أو التقليدي يمتاز بصدق المعلومة ، وهذه الميزة منحته الاستمرار والتألق لعقود طويلة منذ اكتشاف المطبعة وحتى اليوم ، لكن مع النمطية التي ظل عليها ذلك الإعلام والتي دفعت العديد لوصفه بالجمود وعدم مسايرة التقدم الحاصل في مختلف المجالات ، باتت الحاجة ملحة للتحول إلى الإعلام الرقمي أو ( الإعلام الجديد)، وإلا سيكون حتما على وسائل الإعلام التقليدي الزوال والخروج من ساحة المنافسة ، فالاتجاه العام اليوم يميل نحو الرقمية لا محالة. على أن يكون التحول بديناميكية وقوانين تتماشى وآليات ما فرضه الإعلام الرقمي وفق الصورة المعمول بها ، وليس التحول لمجرد التحول أي وفق صيغة موقع الكتروني وصفحة تفتح على موقع للتواصل ، وهذه تعد من أعمال الهواة ، المطلوب من عملية التحول من التقليدي إلى الرقمي صيغ متجددة تتماشى و ما يطرحه الإعلام الرقمي ومنافسة له ، فالإعلام يعتمد المنافسة والسبق قبل أي شيء أخر، وإلا سيكون مصير الوسيلة المطبوعة وملحقها الإلكتروني الزوال من الساحة.
توظيف التقنية
وهنا لابد من أن يسعى الإعلام الرقمي إلى توظيف التقنية ، وفهم حاجة الجمهور في توظيف رسالته الإعلامية بدقة متناهية ، عبر صياغة دقيقة لما ينشر عبر وسائله ، هذه الصيغة المقرونة بدقة الصورة التي تنقل مع الخبر هي التي أجبرت الإعلام التقليدي على التراجع أمام الإعلام الرقمي بما يتم توظيفه من تقنيات وأدوات وعناصر أحكمت سيطرتها على ذهن المتلقي ، وسيطرت على حواسه بشكل كامل ، ليدفع بالإعلام القديم بعيداً عن الساحة التي فقد فيها متابعيه ومريديه ، مقابل ازدياد متابعي الإعلام الرقمي الجديد .
ومن المعلوم أن أحد أهم خصائص الإعلام الجديد هي ( التقنيات الرقمية) وهي الميزة التنافسية في موضوع البقاء أو الأفول من الساحة ، وذلك لامتلاكها القدرة على توظيف أدوات تقنية مختلفة لا قدرة للتقليدي على استخدامها في صياغة الرسالة (المادة الإعلامية) ، وهي هوة كبيرة ليس للإعلام التقليدي قدرة على ردمها أو تجاوزها.
كما أن الإعلام التقليدي غير قادر على التأثير بالمتلقي أمام ما يمتلكه الإعلام الرقمي من إمكانات ترتقي بالرسالة الإعلامية لتكون أكثر تأثيرا ومصداقية ومنها : أن الإعلام الحديث فرض سيطرته على الساحة عبر سرعة الاستجابة واختصار الوقت ، وهي من الإيجابيات التي تحتسب له بضوء ما يطرحه من تقنيات آدت إلى أنتاج الصورة بجودة عالية ، وتوظيف الصوت بدقة متناهية في عملية إيصال الرسالة الإعلامية ، ما جعله أكثر استغلالا للفرص في مسايرة الواقع ومتابعة التطور المستمر في مجال تبادل المعلومة ورجع الصدى لدى المتلقي.
وبهذا تكون الفرصة متاحة في الحاضر للإعلام التقليدي ليساير تلك التطورات ، من خلال الدمج بين ما كان والحاضر ، وليسعى لتوظيف التقنية الرقمية بما تملكه من قدرات هائلة في مجالات التأثيرات الإعلامية على المتلقي ليستخدمها في صياغة رسالته الإعلامية ولتتماشى وتطورات الساحة الإعلامية.
تحقيق التوازن
أن من أبرز التحديات التي يعمل عليها الإعلام الرقمي هي صيغ توظيف المؤثرات وتكريس الأدوات التقنية في تجسيد أعماله الصحفية ، واستخدامه للصورة بفنية متقنة دفعت للتقليل من مساحة الكلمة المطبوعة ، ما أضفى على الرسالة الإعلامية تركيزاً أكبر ومصداقية أعلى وفهم أوسع ، على العكس من ذلك يعمل الإعلام القديم على توظيف واستخدام المساحة المكتوبة بديلا عن توظيف الصورة كعامل تأثير على المتلقي ، وهو ما يجعل طريقة المعالجة هذه لا تصمد أمام ما يطرحه الإعلام الرقمي من تقنيات في معالجة نفس الموضوع وبنفس مساحة ما وظفه الإعلام التقليدي من صيغ مكتوبة ، والتي باتت تشكل عبئاً على المتلقي.
لقد فرضت التقنية الحديثة اليوم تحدٍ كبير على مضمون الرسالة الإعلامية ، وعلى معايير التوازن في الطرح ، وأن الكلمة التي كانت هي محور القصة الإخبارية واهتمام القراء في كل مكان ، لم تعد اليوم لها تلك السطوة ، و باتت الحالة مغايرة فالصورة هي التي فرضت نفسها كقوة تأثير وبتقنية عالية ترافقها المؤثرات الأخرى كالصوتية والبصرية والتي أغنت المشاهد عن الخوض في تفاصيل الخبر وقراءته ، وهذه قد لا تحدث تأثيراً مشابهاً لما تحدثه الصورة عالية الجودة والتقنية.
وفق تلك المتغيرات فأنه ليس من المستبعد أن يختفي الإعلام التقليدي ويحل محله الإعلام الرقمي بكل مجالات الإعلام وحقوله المختلفة ، وعلى الرغم من إننا نشهد اليوم العزوف عن الإعلام التقليدي ، إلا أنه لازال له مساحة لدى القراء ، ولازال محبيه على الساحة ، لكن إن لم يواكب الإعلام القديم التطورات الحاصلة في مجال التقنية سيختفي نهائياً ، وهنا تكمن ضرورة تحقيق توازن بين صدق الرسالة الإعلامية ، واستخدام التقنيات الحديثة.
عناوين ممكن الاستفادة منها بين الفقرات
- استشراف المستقبل الإعلامي وضرورة التحول الرقمي.
- صدق الرسالة معيار لمواكبة الإعلام الرقمي.
- توظيف الرسالة الإعلامية باعتماد احتياجات الجمهور.
- تقنيات الصورة جعلت الكلمة المكتوبة تنحسر.
0 تعليقات