ثائرة اكرم العكيدي
ثمة أشخاص لا يعوزهم إدراك مناسبة ما كي تتعذر الكتابة عنهم كي تخصص سعة من ذاكرتك المعبأة بضجة الحياة حيزا صغيرا لهم ، دون أن يتخبط في حيزك ذاك مناسبات الحياة أو الموت ، تلوح لهم بحب في أي وقت لا سبب ولا غاية من وراء ذلك سوى محض حب خام ، أو وصل إنساني شفيف تترع ذاكرتك بذكراهم ، وذاك القدر الضئيل الذي أبقيته لهم لا يضاهي بالتأكيد مكانتهم الكبيرة في قلبك ووجدانك.
ها هو الزمن يخرج لي من زاوية ضيقة الأمس هو مثل لعبة الطفل تماماً كل ما تحطمت وتكسرت أبدلوه غيرها كي لا يرون حزنه، وليشغلوه عن نسيانها. إنه يجيء لنا بشكل جديد، وبألعاب الذاكرة التي لا تلهينا بل تؤلمنا وقد تشقينا. ماذا يفعل الإنسان عندما يحاول استحضار كل أشيائه دفعةً واحدة؟ أيمكننا اختيار الغائبين موتاً للحديث؟ أيكون الوقت صالحاً لكل الوفاء الذي نبعثه من جديد في محاولة لاستعادة حقوقنا التي صادرها العمر، وخسف بها الحظ؟ هل يبدو علينا الوقار الآن وقد كبرنا لنأخذ حقنا بشهوة الطفولة، ورغبة اللعب بالشعور الذي لم نتقافز به فوق لعبة الحبل؟ من يصالحنا مع الذين فصل بيننا وبينهم العمر؟
لقد اخذتني الحياة ، ومن ضمن انشغالات تلك الحياة تكاثفت قوة غريبة تحثني على تجريب كتابة مقالات ، تاركة كتابة القصة القصيرة خلف ظهري هاجرة الشعر إن كان وركنت اهتماماتي في مجال أدب الطفل على رف الانتظار ..
ولم يكن سهلا قط كتابة مقالات جديدة ، تتناول الكيف الثقافي قبل الكم ، تستأصل المعاني من محيط النص ، تقوم باقتناص فوائد تضاف إلى الإبداع والأدب ككل شيئا ذا معنى ، والأهم من ذاك كله لا يخرج المتلقي ذاك المبدع الآخر للنص فارغا ، بل تضيف إلى رصيده الفكري أو الأدبي أو الإنساني أو الحسي نزعة ما ..
فطوال تلك المدة لم اعرف تفسير اللغز الحقيقي الذي حفزني على كتابة المقالات ، ولم أكن أعلم أن ابي رحمه الله هو وراء اتجاهي إليه بقوة وهو من حفز قلمي على الكتابة المقالية بذاك الدفق الحماسي المفرط ..
كان والدي رحمه الله يقول لي عندما ولدتي احسست بشعور كأني ملكت الدنيا ومافيها أذكره برقة صوته يقول لي أنت طفلة أنجبت طفلة، ملكة اتباها بها امام الملأ كان يأتي ليجلس معي يرفه عن نفسي وهو ما به من تعب يكفيه كثيرا جدا.
الإبداع الابوي المفرط هو السر الذي سحبني شيئا فشيئا إلى دهشة فنية المقالية لأنك حين يكون لك اب مفعم بالثقافه والمعرفه فانك لن تخرج خالي الوفاض أبدا ، ولن تكون قط حنين الذي رجع بخفيه .. ولأن ابي يحمل مشاعره إنسانية سامقة في مكمن صدره تجاه الأدب والعلم هي ما جعلته يشجعني ويحفزني دون عن اخوتي واخواتي الآخرين وكأنه يريد ان يجعل لنفسه اسما في عالم الكتابة والصحافة دون كتابةاي مقالة له كان اب رحنه اللخ يقدم النص على منبر الطرح بعطف أب حاني على أبنائه وبمحبة أخ مسؤول عن أخوته الصغار ، وبضمير حي وحس ثقافي وادبي نبيل استطاع خلال سنوات ان يزرع فيَّ حب الكتابة وأن يجعلني اواكب الأدب وعالمه عن حنكة حقيقية وفي كل مرة يبدي للعيان ما خبأه الظل خلفه .
وخلال مدة قصيرة وأنا اغوص في سور غور فن المقالات، وجدت أمامي كما لا بأس به منها ، وثمة مقالات لم تكتمل ، ومقالات أخرى تتريث نضجها على نار هادئة ، وأدركت جيدا أن كتابة المقال كحال الفنون الأدبية الأخرى كما قال عنها رجاء النقاش مثل الاشتغال في الحرب لا يستطيع المشتغل فيها أن يقول إنني أرفض المعارك وإلا فعليه أن يخرج من الميدان .
إن الكتابة التي تثور بها النفس ويصنعها اختلاج القلب ويسرع بها القلم محاولا اللحاق بفيض المشاعر، غير الكتابة التي يكتبها العقل وتعرف متى يبطئ القلم ومتى يسرع.
لقد عودني والدي على حب القراءة والمطالعه منذ الصغر حيث كان يشتري لي القصص القصيرة ذات الصور الملونه البهية وانا طفله في صغيرة لم يتجاوز عمري السبع سنوات وعندما اصبحت في مرحلةالمتوسطة والاعدادية كان يشجعني على شراء المجلات والجرائد وكان يحض لي كل اسبوع عدد من مجلة (الف باء) ان ذاك بعدها اصبح لي هوس غير طبيعي بشراء جريدةالبعث الرياضي والتي كان اصدارها يومي كنت مولعه بقراءتها نظرا لحبي للرياضة وعالمها بالاضافة الى جريدة الجمهورية والثورة ولأن الإنسان أسير ما يقرأ، بدأت خواطري وأفكاري تنطبع بهذه القراءات من محاولات لفهم كل مايجور من حولي من صرخات متتالية وشعور بدأ يتسع ليشمل آلامًا أكبر من آلام المدينة الصغيرة أو حتى آلام البلد الذي اعيش فيه خروج إلى آفاق أمة وشعوب بين مطرقة حاكم ظالم وطائرات عدو لا يرحم العجيب في هذه المرحلة هي انفتاح النفس لاستيعاب كل تلك الكوارث.
(ان الرؤية من دون تنفيذ مجرد حلم، والتنفيذ من دون رؤية مجرد مضيعة للوقت، أما الرؤية والتنفيذ مجتمعان، فيمكن أن يغيرا العالم )هذه الحكمة أعلاه قالها نيلسون مانديلا، وأرى أن أخذها على محمل الجد، والعمل بها، والامتثال لأحكامها، تقودنا الى التحرر من شرك الأحلام بعيدة التحقيق، وتبعد عنا شبح الأمنيات صعبة المنال، فضلا عن النأي بنا بعيدا عن المستحيل وسابع المستحيلات وعاشرها، وما الى ذلك من مبررات التقاعس وذرائع الكسل ومسوغات الفشل، ولاسيما عندنا نحن العراقيين، بعد أن خرجنا من تغيير عام 2003 خالي الوفاض حتى من خفي حنين، وعولنا على انقشاع نظام البعث باستبداله بنظام يأخذ بيد البلد الى حيث الأمان والاستقرار. إذ لم يأتِ ذاك التغيير أكله نضرة ولالذيذة كما ينبغي أن تكون، بل على العكس، فبعد ذاك العام ذقنا من المرار أصنافا، وضقنا ذرعا بأشكال البؤس والقلق وشظف العيش بأبشع صورها.
هي سنوات مضت قُلبت خلالها المعادلة، وليس هذا فحسب، بل يرتفع الشعور أننا نتعرض لتراجع ونكسات، فقد بت أشعر أن وضعنا الحالي كوطن ومواطن أكثر من مقلق، وأن الكلام عن نريد وطن أصبح كلاما إنشائيا لا يغني ولا يسمن من جوعقد يقول قائل إنني متشائة وإنني ادخل عامي الجديد برؤية سوداوية، ولكن هذا هو واقع الحال .
يتحول العالم إلى ألم ومعاناة ثم كلمات في حكايات أو مقالات أو جمل متقطعة لا يقرأها أحد غيرك، ظمأ شديد للمعاني في كل ما يحدث حولك، رغبة مجنونة في سبر أغوار الأنفس وما وراء أفعالها من حولك، تود لو أن تشق قلوبهم وتعرف حقيقة ما بداخلها رغبة في فهم البشر .. من أن يأتي كل هذا الألم؟ .. كل هذا الغضب .. كل هذا الكبر .. كل هذا الظلم .. كل هذا الجبن .. كل هذا الضعف .. كل هذا الإيمان والطيبة والود .. وتظل الحياة أسمى من أن يصفها أي قلم أو تحتويها أي كلمات.
فيما مضى كنت أضع أهدافاً بسيطة لإنجازها قبل عيدي المقبل اما اليوم فأني متفاجئة بكمية الأهداف المأمول إنجازها.فانا لم اعد شخص بعد.انا ام عمري آفاق احلام اولادي وروحي خلية كل فصاً بها يحيا ببقايا انفاسهم.
استطيع ان استل نفسي من كينونة الام التقليدية، ان أتمرد على نظام اتبعته طواعية بل سننته لنفسي بكامل قواي العقلية ومطلق إرادتي.
نعم سوف انسلخ هذا العام من انا تلك لأكون انا بهيئة جديدة تنسجم وتتجانس مع احلام تستيقظ بعد سبات طويل، فأنا التي طالما قلت ان الاحلام لا تشيخ وان الأمنيات دوماً ترفرف في سماء الحالمين والحياة هبة يحق لنا عيشها كما يحلو لنا اذ نحن محاسبون عليها الى اخر نفس فيها.
ان تتحول الانثى من شخص الى ام هذا يعني انها كانت فرد وأصبحت أسرة، مجوعة في واحد. لم تعد مستقلة أصبحت اشتراكية حتى في أحلامها، طموحاتها، مخططاتها المستقبلية رغم انها متيقنة انه في القريب العاجل سوف يستقل الجميع عنها لتعود انثى فرد وقد تقلص كل شيء وانكمش وحتى الاحلام شاخت والأمنيات هرمت.
واليوم فكرت لما الأن بعد هذا العمر اهتم لعيد مولدي اكثر بكثير من ذي قبل.. فوجدت انه لعلي احاول ترميم أحلامي الآفلة وأسعف امنياتي الغافية على متن نجم الصبا بقبلة الحياة.
0 تعليقات