الطبقة الدينية المتبرجزة؟

مشاهدات



بقلم الكاتب والباحث السياسي

الدكتور: أنمار نزار الدروبي


من يستعرض الساحة الفكرية في واقعنا المعاصر، ويتبع الحركة الفكرية وما يجري فيها من صراع محتدم ومتناقض بين رجال الدين نفسهم، فتجد أن التعصب هو السمة الأبرز ومن العوامل الرئيسية التي أدت إلى واقعنا المتردي والمظلم. وعليه فإننا غير متفقون جميعا على مرجع ديني معين، وذلك لعدم وجود مرجع له استقلاليته الفكرية ورفضه للتقليد، مرجع لا يكرر آراء غيره بل يغوص في أعماق القضايا حتى يقف على حقيقتها بجرأة العالم الواثق من علمه ودنيه والمستقل بتفكيره.  ومن بين ثنايا النبرة الثيوقراطية التي صيغ بها حال العراق والعراقيين، فإني في مقالي هذا أكون قد اقترفت الخطيئة المؤلمة عندما فقدت إيماني برجل الدين، رجل الدين في الوقت الراهن هو استهلاك فصل جديد من التاريخ الإنساني بالعراق. لكن سيأتي اليوم الذي يكون فيه الطوفان قد انتهى ويكون الهواء قد تطهر من هذه الطبقة المتبرجزة، ليبزغ فجر جديد على العراقيين، حيث تشرق الشمس من بلاد وادي الرافدين على العالم كله، بعد أن يستعيد العراق تراثه الإنساني الضائع.


وبما أن التزاوج ما بين البترودولارات (متمثلة بسرقة النفط العراقي) وأيديولوجية الطبقة الدينية، بالإضافة لتفشي الراديكالية الإسلاموية في العراق بشقيها (السُني والشيعي)، إذن هي الطبقة الدينية التي استطاعت أن تمزج وببراعة متناهية بين الثيوقراطية والبراغماتية.


 ثم سؤال اعتراضي في جملة اعتراضية لماذا عنوان المقال الطبقة الدينية (المتبرجزة)؟


البرجوازية: هي طبقة اجتماعية ظهرت في القرنين الخامس عشر والسادس عشر، تمتلك رؤوس الأموال والحرف، كما تمتلك كذلك القدرة على الإنتاج والسيطرة على المجتمع ومؤسسات الدولة للمحافظة على امتيازاتها ومكانتها بحسب نظرية (كارل ماركس). وبشكل أدق البورجوازية هي الطبقة المسيطرة والحاكمة في المجتمع الرأسمالي، وهي طبقة غير منتجة لكن تعيش من فائض قيمة عمل العمال، حيث أن البرجوازيين هم الطبقة المسيطرة على وسائل الإنتاج.


وهذا ما ينطبق تماما على الطبقة الدينية حاليا في العراق، فهي الطبقة المسيطرة والحاكمة في المجتمع العراقي، والتي تمتلك كل شيء في البلد وتتدخل في كل صغيرة وكبيرة (دين، سياسة، اجتماع، اقتصاد مشاريع، صناعة وزراعة، طب، فلسفة، رياضة، زواج وطلاق، تربية وتعليم وغيرها). إذن فهي تلك المدرسة الفكرية الفلسفية التي يؤمن بها اصحاب العقول المغيبة، تلك العقول المتعصبة التي يرى اصحابها أن رجل الدين يُعرف نفسه كممثل لدين عظيم وكنز فياض من التعاليم الدينية بل هناك من يصف رجل الدين أنه العالم الديني المرتكن على جبل من التراث والشريعة؟


في الجانب الآخر من الرواية، هناك خطورة ما تمارسه هذه الطبقة الدينية في تكفير من يخالفهم في الرأي وفرض الحدود على المجتمع، رغم أن مآخذ التكفير من الشرع وليس من العقل، بمعنى أن المخالفة في الرأي في مسألة شرعية لا توجب التكفير مطلقا. وعليه يمكن أن تكون هذه الطبقة الدينية البرجوازية تعكس تحليلا للميثولوجيا أي أنها تمارس دور الآلهة المقدسة أو الأسطورة (المرجع الديني، الزعيم الديني، آية الله، سماحته) فهي ترفض الإساءة إلى الأسطورة. وبالتالي وجب علينا نحن العراقيون باختلاف مشاربنا وآرائنا أن نحتذي أو في أمرة هذه الطبقة.


إن حالة الصدام بين المجتمع وبين هذه الطبقة، بدلاً من اندماجها الطوعيّ في هوية واحدة داخل المجتمعات المتعدد الأعراق والمذاهب، ينشأ من محاولة رجال الدين فرضَ إرادتهم على مؤسسات الدولة المدنية وغير المدنية بمختلف الوسائل، وذلك لأن عدم الإيمان بتعدد الهوية، وعدم الانصهار المجتمعيّ بينهم وبين الأفراد، سيُنتج حتماً سياسة الإقصاء والتهميش ضد الآخر، وبالتالي سيؤدي إلى تغذية العنف الديني داخل المجتمع. وفي حالات كثيرة يمكن أن يؤدي شعور التعصب بالانتماء إلى جماعة واحدة إلى تنامي ميول الاختلاف عن الجماعات الأخرى. فالتضافر الضيق بين فئة أو جماعة بعينها يمكن أن يُغذي روح التنافر بينها وبين فئات أخرى داخل المجتمع الواحد.


من هذا المنطلق ، فإن تصنيف الناس والمجتمعات بِناءً على انتماءات الهوية الدينيّة يمثل خطراً كبيراً خصوصا في فهم طبيعة وديناميات العنف والإرهاب في العالم المعاصر. فتقسيم العالم على أساس دينيّ يؤدي إلى تعقيد العَلاقات الدوليّة، كما أنه يكون سبباً في التفرقة بين شخص وآخرَ إلى درجةٍ قد تصل إلى الصدام في أحيانٍ كثيرة.  فلو كانت هوية المسلم الوحيدة هي كونه مسلماً، فإن كل الأحكام السياسيّة والأخلاقيّة للشخص لا بد أن ترتبط بتقييمات دينية، وهذا يمثل الوهم الذي يكمن في محاولة الغرب وخاصة محاولة الأنجلو أمريكية لتجنيد الإسلام فيما يسمى الحرب ضد الإرهاب.


وتأسيسا لما تقدم، فإن ما فعلته هذه الطبقة الدينية أنها فصلت الجيل الحالي عن تاريخه الثقافي والاجتماعي وديانته التي جاءت بالفطرة، إلى درجة أن جزء كبير من شريحة الشباب المسلم في الوقت الراهن لم يعد لهم أية صلة بماضيهم، ولم يعودوا يعرفونه، ولا يفهمون من تاريخهم ودينهم إلا أنه تاريخ منحط ودين غامض.


 


إرسال تعليق

0 تعليقات